القانون الدستوري s2

القانون الدستوري s2

القانون الدستوري s2,النظرية العامة للقانون الدستوري s2,القانون الدستوري
العنوان  مدخل الى النظرية العامة
 للقانون الدستوري  
تأليف الدكتور      محمد المساوي
الفصل   الثاني S2
نوع المرجع   كتاب 
الطبعة    2017
عدد الصفحات 156 ص
حجم الملف 3MO
نوع الملفPDF
روابط التحميلmediafire أو google drive
القانون الدستوري s2,النظرية العامة للقانون الدستوري s2,القانون الدستوري

تقديم

تعريف القانون الدستوري
    على المستوى اللغوي، فكلمة القانون الدستوري تتكون من كلمتين: القانون Droit ، كمجموعة من القواعد العامة المجردة والملزمة، والدستور Consitution كقواعد قانونية مؤطرة للسلطة تجمعها وثيقة مكتوبة، أو قد تكون قواعد عرفية. إذن إذا أردنا أن نعتمد تعريفا لغويا، فالقانون الدستوري هو مجموعة القواعد القانونية التي تحدد أسس الدولة وتبين تكوينها. هذا المعنى نجده عندل سالموند salmon الذي يرى أن القانون الدستوري هو "مجموعة القواعد القانونية التي تحدد تكوين الدولة ". 

  هذا التعريف اللغوي، جعل الانجليز لا يفرقون بين القانون الإداري والقانون الدستوري، بل ليس عندهم ما يسمى بالقانون الدستوري، لأن كلا الفرعين لهما نفس الوظيفة وهي تقنين تكوين الدولة. هذا الاتجاه في تعريف القانون الدستوري أصبح متجاوزا في الدراسات الأكاديمية، لأنه يوسع مجال القانون الدستوري ليشمل الإداري والجنسية والقضاء.

  ونميز في إطار تحديدنا لمفهوم القانون الدستوري بين النص الدستوري أو الوثيقة الدستورية Loi Constitutionnelle، والقانون الدستوري Droit constitutionnelle. 

  فالدستور کوثيقة هو تلك القواعد القانونية التي تهتم بتنظيم السلطات العامة وعلاقاتها، وهي تدرج عادة في قمة تسلسل القواعد القانونية. وفي هذا السياق جاء في دستور عام 1946 في فرنسا : " إن هذا الدستور الذي تداولت فيه وأقرته الجمعية الوطنية التأسيسية، وتداول فيه الشعب الفرنسي، ينفذ كقانون للدولة "وهناك صياغة مخالفة في دستور 1958: " ينفذ هذا القانون کدستور للجمهورية ". 

  أما كلمة قانون دستوري فلها معنى مزدوج من جهة كقواعد قانونية تحاول تأطير السلطة السياسية، ومن جهة أخرى علم دراسة هذه القواعد، وكما أشار إلى ذلك CharlesEisenmanm حينما أكد أن المقصود اصطلاحا بالقانون الدستوري هو علم دراسة القواعد الدستورية.

  إذن فموضوع القانون الدستوري هو الدستور، لذلك فالقانون الدستوري هو ذاك العلم الذي يهدف إلى دراسة القواعد الأساسية الدستورية التي تحدد شكل الدولة، ونظام الحكم فيها، وتبين سلطاتها العامة وعلاقاتها بعضها ببعض وعلاقة الأفراد بها، ومعرفة القواعد التي تنظم عمل السلطات العامة، كيفما كان موقع هذه القواعد في النص الدستوري أو خارجه. 

  إن تحديد مفهوم القانون الدستوري ليس بالمسألة اليسيرة، باعتبار تتداخل عدة مجالات معرفية كالسياسية والفلسفة والعلم والايدولوجيا تؤثر في نظرتنا ومفهومنا للقانون الدستوري لذلك تناولته عدة مقاربات من طرف العديد من فقهاء القانون الدستوري، ومن جوانب وزوايا متعددة، سنعرض بعضها :

 1- أندريه هوريو : أشار إلى أن "غرض القانون الدستوري هو الإحاطة القانونية بالظاهرة السياسية، ومدلوله العميق يتمثل في تنظيم التعايش السلمي بين السلطة والحرية في إطار الدولة الأمة "، إذن فهو يعرف القانون الدستور بناء على هدفه المتمثل في حماية الحرية من جشع السلطة السياسية.

