المغرب والمحكمة الجنائية الدولية الرهانات والتحديات

المغرب والمحكمة الجنائية الدولية الرهانات والتحديات

المحكمة الجنائية الدولية,الجنائية الدولية,المحكمة الدولية,المحكمة الجنائية الدولية لاهاي,المغرب والمحكمة الجنائية الدولية,محكمة الجنائية الدولية,,المحكمة الجنائية,تأسيس المحكمة الجنائية,محكمة الجنايات الدولية
العنوان    المغرب والمحكمة الجنائية الدولية الرهانات والتحديات  
نوع المرجع   بحث 
من انجاز الطالب    ايوب اللواق   
  تحت اشراف الدكتور   الحبيب استاتي زين الدين 
  السنة الجامعية     2020/2019
عدد الصفحات  79 صفحة
نوع الملفPDF
منصة التحميلMediafire أو Google drive
حجم الملف 1 ميگا

مقدمة

   قدم جون جاك روسو في كتابه الشهير، في العقد الاجتماعي  Du contrat social تصورا عن إشكالية الحرب بوصفها ليست، قطعا، علاقة إنسان بإنسان، بل تمثل علاقة دولة بدولة آخرى، التي يكون فيها الأشخاص، أعداء بعضهم لبعض، إلا بالعرض، اذ لا يأتون الحرب بوصفهم بشرا، ولكن بوصفهم جنودا.

   منذ بداية الإنسانية والعنف ميزة أساسية مرتبطة بطبيعة الإنسان، حيث تطور مع الوقت ولم يعد يقتصر على ذلك العنف بين فردين، بل أصبح ذا طبيعة أخرى والمتمثل في الحرب التي لا تجر الضرر إلى عدد قليل من الناس، بل من ميزاتها، شمولية الضرر على جماعة كبيرة وفي مناطق أوسع. 

   وأمام حتمية الحرب تدرج الفكر الإنسائي باحثا عن حل، ليس لمنع الحرب بل لتحسين ظروفها وجعلها أقل ضررا قدر المستطاع وهذا ما أسفر عليه اجتهاد الإنسان بقوانين كانت في بدايتها مجرد أعراف بين الدول، كالقانون الدولي الإنساني، لكن قواعد هذه المنظومة القانونية، وجد أنها قاصرة وغير فعالة خصوصا في حال انتهاکها هنا ظهرت ضرورة وجود تركيبة مساعدة والمتمثلة في العدالة الدولية الجنائية المكونة من أساس لهام ممثل في القانون الدولي الجنائي، وأليات لتجسيد هذه العدالة ومع تطورها ظهر جيل جديد من القضاء الدولي الجنائي المتجلي في المحكمتين الجنائيتين الدوليتين ليوغوسلافيا ورواندا، اللتين كانتا ذات اختصاص وطني بالدرجة الأولی. 

   من هنا ظهرت ضرورة وجود قضاء دولي جنائي دائم، لتتواصل الجهود الدولية بغية تفعيل القانون الجنائي الدولي وتأسيس محكمة جنائية دولية دائمة للتصدي لمرتكبي تلك الجرائم الدولية بحق الإنسانية واعتبارهم مجرمي حرب. يتوجب على المجتمع الدولي ملاحقتهم، وله الحق في معاقبتهم لتحقيق المصالح الدولية المشتركة وتثبيت العدالة الدولية. الأمر الذي كلل بالنجاح وإقرار النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وقبولها ممثلة للقضاء الدولي الجنائي بشكله الدائم.

   هنا برز المغرب كأول الدول الموقعة على نظام روما وظهرت معالم الدولة في طريق النضال ضد الإفلات من العقاب ومواكبة الحركية الحقوقية الدولية، إذ عرف البناء الدستوري لحقوق الإنسان والحريات في المغرب مجموعة من الموجات حكمتها ظروف ومعطيات متباينة. وكانت محكومة أحيانا بالمد وأحيانا بالجزر، فموجة 1962، عندما دخل المغرب مرحلة جديدة بإقراره أول دستور للبلاد ضمنه أصنافا من الحقوق السياسية والمدنية والإقتصادية والإجتماعية، أقر مبدأ الفصل بين السلطات والملكية الدستورية والطابع الديمقراطي الإجتماعي للدولة، وأخذت بعين الاعتبار مجموعة من القوانيين كقانون الحريات العامة 1958 والقانون الأساسي للمملكة 1961.

