تدبير مالية الجماعات الترابية بالمغرب

تدبير مالية الجماعات الترابية بالمغرب

تدبير مالية الجماعات الترابية بالمغرب,مالية الجماعات الترابية,المالية المحلية
العنوان  تدبير مالية الجماعات الترابية بالمغرب
تأليف الدكتور  كريم الحرش
نوع المرجع كتاب 
الطبعة    2017 الثالثة
توزيع مكتبة الرشاد
الإيداع القانوني 2017 MO 4347
ردمك 978-9954-99-524-2
المطبعة مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء
عدد الصفحات296 ص
حجم الملف10 ميگا
نوع الملفPDF
روابط التحميلmediafire أو google drive
تدبير مالية الجماعات الترابية بالمغرب,مالية الجماعات الترابية,المالية المحلية

مدخل

المملكة المغربية كغيرها من البلدان اعتمدت سياسة اللامركزية كأسلوب للتنظيم الإداري الذي يحقق القدرة الفعالة في إدارة شؤون الدولة على المستوى الترابي، باختيارها لنموذج بسيط للجماعات الترابية يتكون من الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات، حيث وضع الميثاق الجماعي ل 23 يونيو 1960، أسس هذا المسلسل من خلال تمكين البلاد من المؤسسات الديمقراطية الأساسية. 

كما تم إنشاء المستوى الثاني من التنظيم المحلي سنة 1963 من خلال إحداث العمالات والأقاليم. وبعد ذلك سوف يتم تدعيم مسار اللامركزية الإدارية بموجب الميثاق الجماعي ل 30 شتنبر 1976 ليعطي دفعة كبيرة لهذا المسلسل بتعزيز مكانة الجماعة على المستويين المؤسساتي والاقتصادي وذلك بتوسيع نطاق اختصاصاتها وتدخلاتها.

 كما شهدت هذه السنة صدور ظهير 30 شتنبر 1976 بشأن تنظيم مالية الجماعات المحلية وتجمعاتها والذي ظل ساري المفعول إلى غاية تعويضه بقانون التنظيم المالي المحلي رقم 08-45 الصادر في  5 مارس 2009 . 

وباعتماد المغرب لدستور فاتح يوليوز 2011، تم فتح ورش جديد لإصلاحات أكثر جرأة وموجهة كليا نحو ترسيخ تحميل المسؤولية للفاعلين المحليين، تهدف إلى إعادة تموقع الجماعة الترابية خاصة في مهامها المتمثلة في تقديم خدمات للمواطن وتنشيط التنمية المحلية، عن طريق تمكين المملكة المغربية من نظام ترابي يتمحور حول الجهوية المتقدمة، قوامه الانتقال إلى مرحلة جديدة من اللامركزية الترابية والديمقراطية التشاركية، وتدعيم استقلالية المجالس التداولية الترابية إداريا وماليا وممارسة اختصاصاتها في إطار مبدأ التدبير الحر مع ترسيم قواعد الحكامة الترابية.

لأنه بإعمال مبدا التدبير الحر ستتوفر الجماعات الترابية على استقلال حقيقي، وحرية أكبر في اتخاذ قراراتها وفي التعبير عن إرادتها، ومن ضمان حصولها على الوسائل القانونية الكفيلة بتحقيق ذلك، بتمتيعها بسلطة تنظيمية محلية تتولى من خلالها وضع قواعد تنظيمية في المجالات التي يحددها القانون، وحرية تعاقدية معترف بها لفائدة المجالس التداولية تتمثل في حرية إبرام العقود المناسبة لأداء مهامها، وكذا حرية اختيار طرق تدبير المرافق العامة التابعة لها، والحرية في التعاقد أو الامتناع عن التعاقد واختيار المتعاقد معها، وفي تكوين العقد وتحديد مضمونه وطرق تنفيذه.