  2 - کارل فريديريش القانون الدستوري بقوله : "هو إطار للحد من السلطة بفضل حسن توزيعها ووسيلة لتحقيق الحرية والمحافظة عليها. 

  3 - غاتزفيتش كما يلي : "القانون الدستوري أداة للمحافظة على الحرية" .

  4 - موریس دیفیرجيه عرفه كما يلي: "القانون الدستوري هو مجموعة من القواعد الأساسية للقانون المتفوقة على كل النصوص الأخرى". وهو يعرف هذا القانون الدستوري بناء على قيمة النصوص الدستورية ومرتبتها في النظام القانوني للدولة، حيث عادة ما تدرج النصوص الدستورية في القمة، وهنا يتدخل القضاء الدستوري لحماية هذا السمو.

 5 - جاك كادار القانون الدستوري باعتباره مجموعة من القواعد القانونية التي تحدد التكوين، الآليات، واختصاصات أو سلط المنظمات العليا للدولة : حكومة وشعب أو مواطنين .و

  هدف هذه القواعد في الأنظمة الديمقراطية الليبرالية هو تحقيق مبدأ سمو القاعدة القانونية Lasuprematiedudroit- theruleoflaw، على الحاكمين والمحكومين على السواء، من أجل ضمان الحرية. والهدف من هذه السلطة من جهة، تقييد السلطة السياسية لضمان الحرية، ومن جهة أخرى ضبط الحرية المعترف بها قانونا لضمان تأسيس الدولة الديمقراطية.

 ودور القانون الدستوري هو تحقيق الحرية القصوى والاعتراف في نفس الوقت للسلطة بكامل القوة والنجاعة والاستقرار، وفي موضع آخر "القانون الدستوري يحمي الحرية والقانون" .

  وما يجمع كل هذه التعاريف أنها تجعل الهدف من القانون الدستوري، هو ضمان الحرية وتحقيق التوازن بين السلطة والحرية، وهنا لابد من التأكيد على أن الحرية بهذا المعنى، كفكر وممارسة، تم التأسيس لها في التجربة الغربية مع الفكر الأنواري والفلسفة الليبرالية، وبدعم من الطبقة البورجوازية الصاعدة التي كانت تروم الوصول إلى السلطة عبر تمجيد والدفاع عن فكرة الحرية، وبناء على نظريات وفلسفة سياسية.

  هنا لايمكن أن نهمل مساهمة مونتيسكيو في مفهوم الحرية، حيث أن مشروعه حول فصل السلط في مؤلفه "روح القوانين" كان هدفه التوفيق بين الحرية والسلطة. وبالتالي، فالفكر الدستوري هو الآخر في مرحلة تأسيسة ، كان هدفه التوفيق بين الحرية والسلطة، لذلك ظل الفقه الدستوري، كما رأينا يربط بين المفهوم والهدف.

  ونخلص من كل ما سبق أن القانون الدستوري هو مجال معرفي يهتم بدراسة القواعد الدستورية المؤطرة للسلطة السياسية، من أجل معرفة مدى احترام هذه القواعد للحقوق والحريات الأصلية للإنسان.

  وإذا كان الفقه قد اختلف في تحديد المفهوم بناء على الزوايا، التي من خلالها ينظر كل واحد للظاهرة، فإن ذلك نتج عنه أيضا اختلاف حول نطاق القانون الدستوري. 

الفصل الأول : الدولة كإطار لممارسة السلطة السياسية

  يلاحظ في لغتنا العادية استعمالا مكثفا لكلمة الدولة حسب عبد الله العروي ۔ الدولة كسلطة، الدولة كاقتصاد، الدول كأمن، الدولة كمخزن، الدولة الصحة... وهذا ما يؤدي إلى صعوبة في تحديد المفهوم، خصوصا وأن الفقهاء لم يحددوا بشكل دقیق مفهوم الدولة، بل اكتفوا بتوصيفها فنقول دولة الشرطة، دولة العناية الإلهية دولة القانون، دولة الشعب... لذلك فليس هناك اتفاق بين المؤرخين على تحديد مفهوم الدولة، فكل واحد يعرفها حسب وجهة نظره انطلاقا من زاوية معينة.

