التدبير المالي الترابي بين اكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة

التدبير المالي الترابي بين اكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة

التدبير المالي الترابي بين اكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
العنوان     التدبير المالي الترابي بين اكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة  
نوع المرجع   اطروحة 
إعداد الباحثة    سناء حمر الراس   
  تحت اشراف الدكتور   عبد النبي اضريف  
  السنة الجامعية     2017/2016
عدد الصفحات  286 صفحة
نوع الملفPDF
حجم الملف 2MO
روابط التحميل Mediafire أو Google drive
أطروحة التدبير المالي الترابي بين اكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة

مقدمة

   اختار المغرب منذ بداية الاستقلال العمل بنظام اللامركزية، كنظام لتوزيع الإختصاصات والموارد بين الدولة والجماعات الترابية. وقد عرف هذا النظام مراحل متوالية من الإصلاحات والتحدي، إلى حدود صدور دستور 2011، الذي کرس الجهوية المتقدمة في فصله الأول، مؤكدا أن التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لامركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة، مسجلا بذلك نقطة تحول في تاريخ اللامركزية بالمغرب.

   وتحتل مالية الجماعات الترابية، مكانة مهمة ومحورية في التنظيم اللامركزي، باعتبارها الوسيلة الأساسية لتنفيذ السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية على المستوى الترابي.

   غير أن التدبير المالي للجماعات الترابية، تعترضه العديد من الإكراهات والاختلالات، حاول المشرع المغربي تجاوزها من خلال إعلانه عن مجموعة من الإصلاحات والقوانين التنظيمية الجديدة، والانفتاح على آليات الحكامة المالية.

   ومن أهم الدول التي انخرطت في هذا الاتجاه، نجد فرنسا، التي عرفت عدة إصلاحات لنظامها المحلي ولماليتها الترابية، بداية من المراجعة الدستورية في 28 مارس 2003 ، ومرورا بإصدار القانون المنظم للاستقلال المالي للجماعات الترابية في 29 يوليوز  2004.

   إن التدبير المالي للجماعات الترابية، هو إفراز للتطور العام  للنظام اللامركزي بالمغرب. ذلك أن هذا التدبير مر بمحطات تاريخية، ساهمت في وضع اللبنات الأولی لمالية الجماعات الترابية، بدءا من الفترة التي سبقت نظام الحماية، حيث تم الاهتمام بمؤسسة الأمناء، کجهاز مكلف بتدبير المال العام في العهد المخزني، والتي عرفت نقاشا فقهيا حول مدی وجود جبايات محلية من عدمها، إذ هناك من نفي إمكانية وجود موارد جبائية خلال فترة ما قبل الحماية، بحيث لم توجد ضريبة ذات صبغة محلية بل كانت عبارة عن واجبات تدفع عند أبواب المدن، تعرف بواجب الحافر، إلى جانب الرسوم التي تدفع بمناسبة تبادل السلع في الأسواق المحلية برسوم المكوس، بينما هناك طرح آخر مغاير أقر بوجود جبایات، كان المستفيد الأول منها المدينة أو القرية في بعض منشاتها، وكانت تسمی هذه الجبايات بالمستفادات أو المستفاد.

   أما فترة الحماية، فقد عرفت ظهور البوادر الأولى لوضع نظام جبائي كفيل بتسديد حاجيات الدولة، وكانت إدارة الحماية تنوي تنظيم ماليتها وهياكلها الإقتصادية، إلا أن عملية وضع نظام جبائي للمدن، اعترضتها عدة صعوبات، تجلت في وضعية المغرب الخاصة على الصعيد الدولي، لذا عدلت سلطات الحماية آنذاك عن فكرة فرض ضريبة ذات مردودية وافرة لفائدة المدن، وبالمقابل قامت بعدة محاولات لتحسين الوضعية، فأنشأت بعض الضرائب، كالضريبة على الملك العام، لكن سرعان ما تبين أن دخلها كان ضعيفا، وغير كفيل بتوفير موارد كافية للمدن.

