العنوان | ميزانية الجماعات الترابية على ضوء مبدأ استقلال القرار المالي الترابي |
---|---|
تأليف الدكتور | المصطفى بسي |
التصنيف | مقال |
عدد الصفحات | 26 ص |
حجم الملف | 1 ميگا |
نوع الملف | |
منصات التحميل | mediafire أو google drive |
مقدمة
إن المكانة الدستورية التي أصبحت تتمتع بها الجماعات الترابية في ظل دستور 2011 ،أعطت للتنظيم الترابي والجماعات الترابية بمستوياتها الثلاث تصورا جديدا ، يتلائم ومكانة كل مستوى منها ضمن الهندسة الترابية الجديدة، حيث أضحت أنظمتها ترسخ لمبدأ الحداثة في التدبير والنجاعة في التدخلات والجودة في الخدمات.
ومن أبرز ما تضمنته الوثيقة الدستورية، مجموعة من المبادئ التدبيرية التي تدخل في خانة قواعد التدبير العمومي الترابي الحديث، عكسته بجلاء مقتضيات القوانين التنظيمية لهذه الجماعات.
فهذه الهندسة الترابية الجديدة بكل تجلياتها، تهم تدبير جميع مناحي الشؤون العامة الترابية الاستراتيجية منها والتدبيرية، تمت بلورتها على شكل اختصاصات وأدوار تنموية تقوم بمقتضاها هذه الجماعات بتسطير برامجها ورسم سياستها التنموية، في أفق ترجمتها إلى اعتمادات مالية وعمليات محاسباتية مدرجة بميزانياتها السنوية وبرمجتها متعددة السنوات.
على الرغم من أن الوثيقة الدستورية حددت مستويات هذه الوحدات الترالية وزكتها قوانينها التنظيمية التي فصلت في الاختصاصات الممنوحة لكل مستوى ترابي معين، إلا أن هناك نقطة التقاء تجمعهم في اختصاص مشترك تمثله التنمية الجهوية والاقليمية والمحلية.
ولعل الارتباط القائم بين برامج العمل والتنمية الجهوية والاقليمية، لدليل على طبيعة العلاقة التكاملية بين هذه المستويات الترابية الثلاث.
لكن ما يستأثر بالاهتمام إلى جانب الهندسة الموضوعية في توزيع الاختصاصات التدبيرية والتنموية، هو هاجس ترجمتها إلى برامج وعمليات ، داخل إطار مالي وميزانياتي معقلن ومتوازن، أمام عدم إمكانية الاضطلاع بهذه المهام والاختصاصات دون توفير الامكانيات المالية لذلك.
من هذا المنطلق تبرز وثيقة الميزانية كأداة تعكس السياسة المالية لهذه الجماعات في مجال اختصاصها، والفضاء المالي القانوني الذي ترتب فيه مختلف العمليات خلال السنة المالية المعنية.
بل يمكن اعتبارها الاساس الذي ترتكز عليه عملية تدبير شؤون هذه الجماعات بشكل عام والمالية الترابية بشكل خاص، لذا تحاط عملية إعدادها وبلورتها بمجموعة من الترتيبات والاجراءات القبلية، تتخذها الجماعات بتنسيق مع الخزنة الجماعيين، إلى جانب التوجيهات التي تعكسها الدوريات السنوية لوزارة الداخلية بمناسبة إعداد هذه الميزانيات، وإن كان من يعتبرها نوعا من الرقابة القبلية على عملية إعدادها يستوجب القطع معها، وقيدا من القيود الواردة على مبدأ استقلال القرار المالي الترابي.
لكن بالنظر إلى طبيعة ومضمون هذه التوجيهات، خاصة بعد تنزيل مضامين دستور 2011 فيما يخص التنظيم الترابي، وانتداب المجالس الجماعية الاخيرة، إلى جانب تفعيل مقتضيات القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، يمكن إدراجها ضمن مبدأ المصاحبة وأحد الضمانات التي تساعدها على الاستجابة لمقتضيات وقواعد الحكامة في التدبير، ورسم سياسة مالية سنوية متوازنة قادرة على تفعيل البرامج والمشاريع التنموية، وبالتالي تعزيز مبدأ الاستقلالية المالية إن على مستوى التمويل الذاتي أو القرارات المالية المتخذة.