  تحدث عبد الله العروي عن أربعة مناهج لدراسة الدولة : القانون الذي يكتفي بوصف واقع الدولة وهو ما سماه أدلوجة الدولة، الفسلفة وهي تتساءل عن الهدف من الدولة فلسفيا، التاريخ الذي يدرس تطور الدولة، وأخيرا الاجتماعيات التي تركز على وظائف الدولة في علاقتها بالمجتمع .

  على المستوى اللغوي، تمت ترجمة كلمة الدولة من التعبير اليوناني Koinomiapolitike أي المجتمع المدني والتعبير اللاتيني respublica أو civitas أي الحاضرة، وقد ظهرت كلمة stato عند ميكيافيلي للدلالة على الحاضرات أي الدول.

  وأهم صعوبة تواجهنا ونحن نحاول تحديد مفهوم الدولة تعدد الرؤى التي يمكن من خلالها أن نعرف الدولة : الرؤية السوسيولوجية، الاقتصادية، القانونية، السياسية...لكنما يهمنا في نهاية المطاف هو تعريف الدولة كمؤسسة تمارس فيها السلطة السياسية، وهي موضوع القانون الدستوري، وهنا أيضا نجد عدة تعريفات للدولة.

  1 - حسب التعريف الاجتماعي للدولة المعاصرة، فهي مؤسسة تضطلع بنجاح على إقليم معين لحسابها الخاص باحتكار العنف المادي المشروع. ويعطينا الفقيه الفرنسي CarieDeMalberg تعريفا أكثر واقعية للدولة، فهي بالنسبة له مجموعة من الأفراد تستقر على إقليم معين تحت تنظیم خاص، يعطي جماعة معينة سلطة عليا تتمتع بالأمر والإكراه". 

  وفي نفس السياق، يرى الفقيه الانجليزي Hinsley أن الدولة هي مؤسسة سياسية يرتبط بها الأفراد من خلال تنظيمات متطورة". وهي كلها تعريفات واقعية تكتفي بوصف الدولة دون تحديد معناها.

  وفق مفهوم العقد الاجتماعي، فالدولة هي نتيجة تعاقد بين الأفراد من أجل الانتقال إلى الجماعة السياسية، والهدف هو تجاوز سلبيات المرحلة الطبيعية. مع الاختلاف هنا بين فلاسفة العقد الاجتماعي حول الهدف من التعاقد، فبالنسبة لهوبز نتيجة لتنازل الأفراد عن كل حقوقهم للدولة، مقابل أن تضمن لهم الأمن والاستقرار. حسب جون لوك فالأفراد يحتفظون بحقوقهم الفردية، والدولة هدفها هو حماية هذه الحقوق والحريات، وذلك بسبب استحالة استمرار هذه الحقوق في الحالة الطبيعة التي تتعرض للخطر. لذلك فالهدف من الدولة هو حماية هذه الحقوق.

  أما عند باروخ اسبينوزا، فغاية الدولة هي تحرير الأفراد والحفاظ على أمنهم وتمكنهم من ممارسة حقوقهم الطبيعية مع شرط امتثال الكل لسلطة الدولة.

2 - حسب النظرية الماركسية، فالدولة تجسيد للطبقة المسيطرة، فإنجلز يعتبر الدولة وفق منظور المادية التاريخية، ليست مفروضة من طرف سلطة خارج المجتمع، بل هي نتيجة الصراع الطبقي وهي تعبير عنه. والدولة في نهاية المطاف هي المجسدة لمصالح الطبقة المهيمنة.

  أما مارکس، فيرى أن الدولة كانت في البداية هي المجتمع المدني لا تمييز بينهما. وعندما آمنت الرأسمالية بانتصار الملكية الخاصة، انفصلت الدولة عن المجتمع المدني، وتغدو ملكية المالكين. لذلك يجب على المجتمع المدني أن يثور ضد الدولة الطفيلية، وهذه هي بداية الديكتاتورية البروليتارية، فالقضاء على الدولة يمر بمرحلة انتقالية هي بالنسبة للماركسيين سواء الكلاسيكين او الجدد حسب بيير بوردیو جهاز قسر واکراه للحفاظ على النظام العام لمصلحة المسيطرين، والماركسية هنا تعرف الدولة من خلال وظيفتها. 