   وأمام ضعف الموارد المحلية، وازدیاد حاجيات المدن، ظهرت بعض الميزانيات البلدية منذ سنة 1913م، واعتمدت في أغلب مواردها على إمدادات الدولة والقروض.

   كما ظهرت عدة نصوص تشريعية، تهدف إلى إعطاء نفس جديد للنظام المالي والمحاسبي للبلديات، كظهير فاتح أبریل 1913م، الذي يتعلق بالمحاسبة البلدية، وظهير 22 يوليوز 1916م، الذي حدد الرسوم والحقوق البلدية، كالرسم المفروض على الحفلات، والرسوم المفروضة على توزيع المياه، وظهير 28 مارس 1917م، الذي جاء برسوم بلدية أخرى كالرسم المفروض على الكلاب، والرسم المفروض على الذبح .

   إن الهدف من خلق هذه الضرائب والرسوم، هو محاولة تقليص العجز الذي كانت تعرفه ميزانيات البلديات، غير أن هذه الجبايات لم تكن كافية لتغطية النفقات المتزايدة للمدن. ومن تم ظلت ميزانيات البلديات تعتمد على إمدادات الدولة إلى حدود ,1941 ومع تطور الأوضاع بالمدن، التي أخذت تعرف نشاطات صناعية متنوعة، بدأت تطرح مشاكل الحركة المجالية، خاصة أمام تزايد اليد العاملة النازحة من الأرياف.

   ولمسايرة هذه الأوضاع، أصبح الأمر يتطلب من الدولة البحث عن إيجاد موارد جديدة لصالح البلديات لمواجهة نفقاتها المتزايدة، وهو ما دفعها إلى التنازل عن الجزء الأصلي من الضريبة الحضرية لفائدة البلديات، وذلك بمقتضى الظهير الشريف المؤرخ في 20 أبريل 1942، كما تنازلت عن القسط القار من ضريبة السكني سنة 1946. وفي سنة 1948 أضيف إلى موارد البلديات الجزء الأصلي من الضريبة المهنية.

   إن النظام الجبائي المحلي خلال فترة الحماية، لم يعرف تطورا في اتجاه لامركزية مالية، تمكن البلديات من تدبير شؤونها، حيث يظهر ذلك من خلال توزيع الرسوم والضرائب بين الدولة والبلديات، إذ كان نصيب البلديات ضعيفا جدا بالمقارنة مع ما استحوذت عليه الدولة ومع فترة الاستقلال، خضع التنظيم المالي للجماعات الترابية، لإصلاح قانوني مهم في ظل ظهير 23 يونيو 1960، الذي كان يأخذ بمبدأ ثنائية الميزانية، المتمثلة في الميزانية الأصلية، التي تهم مختلف عمليات التسيير، والميزانية الإضافية التي تخصص لتغطية عملية التجهيز. 

   غير أنه في ظل محدودية هذه التجربة، فإن القوانين الصادرة في 30 شتنبر 1976، منها الظهير المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية وهياتها، والمرسوم الخاص بسن نظام لمحاسبة الجماعات المحلية وهياتها، ستعمل على إدخال مجموعة من الإصلاحات على التدبير المالي للجماعات الترابية، وخاصة على مستوى الميزانية، حيث انتقلت من میزانيتين أصلية تخص التسيير، وإضافية تخص التجهيز، إلى ميزانية واحدة، تضم التسيیر في جزئها الأول، والتجهيز في جزئها الثاني.

   وموازاة مع التغیيرات التي لحقت ميزانية الجماعات الترابية، أصدر المشرع على مستوى التنظيم المالي الترابي، مجموعة من النصوص التشريعية والتنظيمية. والتي ساعدت على تحسين وتطوير العمليات المالية، التي تشرف على ممارستها الجماعات الحضرية والقروية.