لأن الميزانية باعتبارها وثيقة مالية أساسية، ترسم السياسة العامة لمالية الجماعة على المدى القريب والمتوسط والبعيد، فهي تخضع في إعدادها وتنفيذها وتعديلها لمجموعة من المبادئ والقواعد التي تدخل ضمن الاجراءات المسطرية الشكلية والجوهرية، يتعين على الجماعات الترابية احترامها والتقيد بها، ضمانا لمصداقيتها ومشروعيتها، الأمر الذي يحتم على هذه الجماعات التعامل مع عملية إعداد وثيقة الميزانية بكل دقة وموضوعية، تفاديا لكل ما يمكن أن يؤثر على تصرفاتها المالية وتعطيل تدخالتها التنموية المستقبلية لاسيما وأن النظام المالي والقوانين المنظمة لمالية الجماعات الترابية، ما هي إلا مقتطفات مختصرة من قانون المحاسبة العامة، وتقوى هذا الاتجاه بتعزيز مظاهر الارتباط بين النفقة العمومية الترابية ومنظومة الانفاق الوطني من خلال إدماجها ضمن آلية التدبير المندمج للنفقات .
بما أن الميزانية تعتبر الوثيقة المالية القانونية التي يؤذن بموجبها للجماعات الترابية باستخلاص مواردها وأداء نفقاتها، وتمثل كذلك إطارا مرجعيا للبرامج التنموية، فقد أحاط المشرع عملية إعدادها بمجموعة من الضمانات الدستورية والتشريعية، جاءت على شكل إصلاحات جوهرية، لن تغير فقط من فلسفة النظام اللامركزي، وإنما القطع مع مقاربات التدبير الكلاسيكية المعتمدة منذ إحداثه، والإتجاه نحو اعتماد الوسائل الحديثة في التدبير.
مما سيساعدها على حسن استغلال الإمكانيات المتاحة، وتقوية قدراتها التمويلية حتى تتمكن من تسجيل حضورها ضمن النسق التنموي السوسيو اقتصادي، انطلاقا من منظومة مالية متوازنة وفعالة.
ومن أبرز المستجدات التي تضمنتها الوثيقة الدستورية، مبدأين أساسيين يقوم عليهما التنظيم الترابي بالمغرب، هما مبدأ التدبير الحر ومبدأ التفريع. وقد أصبحا مرتكزين قويين يؤطران التصرفات التدبيرية والتدخلات التنموية في منظورها الشمولي والميزانية، سواء في مرحلة إعدادها أو تنفيذها معنية بشكل مباشر بهذين المبدأين.
وإن كانت الوثيقة الدستورية لا تثير مسألة إعداد الميزانية ضمن مقتضياتها بشكل صريح، ولكن تمت الإشارة إلى مكوناتها
المالية، مما يفيد بوجود ميزانية مستقلة تعبر في إطار احترام القواعد والمقتضيات القانونية المنظمة لعملية إعدادها عن استقلالية القرار المالي الترابي .
بالنسبة للمجال التشريعي، أهم ما يمكن الإشارة إليه، هو إدراج النظام المالي ومصادر موارد الجماعات الترابية ضمن قوانينها التنظيمية. وتبقى مسألة تجميع النصوص القانونية المنظمة لمجال مشترك خطوة إيجابية، تندرج ضمن خانة تجويد النصوص القانونية.
وإذا كانت مكانة المجال المالي قد حتمت على المشرع إدراجه إلى جانب المجال الإداري ضمن هذه القوانين التنظيمية، فإن قواعد وآليات تدبيره كانت حاضرة بشكل واضح من خلال إقرار آليات التدبير الحديثة بخصوص عملية إعداد الميزانية.