   لتليها مرحلة نهاية الستينات والسبعينات، التي تميزت باجواء التوتر الاجتماعي والسياسي.(أحداث 23 مارس 1965) وإعلان حالة الاستثناء والمحاولتان الانقلابيتان (1971 و1972 وأحداث مارس 1973) والتي فسحت المجال لتراجعات على مستوى ضمانات المحاكمة العادلة (مراجعة مسطرة الاعتقال الاحتياطی مثلا) وظهائر الحريات العامة. وفي خضم هذه الأجواء صدر دستور 1970 والذي عرف تراجعا كبيرا ودسترة لحالة الاستثناء. بعد، ذلك سيتم إعلان نوع من الانفراج کرسه صدور دستور ,1972 ومصادقة المغرب على العهدين المتعلقين بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية لسنة 1966 في ماي 1979.

   غير أن تنامي الاحتجاجات الشعبية ومواجهتها بالعنف والمحاكمات غير العادلة والاختفاء القسري والاختطافات. . . ، خلقت نوعا من التشويش على مضمون مقتضیات دستور 1972. عموما فإذا كانت الفترة المعتدة، ما بين 1962 إلى حدود 1972 اتسمت برجحان كفة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على الحقوق المدنية، والسياسية، فإن لحظة الموجة الدستورية الثالثة، تزامنت مع ظهور جيل ثالث من حقوق الإنسان، وتقليص ملحوظ للحقوق الإجتماعية والاقتصادية. لتأتي موجة دستوري  1992 و 1996 التي حملت في طياتها أهم المقتضيات الحقوقية المتمثلة في التأكيد على التزام المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، أي كونية حقوق الإنسان، ومباشرة اتخاذ التدابير القانونية والتشريعية الداخلية اللازمة لمواكبة هذا الإلتزام على مستوى الكم والنوع.

   إن دستور 1996 نجده يضمن بابه الأول جملة من الأحكام والمبادي والضمانات المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات، بعضها يندرج في إطار الحقوق السياسية والمدنية والبعض الآخر يخص الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

   لكن مراحل البناء الدستوري لم تكتمل بعد، إذ عرفت سنة 2011 ما سمي إعلاميا بالربيع العربي أو الربيع الديمقراطي، واتسمت بموجة عارمة من الاحتجاجات الواسعة في الشارع للمطالبة بالكرامة الإنسانية (الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والديمقراطية، الحقوق السياسية، والعدالة، التوزيع العادل للثروات ومحارية الفساد والشفافية والإنصاف). 

   وبدأ الأمر بتونس، وانتهى بسقوط الرئيس بنعلي، ثم في مصر بسقوط حسني مبارك، ثم ليبيا بمقتل العقيد القذافي. ولم يكن المغرب في معزل عن هذه الأحداث، حيث بدات مظاهرات سلمية في 20  فبراير، ليبدا مسلسل جديد من الإصلاحات في المغرب، و وضع الملك خطوطه العامة في خطاب 9 مارس 2011, وتمت العودة إلى الدستور كوثيقة للتعاقد من جديد حول جيل جديد من الديمقراطية والحقوق والحريات، الأمر الذي شكله دستور 2011 الجديد بانتصاره لكونية حقوق الإنسان والتزام الدولة حسب تصدير الدستور بحماية منظومتي حقوق الإنسان والنهوض بهما والإسهام في تطويرهما، مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء .

   في ظل هذه التطورات الدستورية التي تعمل في مجال حماية حقوق الإنسان وصونها والعمل على الحفاظ عليها وفق المعايير الدولية، بقي المغرب مترددا في الإنضمام للمحكمة الجنائية الدولية من خلال المصادقة على نظام روما الأساسی، رغم كونه كان من بين الدول التي دعمت إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة ومستقلة، خلال مؤتمر روما صيف 1998، حيث كان تصريح الوفد الحكومي آنذاك إيجابيا في التعامل المستقبلي مع المحكمة ويعتبر من بين الدول الأولى التي وقعت على معاهدة نظام روما الأساسي في شتنبر سنة 2000.

الفصل الأول: الإطار الموضوعي لنظام روما الأساسي وعلاقته بالنصوص الدستورية المغربية

المبحث الأول : شرعية نظام روما الأساسي للمحكمة الدولية الجنائية

   عرف اختتام جدول أعمال مؤتمر الأمم المتحدة الديبلوماسي للمفوضين بروما في 17 يوليوز /تموز 1998، اعتماد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كما تم تصحيحه وتعديله على مستوى الأخطاء المادية فيه من حيث اللغة". ليتم إصداره مرة أخرى في 20 شتنبر/أيلول 1998 و18 ماي 1999، ليعتمد رسميا من طرف الأمم المتحدة. 

   هذه الأخيرة التي أعطت للمحكمة شخصيتها القانونية، واعتبارها هيئة قضائية دولية دائمة، مهمتها متابعة ومحاكمة وإنزال العقوبات على الأفعال والأشخاص الذين يشكلون انتهاكا صارخا لضمير الإنسانية، وتكون موضع الإهتمام الدولي بأسره (المادة 5 من نظامها الأساسي) كما أن المحكمة ليست كيانا فوق الدولة أو بديلا عن القضاء الجنائي الوطني وإنما هي مكمل لها (الفقرة 10 من ديباجة نظامها الأساسي). كما للمحكمة شخصية قانونية دولية ولها الأهلية القانونية اللازمة لممارسة وظائفها وتحقيق أهدافها.

   سوف نسعى من خلال هذا المبحث إلى التطرق لمحطات إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ومراحل اکتساب المحكمة الجنائية الدولية شريعتها القانونية وكذا اختصاصها.

المبحث الثاني : مدى تعارض مقتضيات نظام روما الأساسي والنصوص الدستورية المغربية

إن إقرار نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يعد تطورا نوعيا عرفته العدالة الجنائية الدولية.
فالمحكمة الجنائية الدائمة تعد إفرازا موضوعيا للفاعلية والمقاومة التي وضعها المجتمع المدني العالمي المتمثل في مجموعة نضالات الحركة الحقوقية العالمية والموالين لها وعدد الضحايا وذويهم، حيث أن هذا الجانب أثر على منظومة القضاء الجنائي الدولي بصفة خاصة والقانون الدولي بصفة عامة . 

فصدور هذا النظام وتطبيق الدول الولاية القضائية العامة من بين العلامات البارزة على طريق نهج نظام ضد الإفلات من العقاب ، إذ يمكن استنباط الدوافع الرئيسية في تطور المركز القانوني الدولي للفرد وتطور الإهتمام الدولي بقضايا حقوق الإنسان. التي كثر الحديث عنها وأضحت عبارة عن شعار  يرفع في جميع أنحاء العالم ومن جميع الجهات والتيارات لكن لأغراض مختلفة وبمضامين متباينة. 

من خلال هذا الجزء، سيتم التطرق الى تقاطعات النصوص الدستورية والتشريعية داخل المغرب ونظام روما، على اعتبار أن موضوع مكافحة الإفلات من العقاب له صلة وثيقة بمسألة دولة القانون التي ينادي بها الملك محمد السادس بلا كلل منذ العرش . 

فالمغرب من الدول السباقة إلى التوقيع على اتفاقية روما سنة ،2000 إلى أن هدف المصادقة بقي بعيد المنال، وذلك بالرغم من تدعيمه لإنشاء محكمة جنائية دولية دائمة خلال مؤتمر الديبلوماسيين صيف 1998، إذ كان تصريح الوفد الحكومي آنذاك إيجابيا في التعامل المستقل مع المحكمة. 