   لكن في المقابل، لم تساهم هاته التعديلات إلا بشكل محدود في تعزيز المنظومة الضريبية الترابية، بحيث ظلت هذه التعديلات جزئية ومعزولة. وبقي ظهير 23 مارس 1962 هو المرجع القانوني في تنظيم رسوم وجبایات الجماعات الترابية.

  ثم جاء القانون الإطار لسنة 1984 المتعلق بالإصلاح الضريبي، إذ عمل على ضمان تحويل مدخول الضريبة على الأرباح المهنية كليا إلى الجماعة الترابية، كما نص على تخصيص 30 في المائة على الأقل من موارد الضريبة على القيمة المضافة لهاته الجماعات.

    غير أن هذه التعديلات بالرغم من أهميتها، لم تكن کافية من أجل مواكبة الحاجات المتزايدة للجماعات الترابية في تدبير شؤونها اليومية. لذا، و وعيا بضرورة تمكین هذه الجماعات من نظام جبائي منتج، يعتمد على تقنيات وأساليب حديثة، في إقرار وتحصيل الضرائب والرسوم، ويتجاوز في الوقت ذاته سلبيات الأنظمة الجبائية السالفة، عمد المشرع المغربي إلى صياغة قانون جديد للجبايات المحلية، بتاريخ 21 نوفمبر 1989، للمساهمة في تطوير المردودية الضريبية للمجالس الجماعية، ويعزز بالتالي الإستقلال المالي للجماعات الترابية.

    ومن أجل تجاوز مختلف الإشكالات التي خلفتها الممارسة المالية الترابية، لأزيد من ثلاثة عقود، وفي سياق التحولات التي يشهدها تدبير الشأن العام الترابي، خاصة على مستوى تحديث الترسانة القانونية على المستوى الجبائي، بدخول القانون رقم 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية حيز التطبيق في سنة 2008 ، وعلى المستوى الإداري خاصة، بدخول القانون رقم 17.08 حيز التنفيذ، المعدل والمتمم للقانون رقم  78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي في سنة 2009 ، جاء القانون رقم 45.08 المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية ومجموعاتها، بغية تحديد طبيعة الإصلاحات التي يتعين القيام بها لتحديث النظام المالي، وجعله أكثر ملاءمة لمتطلبات الحكامة الجيدة  للجماعات الترابية. 

   كما تم بموجب هذا القانون تفعيل المرسوم المتعلق بسن نظام للمحاسبة العمومية للجماعات المحلية ومجموعاتها بتاريخ 03 يناير 2010، حيث أقر عدة مستجدات من قبيل المخطط المحاسبي، والمحاسبة التحليلية للميزانية.

   ومع بروز النقاش حول الجهوية المتقدمة والتعديل الدستوري لسنة 2011 عملت الدولة على إعادة النظر في وحداتها الترابية، ليس فقط على مستوى التوزيع العمودي والأفقي للاختصاصات، أو التقسیم الترابي لهذه الوحدات، وما يرتبط به من أدوار جديدة ستلعبها الجماعات الترابية مستقبلا، بل أيضا على مستوى المقاربات المعتمدة في التدبير، وذلك بتجاوز المقاربات التقليدية في تدبير ميزانيات الجماعات الترابية، وايجاد بدائل لتمويل وتنمية قدراتها المالية، مع التفكير في النتائج والأهداف.

   وفي هذا الصدد، تم من خلال القوانين التنظيمية الجديدة  للجماعات الترابية، تبني آليات الحكامة المالية لتجاوز الإكراهات والاختلالات، التي تعاني منها مالية الجماعات الترابية.(...)

القسم الأول : واقع التدبير المالي للجماعات الترابية

   أصبحت مهام الجماعات الترابية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، تطرح عدة أسئلة بخصوص الموارد المالية، كوسيلة لتغطية النفقات السوسيو اقتصادية، إذ يوجد ارتباط كبير بين المالية والواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، فالعمليات المالية تستجيب لحاجات، وتخضع لقواعد وتستعمل لتحقيق الأهداف، ومن هذا المنطلق، لا تختلف عن العمليات الأخرى، فنشاط مرفق أو جهاز عمومي يتوقف وجوده أو استمراره على الجانب المالي، إذ بدون الوسائل المالية لا يمكن للجماعات الترابية القيام بمهامها.