ولخصها في مجموع القواعد والمبادئ المختلفة، أبرزها الصدقية في إقرار الموارد والتكاليف، واعتماد منطق التدبير بالنتائج في الميزانية، والبرمجة متعددة السنوات، وراهن المشرع من خلال هذه الآليات على جعل الميزانية كوثيقة مالية إحدى القنوات الأساسية لتوفير شروط التنمية وتحقيقها، وآلية لتنفيذ المخططات الإستراتيجية، في أفق الحد من المظاهر السلبية التي ما فتئت تمیز التدبير المالي لهذه الجماعات.
نلاحظ من خلال المقتضيات الدستورية المنظمة للشؤون العامة الترابية الإدارية منها والمالية، أن المشرع قد أسس لفلسفة جديدة في تدبير شؤون هذه الجماعات، قوامها الحرية في التدبير، ومراعاة قدراتها المالية المضمونة بمبدأ التفريع، فضلا عن تبني النصوص التشريعية لآليات تدبيرية جديدة تهم عملية إعداد الميزانية.
وإذا كانت هذه المقتضيات تؤسس إلى حد ما النوع من الإستقلالية لهذه الجماعات في اتخاذ قراراتها المالية، وتوفير الفضاء المناسب لتبني وتنزيل سياستها العمومية الترابية. فإنها مطالبة بضرورة استيعاب فلسفة ومضامين هذه المقتضيات، لأن الإستقلال المالي يرتبط بشكل مباشر بعملية التدبير المالي (إعداد الميزانية، تعديلها وتنفيذها) الذي يتأسس في جانب كبير منه على تقوية القدرات التمويلية الذاتية، من منطلق أن المقتضيات الدستورية والتشريعية تضمن لهذه الجماعات هامشا محترما من الحرية في تدبير وتنفيذ ميزانيتها بشقيها الموارد والنفقات.
وهي بذلك تصبح مسؤولة على جعل مبدأ الإستقلالية المالية واقعا ملموسا تجسده شفافية ونزاهة التدبير المالي، ونجاعة تدخلاتها التنموية. كل هذه المعطيات ترخي بظلالها على عملية إعداد الميزانية، لأنها الوثيقة المالية الأساسية في مختلف المجالات التدبيرية التي تباشرها الجماعات الترابية، لاسيما وأن نظامها المالي الذي تتناول مقتضياته جميع مراحل إعداد الميزانية ومختلف العمليات المتعلقة بتنفيذها، يترجم الإستقلال المالي لهذه الوحدات الترابية.
فالميزانية بمكانتها المتميزة، على اعتبار تجسيدها لقدرات التمويل الذاتية لهذه الجماعات، وأداة فعلية وتنظيمية محاسباتية لتنزيل برمجة عملياتها ومشاريعها التنموية تبرز إشكالية إعدادها في ظل المقتضيات الدستورية والتشريعية الحالية، ودرجة استيعاب الجماعات الترابية لها في أفق بلوغ الإستقلالية المالية المنشودة.
إن تناول هذه الإشكالية بالدراسة والتحليل، تقتضي الإجابة على الأسئلة الفرعية التالية :
كيفية تعامل الجماعات الترابية مع مبدأ التدبير الحر ؟مدى تأثير مبدأ التفريع على مضمون ميزانية الجماعات الترابية ؟كيفية تعامل هذه الجماعات مع مبدأ الإستقلال المالي ؟
معالجة هذه الإشكالية والأسئلة الفرعية المتمخضة عنها، تقتضي تناولها من خلال محورين، يتعلق الأول بالتأطير الدستوري والتشريعي لإعداد الميزانية، أما الثاني فيرتبط بإعداد الميزانية ومبدأ استقلال القرار المالي الترابي.
المصدر مقال ميزانية الجماعات الترابية على ضوء مبدأ استقلال القرار المالي الترابي للدكتور المصطفى بسي
تعليق