تدعيما لهذا التوجه الدستوري تم اعتماد ثلاثة قوانين تنظيمية، يخص كل واحد منها مستوى من اللامركزية الترابية، ويتعلق الأمر بالقانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، والقانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالأقاليم والعمالات ثم القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، والتي عملت على التطرق لتنظيم المجالس المنتخبة وطرق تسييرها، والنظام الأساسي للمنتخب، واختصاصات الجماعة الترابية، ثم صلاحيات المجلس ورئيسه، وإدارة الجماعة الترابية وآليات التعاون والشراكة، ثم المراقبة الإدارية للجماعة الترابية، ثم المنازعات، وأخيرا قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر. وعلى المستوى المالي، حفلت النصوص التنظيمية الثلاثة بمجموعة من المستجدات المتعلقة بتنظيم ممارسة الحقوق المالية للجماعات الترابية، وتنظيم الأعمال المالية التي من حقها القيام بها، إضافة إلى تنظيم أداء الواجبات المالية والخدمات المحلية المرتبطة بها .

وفي ظل هذا التصور، يحتل التدبير الجيد لمالية الجماعات الترابية مكانة محورية في مسار بناء اللامركزية الترابية بالمغرب، ويتجلى ذلك في اهتمام المشرع المغربي بتطوير المنظومة القانونية للمالية المحلية، حيث جعلت القوانين التنظيمية الثلاثة، مختلف التدخلات المالية للمجالس التداولية أكثر استجابة لمختلف مبادئ الحكامة المالية في ضوء الأدوار الجديدة للجماعات الترابية، باعتماد منهجية للعمل المتعدد الأطراف تنفتح على فاعلين آخرين كالقطاع الخاص والمجتمع مدني، وبآليات عمل تعتمد معايير جديدة من قبيل المشاركة، المشروعية، الشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة...الخ

وذلك لهدف عام وهو تحقيق شرط التنمية الترابية استنادا إلى ما توفره الميزانية المحلية من إمكانيات تدبيرية بدء بالمبادئ المؤطرة لها وكيفية تحضيرها وإعدادها وتنفيذها والرقابة عليها (الفصل الأول)، مرورا بمجمل الإيرادات الذاتية والاستثنائية التي تغديها وتجعلها أكثر قدرة واستجابة للحاجيات اليومية للساكنة المحلية، بما توفره، أخيرا، من نفقات تسييرية وأخرى تجهيزية (الفصل الثاني).

الفصل الأول : تدبير إيرادات ميزانية الجماعات الترابية وطرق إنفاقها

يعد التمويل العنصر الجوهري والأساسي من عناصر العمل بوجه عام، ولذلك يتطلب الأمر وضع وسائل تمويلية كافية في أيدي الجماعات الترابية لتستطيع السير في طريق النجاح، شريطة أن يكون النظام المالي مرنا وقادرا على المعالجة، بل وإزالة والعراقيل التي تحد بنسبة كبيرة من قدرة المجالس المنتخبة على المبادرة والإبداع وفي ذات الوقت يضمن عدم التبديد والانحراف. 

ومن ثم يحتل التدبير المالي الترابي أهمية خاصة في التنظيم الإداري للمملكة المغربية، باعتباره العنصر الأساسي في التعرف على الجماعات الترابية وتمييزها عن غيرها من الأشخاص المعنوية، نظير كيانها المنفرد وصلاحياتها الذاتية في استخلاص مختلف الضرائب والرسوم من المواطنين في نطاق اختصاصها، أي تمتعها بمظهر من مظاهر السلطة العامة، إلى جانب أن تحديد المصادر المالية، يلعب دورا هاما في توجيه الأنشطة السياسية على المستوى الترابي، ولاسيما إذا تضمنت بعض البرامج الانتخابية المطالبة بتخفيض الواجبات الجبائية لتخفيف عبئها على مواطني الجماعات الترابية، هذا بالإضافة إلى أن للجوانب المالية المحلية آثارا حاسمة في رسم الإطار العام وتحديد مضمون خطة عمل مجالس للجماعات الترابية.

وإذا كان الهدف الرئيسي من إقرار اللامركزية الترابية هو تحقيق رغبات المواطنين وحل مشاكلهم وتنفيذ المشاريع الحيوية والضرورية التي يحتاجونها، فإنه لابد أن يكون لموارد الجماعات الترابية دورا أساسيا في تمويل هذه المشاريع على الرغم من أن مواردها المالية لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من ميزانياتها. 