   لهذه الأسباب، فإن نجاح أي جماعة ترابية رهين بصياغة وإعداد وتنفيذ الإستراتيجيات المالية، التي تعتمد عليها المجالس المنتخبة، في بلورة تصوراتها المستقبلية للتنمية الترابية، من خلال التدبير الجيد لميزانياتها ( إيرادا وإنفاقا)، وهو ما يجعل التدبير المالي للجماعات الترابية ضرورة أساسية لكل جماعة على حدة (الجماعات، والعمالات والأقاليم والجهات) من أجل تحقيق أهدافها المسطرة سلفا، استنادا إلى تخطيط مسبق، وتنظيم محكم وإنجاز دقیق ومراقبة هادفة.

   إن التدبير المالي للجماعات الترابية وعقلنة الموارد، عرف ضعفا واختلالات ناتجة عن محدودية موارد الجماعات الترابية، نظرا للارتباط الوثيق بالدولة، وإشكالية الباقي استخلاصه، وثقل الوصاية، وضعف الرقابة، كما أن تدبير نفقات الجماعات الترابية تعترضه عدة صعوبات سيتم توضيحها من خلال هذا القسم، لهذا تم تخصيص الفصل الأول لمعالجة ضعف تمويل الجماعات الترابية، وعجز الوحدات الترابية عن تدبیر مواردها، على أن يتم التطرق في الفصل الثاني لإشكالية تدبير الإنفاق الترابي.

الفصل الأول : ضعف تدبير الموارد المالية للجماعات الترابية 

الفصل الثاني : طبيعة تدبير الإنفاق الترابي

القسم الثاني : آفاق تقوية وتجويد التدبير المالي الترابي

   نتيجة للمتغيرات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، التي تشهدها الجماعات الترابية ببلادنا، والتحول من الدور الإداري للجماعة الترابية، إلى الدور الاقتصادي، وما ترتب عن ذلك من دخول مجالات المنافسة خصوصا في العقود الأخيرة، والاستثمار في عدة مجالات إقتصادية، أصبحت تعجل في التفكير في أنماط حديثة للتدبير، وخصوصا على المستوى المالي من هذا المنطلق، فالتنمية المستدامة، لا يمكن تحقيقها، إلا من خلال النهوض باللامركزية، وتكريس الحكامة الترابية، وإرساء قواعد ومبادئ حسن التدبير.

   فلا يكاد يخلو أي خطاب ملكي، من التأكيد على ضرورة ترسيخ اللامركزية في اتجاه إفراز مجالس محلية وإقليمية وجهوية، تجمع بين ديمقراطية التكوين وعقلانية التقطيع ونجاعة وشفافية وسلامة التدبير، والتوفر على أوسع درجات الحكم الذاتي والإداري والمالي.

   زد عل ذلك، التنصيص الدستوري لسنة 2011، على قواعد وتقنيات التدبير الحديثة، حيث نص الفصل 136، على ما يلي: " يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن، ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المستدامة". 

   وعموما، فالتطرق لآفاق تقويم تجويد التدبير المالي الترابي، ستتم من خلال معالجتنا للقوانين التنظيمية وملاءمتها لمبادئ الحكامة المالية (الفصل الأول)، ولآفاق التدبير المالي الترابي على ضوء القواعد الحديثة (الفصل الثاني).

الفصل الأول : القوانين التنظيمية للجماعات الترابية وملاءمتها لمبادئ الحكامة المالية

الفصل الثاني : آفاق التدبير المالي الترابي

المصدر اطروحة التدبير المالي الترابي بين اكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة للدكتورة سناء حمر الراس
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-