  يقول جورج بيردو G. Burdeau أن الدولة هي فكرة، وليست واقعا ملموسا، إنها شكل من أشكال السلطة السياسية" ، وهي تتحول إلى واقع بمجرد وضع اول دستور لها. 

    حسب بيير بوردیو، لذلك حينما نتحدث عن الدولة فنحن نقصد ذلك الحقل ( حقل السلطة أو الإدارة) ، الذي يعترف له بامتلاك الاحتكار المشروع الشرعي للعنف المادي والرمزي، وهو يضيف هنا إلى تعريف فيبر (احتكار المشروع للعنف المادي احتكار العنف الرمزي، باعتبار ان الرمزي هو أصل المادي فلولا الرمزي لما استطاعت الدولة أن تمارس العنف المادي. 

  وحسب بورديو دائما فالدولة يمكن تعريفها كمبدا مستور او مضمر خفي، لا يمكن إدراكه إلى في تجليات النظام العمومي ، وهي تجليات بالمعنيين المادي والرمزي في آن، كنظام مادي فيزيقي ضد الاضطرابات والفوضى . إن الدولة هي مبدأ تنظيم الرضى لما هو قبول بالنظام الاجتماعي والتحاق به، ومشايعة للمبادئ الأساس لهذا النظام الاجتماعي، وإنها أي الدولة أساس ليس الاجماع والتوافق بالضرورة وإنما وجود المبادلات والتداولات، بما في ذلك تلك التي تفضي إلى الخلاف.

  إن الدولة في نهاية هي مبدأ الرضى والقبول، هي متخيل جماعي حول معنى العالم، وهو الذي يمكنها من القيام بالوظائف التي تعترف بها سواء النظرية الماركسية (هيمنة البعض على البعض)، او خدمة المصلحة العامة (حسب الليبراليين) .

  حسب بوردیو دائما فالدولة هي هذا الوهم دو الأساس المتين، هذا الحيز الموجود أساسا بسبب أننا نعتقد أنه موجود هذه الحقيقة الوهمية، لكن المقررة والمصادق عليها جماعيا عبر الاجماع، هي الحيز الذي نحال إليه حينما نتقهقر نكوصا ونرتد إلى الخلف انطلاقا من عدد من المظاهر، فمن نكوص إلى آخر، نصل إلى حيز هو الأساس المؤسس لهذا كله. 

  إن الدولة كيان يوجد بالاعتقاد. إن أهم وظائف الدولة حسب بورديو هو انتاج التراتبيات الاجتماعية وقوننتها قونة شرعية . ووظيفة إنتاج الهوية الاجتماعية المشتركة .

  3 - أما الليبرالي فريديريك هايك، فيرى أن الدولة هي التي تجسد مصلحة مشتركة للأفراد وخير جماعي، والدولة هي التي تجبر الأفراد على التعاون لكي يظهر مثلا الدفاع الوطني.

  وبغض النظر عن هذا النقاش السياسي والإيديولوجي، ويمكن أن نعرف الدولة في إطار القانون الدستوري، بأنها جماعة من الأفراد تقطن على وجه الدوام والاستقرار، إقليما جغرافيا معينا، وتخضع في تنظيم شؤونها لسلطة سياسية، تستقل في أساسها عن أشخاص من يمارسها. إذن مجال اهتمامنا بالدولة هنا كموضوع للقانون الدستوري، باعتبار أن هذا القانون جاء لتحقيق التوافق بين الحرية والسلطة، بين الدولة والأفراد أو المجتمع. وللتعمق أكثر في مفهوم الدولة، لابد من دراسة الجانب النظري الذي يحاول أن يجب عن سؤال مركز هو لماذا وجدت الدولة؟ قبل دراسة العناصر المادية والواقعية للدولة، على أن نختم بدراسة لأشكال الدول حسب التجارب المقارنة، وذلك وفق النقط التالية :

1 - النظريات المفسرة لنشوء الدولة

2 - العناصر التأسيسية للدولة والخصائص الملازمة لها

3 - وأشكال الدول.

الفصل الثاني : الدستور وتأطير السلطة السياسية

  يعود أصل كلمة الدستور إلى اللغة الفارسية وهي مكونة من كلمتين (دست) و (وري) التي تعني صاحب اليد. ثم انتقلت الكلمة بعد ذلك إلى اللغة العربية وأصبح معناها الأساس أو القاعدة أوالإذن أو الترخيص ، أما في الفرنسية والإنكليزية فتعني كلمة constitution التأسيسأ والتكوين. أما على مستوى الاستعمال، فكانت تطلق كلمة دستور في الماضي على السجل الذي تجمع فيه قوانين الملك أو السجل الذي يحفظ أسماء الجنود ورواتبهم.