ومن تم يعتبر الموارد المالية المحلية من المقومات الأساسية لقيام اللامركزية الترابية ذاتها حيث يتوقف نجاح الجماعات الترابية في النهوض بالمسؤوليات الملقاة على عاتقها على مدى قدرتها المالية، وبقدر ما تتناسب هذه الموارد مع الاحتياجات بقدر ما يتحقق لهذه الوحدات الترابية الفعالية المطلوبة في خدمة المجتمع المحلي، وذاك هو المناط الحقيقي في التفرقة بين دولا متقدمة وأخرى نامية. 

أي أن الهدف الأساسي من اللامركزية الترابية هو تلبية حاجيات المواطنين من سلع وخدمات، ووجوب أن تكون هذه الخدمات ملائمة ومسايرة للطلب المحلي في الكمية والنوع ومتوافقة مع اختلاف طبقات المجتمع في الذوق والعادات والتقاليد المتعارف عليها.

إن الجماعات الترابية، وهي بصدد الوقوف على الحاجات العامة تبعا لأولوياتها وأهميتها وبالتالي تقدير النفقات اللازمة للقيام بذلك، يجب أن تضع نصب أعينها التقدير الواقعي للإيرادات التي تحصل عليها سواء من الإيرادات العادية أو الاستثنائية، وذلك لتحقيق عنصر المرونة وتغطية العجز بقدر الإمكان في السلع والخدمات العامة الضرورية، لما لذلك من أهمية بالغة في صيانة الاستقرار الاقتصادي داخل المجتمع المحلي، الأمر الذي يحتم أن يكون لدى المجالس المنتخبة السيولة النقدية الكافية للاستجابة للحاجيات التنموية لمواطنيها.

 لكون هذه الإيرادات هي الرصيد المالي والرأسمال الذي تتحرك بواسطته المجالس المنتخبة في مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية والإدارية...الخ، لأن قياس دور أي جماعة ترابية في التنمية المحلية يستند إلى حجم الموارد العادية التي تدخل في خزينتها، إلى جانب الموارد الاستثنائية التي تحصل عليها من جراء حصولها على الإمدادات العمومية من الدولة أو القروض التي تدعم بها ميزانيتها من جراء لجوئها إلى صندوق التجهيز الجماعي (المبحث الأول).

وعليه، تلعب إيرادات الجماعات الترابية دورا هاما في تنشيط مكونات التنمية المحلية، التي بدونها لا يمكن تمويل مختلف نفقاتها بصرف المبالغ النقدية الموجهة لإشباع الحاجات العامة المحلية. مع ضرورة الإشارة هنا إلى التطور المهم الذي أصبحت تعرفه مختلف نفقات الميزانية المحلية الذي أصبح يفوق بكثير إيراداتها، نتيجة للمتطلبات الضرورية المتزايدة التي تحتاجها مهام التسيير، وتوسيع مجالات تدخل المجالس الترابية المنتخبة في ميادين توجيه الاستثمار والتجهيز لخدمة للتنمية المحلية.

كما أنه مهما ارتفعت وتزايدت المداخيل المالية للجماعات الترابية، فإنها تبقى رهينة بتزايد نفقاتها المرتبطة بحجم وتنوع الخدمات والحاجيات العامة المحلية المختلفة من ناحية، ومن ناحية أخرى تبقى كذلك رهينة بمستوى تدبير وعقلنة ترشيد هذه النفقات مع المحافظة عليها وتوظيفها في الجزء الخاص بها (المبحث الثاني).