هذا التردد في المصادقة جاء نظرا لتحفظ الدولة المغربية من المحكمة الجنائية، معللين ذلك حسب الموقف الرسمي، بتعارضها مع النصوص الدستورية بالدرجة الأولى، ومنه سنعمل على توضيح مدى التناقض والتعارض بين أحكام النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ونصوص الدستور المغربي ومدى إشكالية التدبير الإتفاقي داخل الدولة.

الفصل الثاني : آفاق المصادقة على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وفقا لمستجدات دستور 2011 والتحديات الواقعية

هناك عدة إشكالات يجد الباحث نفسه ملزما بالوقوف عليها، والمتعلقة في جملها بعوائق مصادقة المغربوعلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فبقدر ما يشكل انضمام المغرب للمحكمة، أحد انشغالات النسيج الحقوقي ذلك ضمانا لبقاء الموضوع على طاولة النقاش العمومي، بقدر ما كان الترافع عنها كأحد المحركات الأساسية في جل السياقات النضالية، وبشتى الوسائل وعلى مستوى كافة الجهات والمستويات للنهوض بمنظومة حقوق الإنسان والوقوف على صونها واحترامها وحمايتها، هذا إلى جانب مقومات أخرى ذات صبغة قانونية وأخرى مجتمعية. 

المبحث الأول : المقومات الداعمة لتحقيق المصادقة على اتفاقية روما

مع تنامي مطالب الحرمان الحقوقية داخل المغرب قصد الدفع بالمصادقة على نظام روما الأساسي. الأمر الذي يعكس التطور في فهم مسار حماية حقوق الإنسان على الصعيد الدولي. 

فرغم الصراع الحاصل بينما تقتضيه فصول النظام الأساسي للمحكمة ومحدودية علاقتها بالنهوض الدستوري وامتيازات الجهاز البرلماني، وضرورة العمل على تناسب القرارات والتشريعات والوثائق القانونية لتتماشى مع ما أقرته بنود المحكمة. جعلت الحركات الحقوقية تأخذ عدة اشكال لتغيير ميكانيزمات العمل من أجل المطالب المتعلقة بالمصادقة، بوصفها تمثل فلك للتواصل والتعبير عن الاختلافات السياسية والحقوقية من جهة. وأداة ضغط على المشرع من جهة أخرى.

المبحث الثاني : التحديات الواقعية للمصادقة على نظام روما الأساسي

يعد تحفظ المغرب على مصادقته على نظام روما، ليس الأول من نوعه في هذا السياق، حيث إن مجموعة من الدول المصادقة تراجعت عن المصادقة، أو ما يعرف أكاديميا بتذبذب الموقف الرسمي للدولة في إطار المصادقة.

 فالدولة المغربية بداية كان لها حضور ديبلوماسي كبير في انشاء معاهدة روما، لكن لا يمكن أن يغامر في الإنخراط في النظام، فالعديد من الدول التي تنادي بحقوق الإنسان ودستورها يقول باللبرالية، كالولايات المتحدةةالأمريكية لم تندرج ولم تنخرط في النظام، بل كانت من أشد المعرضين له.

وقد سبق لوزير حقوق الإنسان المغربي مصطفى الرميد" أن أكد على أن شروط الانضمام إلى الجنائية الدولية لم تنضج بعد، لخطوة مصادقة الحكومة الحالية على انضمام للمحكمة الجنائية الدولية، وأن المصادقة على النظام في الوقت الراهن غير وارد بالنسبة للحكومة المغربية، بالأخص وأن الأخيرة لا تزال في صراع على قضية الصحراء المغربية المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو، كما كان له تساؤل حول قدرة المحكمة على فرض نفسها على المنتظم الدولي، خصوصا وأنها في بداية تأسيسها كان لها طموحات على محاكمة الجناة على المستوى الدولي الذين لا تستطيع المحاكم الوطنية محاكمتهم ولا جلبهم للمثول أمامها . لكن الهيئة حسب تعبير الباحثين عرفت تسييسا في أحكامها وطبيعة تطبيق أحكامها.


 المصدر بحث المغرب والمحكمة الجنائية الدولية الرهانات والتحديات للطالب أيوب اللواق
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-