  وعلى المستوى الاصطلاحي، فالدستور هو مجموعة القواعد التي تحدد الأسس العامة لطريقة تكوين الجماعة السياسية وتنظيمها. تلك القواعد أو السنن المتعلقة بتنظيم ممارسة السلطة وانتقالها والعلاقة بين الممارسين لهاته السلطة. 

  وكذلك القواعد المتعلقة بالحقوق والحريات في الدولة أو في المجتمع السياسي. وقد ارتبط المفهوم بهذا المعنى بالدستورانية الأوروبية، الهادفة في بداية نشأتها إلى إعادة بناء الدولة والسلطة على تصورات فلسفية وآليات تنظيمية جديدة، إذن فأصله هو الثرات الغربي وليس العربي أو الإسلامي ، كما هو الشأن بباقي الآليات والمفاهيم الملازمة له والدستور بهذا المعنى له وظيفتين : 

  من جهة كنظام قانوني للدولة، يحدد كيفية تنظيمهما، ومن جهة ثانية يضع قيودا على سلطة الدولة من أجل حماية حريات وحقوق الأفراد، ويقوم بدور حماية الفرد من سلطة الدولة. ففي الماضي لم يكن هناك تقنين لسلطة الملك، ولكن مع التطورات التي عرفتها المجتمعات الأوروبية، تم ضبط سلطة الحاكم بقواعد تضمن الحقوق والحريات.

  وهكذا، اعتبرت الفلسفة الليبرالية وجود الدساتير المدونة وإقرار العمل بها من بين الضمانات الأساسية التي يتمتع بها الأفراد ضد التعسف في انتظام عمل السلطات العمومية. وأيضا لضمان دمقرطة النظام السياسي، لذلك لعب الدستور هذا الدور، واستعمل كأداة لتحقيق التحول من النظام القديم، إلى العهد الجديد.

  هذا الرهان الذي وجه مسار تطور الفكر الدستوري في أوروبا، انتقل إلى المجتمعات الأخرى، التي أصبح فيها الفاعلون السياسيون يطالبون بتقنين سلطات الحاكم من أجل تحقيق الانتقال الديمقراطي، عن طريق وضع دساتير ديمقراطية لكن في المقابل العديد من الحكام استعملوا الدستور لهدف أخر هو شرعنة الأنظمة الديكتاتورية، فلم يؤدي اعتماد الدساتير إلى تحقيق التحول الديمقراطي. 

  وقد عرف المغرب منذ استقلاله هذا النقاش، خصوصا في الفترة الممتدة بين 1956 و1962، حيث راهنت أحزاب المعارضة آنذاك على وضع دستور للتقليص من سلط الملك، في حين أراد الملك أن يكتفي الدستور بشرعنة سمو المؤسسة الملكية ودورها المركزي في النظام السياسي المغربي. وانتصر في نهاية الأمر تصور الملكية لأنها كانت الأقوى في هذه اللحظة. 

  لذلك فالهدف الذي من أجله وضع الدستور تغير حينما انتقلت فكرة الدستور إلى المجتمعات الأخرى، فظهرت أدوار أخرى للوثيقة الدستورية. ففي المغرب، فإلى جانب الدستور، هناك البيعة وإمارة المؤمنين، والتي تتميز بالسمو لأنها تعود إلى الماضي وكانت سابقة على الوثيقة الدستورية، لذلك فالهدف من الدستور بالنسبة للملكية سنة 1962 هو إضفاء طابع حداثي على الدولة لكن دون التقليص من مكانة الملك كأمير للمؤمنين، في حين أن الفاعلين الآخرين يریدون جعل الوثيقة كضمانة للتقليص من سلطات الملك التقليدية، التقليص من دور البيعة والإمامة لفائدة الدستور العصري. هذا جعل كل المفاهيم الدستورية حينما تتحول من منبعها إلى حضارتنا يتحول معناه ومغزاها ودورها...


المصدر كتاب مدخل الى النظرية العامة للقانون الدستوري للدكتور  محمد المساوي

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-