الفصل الثاني : تدبير ميزانية الجماعات الترابية ورهانات الحكامة المالية المحلية

مما لا شك فيه أن الاهتمام المتزايد بالجماعات الترابية كإطار ملائم في بلورة إستراتيجية جديدة للمساهمة في التنمية باتت أحد الركائز الأساسية للعمل وللتدبير على المستوى الترابي، وأصبحت مطالبة أكثر عبر العقلنة في تدبير نظامها المالي أن تنتقل من المساهم إلى دور الشريك الفعلي والمنشط الحقيقي للتنمية المحلية، والمنسق الفعال لتدخلات مختلف الشركاء والفاعلين الاقتصاديين على مستوى الوحدات الترابية للمملكة، ومن منطلقه أضحى التدبير السليم والمعقلن للشأن الترابي يستدعي توفير مجموعة من الأدوات والآليات المالية والمحاسبية، التي تشكل في ضوئها الميزانية المحلية الأداة التوجيهية والتدخلية للجماعات الترابية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وبذلك فإنها تعبر عن الاختيارات العامة للسياسة المالية المعتمدة من قبل هذه الوحدات، فتجمع بين الأداتين الماليتين الخاصتين بالإيرادات والنفقات في وثيقة واحدة، لا تعبر فحسب عن طبيعة الفعل السياسي المحلي ودور كل من الأغلبية والأقلية المكونة للمجالس المنتخبة، وإنما تعبر كذلك عن الاختيارات المعتمدة من طرفها في مجال التنمية المحلية.

وتتجسد الميزانية المحلية فيما تسطر العمليات والتصرفات المالية والمحاسبية التي تسمح للهيئات اللامركزية ببرمجة مشاريعها التنموية وتنفيذها، حيث يعبر إحداث وحدات ترابية متمتعة بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي تكريسا لمبدأ التدبير المحلي للشأن التنموي، ولأساس إحداث هيئات تختص بتحقيق التنمية المحلية فمجالات عمل اشتغال الجماعات الترابية، وكذا میادین ممارستها لاختصاصاتها، تندرج كلها في هذا السياق، بدءا من التسيير المحلي لشؤون السكان، ومرورا بتدبير المصالح والمرافق المحلية، ثم وصولا إلى تنمية وإنعاش الاقتصاد المحلي، وهذه المجالات إنما تتمحور حول النشاط المالي والتدبير الترابي، والتي يجد أسسه المالية والمحاسبية في الميزانية المحلية بحمولتها القانونية والعملية، وبكل حيثيات تحكم المجالس المنتخبة في إعدادها وتنفيذها واستقلالية تدبيرها. 

لذلك ظلت التنمية المحلية الأساس الجوهري لإحداث مالية محلية مستقلة مجسدة في ميزانية توجه مواردها ونفقاتها لتنمية الجماعات الترابية .

وعلى أساس ذلك، تمر ميزانية الجماعات الترابية بأربعة مراحل رئيسية تبدأ بالتحضير (الإعداد) ثم المصادقة أو الاعتماد (الإقرار)، ثم التنفيذ والتعديل والحصر وهناك مرحلة رابعة تصاحب تنفيذ الميزانية وتمتد لتكون لاحقة وهي مرحلة المراقبة، حيث تتضمن كل مرحلة من هذه المراحل إجراءات معينة تختلف من تشريع إلى آخر، ذلك أن المشرع المغربي قد أوكل مرحلة الإعداد إلى رؤساء المجالس المنتخبة باعتبارهم السلطة التنفيذية لمجالسها، في حين ستحتفظ سلطة الوصاية بالحق التقليدي للتأشير على جانب أعمال المجلس ومنه المجال المالي، الذي يضم الميزانية المحلية (المبحث الأول).

 أما على مستوى تنفيذ وتعديل وحصر الميزانية ثم مراقبتها، فقد تم إسناد مهام التنفيذ بكل من رئيس المجلس المنتخب باعتباره آمرا بالصرف لميزانيتها، والمحاسب المكلف بالجماعة الترابية المعنية. أما تعديل الميزانية، فإنها تعتبر إمكانية مالية تم الاعتراف بها للمجالس المنتخبة، وهي تخضع لنفس الإجراءات المسطرية المتبعة بخصوص إعداد الميزانية المحلية. بينما تسند مهام الرقابة عليها إلى مجموعة من الهيئات الإدارية والمالية والقضائية (المبحث الثاني).

  مواضيع ذات صلة :  
_______________________________________________________________________
المصدر كتاب تدبير مالية الجماعات الترابية بالمغرب للدكتور كريم الحرش 
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-