العنوان | التدخل العمومي في ميدان التعمير بالمغرب |
---|---|
انجاز الباحث | أحمد مالكي |
تحت اشراف الدكتور | عبدالله حارسي |
التصنيف | اطروحة |
السنة الجامعية | 2008/2007 |
عدد الصفحات | 348 ص |
حجم الملف | 5MO |
صيغة الملف | |
منصات التحميل | mediafire أو google drive |
مقدمة
إن العمارة هي الملاذ الذي يجد فيه الإنسان، روحا وجسدا، المأوى والملجأ. هذه العبارات البسيطة في عددها والعميقة في معناها تعكس حقيقة أنه في كل حضارة عريقة ومتميزة، تشكل العمارة التعبير الطبيعي والتجسيد المادي للمعتقدات الدينية والروحية المميزة لتلك الحضارة.
ولفظة العمارة هاته تحيلنا على لفظة أخرى من نفس أسرتها هي العمران. والعمران حسب جون کلود میشیل Jean Claude Michel هو واقع الاستقرار في المدينة. والعمران هو مصطلح اقترحه ابن خلدون في مقدمته للدلالة على نمط الحياة بوجه عام، ومن هذا العمران ما يكون حضريا ومنه ما يكون بدويا وقد استلهم ابن خلدون المصطلح من الهدي القرآني" هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ".
والعمران في اللسان العربي هو نقيض الخراب والثابت أن الظاهرة قد اتسعت كثيرا وأصبحت لأهميتها موضوع انشغال لدى معظم الدول لما يتولد عنها من مشاكل يستوجب حلها بالتدخل عن طريق مجموعة من العمليات والإجراءات التي تشكل في مجموعها ما يصطلح عليه بالتعميرة، وقبل الوقوف على مفهوم هذا الأخير والتعاريف التي أعطيت له وكذا المقصود بالتدخل العمومي باعتبارهما الكلمات المفاتيح لهذا العمل، لا بأس بداية من استعراض، ولو بإيجاز، أهم المحطات التاريخية لمفهوم التعمير...
بالإضافة إلى إدارات ترابية تتمثل أساسا في الجماعات المحلية، وأخرى مرفقية تمثلها على وجه الخصوص الوكالات الحضرية، وهذا راجع لتعقد عمليات التعمير وصعوباتها حيث يتقاطع فيها المركزي باللامركزي من ناحية والتقني بالديموقراطي من ناحية أخرى.
كل هذا التداخل وإن كان ضروريا للتنظيم الإداري وله مزايا متعددة يمكن تلخيص أهمها في تخصص كل إدارة في نشاط معين، فإن عمليات التعمير نظرا لشموليتها وارتكازها على الأنشطة الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية تعاني من عدم الانسجام والتناسق بين أعمال الإدارة وبرامجها الزمنية من جهة وبين مخططات الجماعات المحلية وبرامجها التنموية من جهة أخرى.
وحتى يتسنى لنا دراسة واقع التدخل العمومي في ميدان التعمير بالمغرب وفق ثنائية المركزية واللامركزية، وللإحاطة بمختلف جوانب توزيع الاختصاصات في هذا الميدان بين المصالح المركزية والمصالح الخارجية والجماعات المحلية والوكالات الحضرية وغيرها من المصالح المعنية، فإننا سنقف على محورين أساسيين يشكلان ركيزتي التعمير ويتعلق الأمر بالتخطيط والتدبير العمرانيين، ولهذا سنرصد في فصل أول أشكال التدخل العمومي والصلاحيات الموكولة لكل متدخل على حدة في ميدان التخطيط لواقع ومستقبل المدينة والقرية مرجئين الحديث عن التدخل في ميدان التدبير العمراني وأدوار المتدخلين العموميين في هذا المجال إلى فصل ثان.
فإذا كان التخطيط العمراني يعد سياسة توقعية تنهجها الدولة بهدف تحقيق تنظيم عقلاني للمجال طبقا لضوابط وقوانين محددة، فإن ذلك يصطدم بالعديد من الصعوبات التي تختلف باختلاف درجة تطور المجتمع والميكانيزمات المتحكمة فيه. فبالرغم من المجهودات المبذولة من قبل المتدخلين العموميين للحد من مظاهر الأزمة العمرانية، إلا أن النتيجة لا ترقى إلى المبتغى، مما يؤكد وجود عوائق حقيقية تحول دون تطبيق سياسة عمرانية ناجعة وفعالة.
أما على مستوى التدبير العمراني ، فإن الأمر لا يختلف عما سبق ذكره، حيث أن واقع الحال ينم عن محدودية الدور الذي تقوم به الدولة نتيجة الصعوبات التي أفرزها توزيع الاختصاصات وغياب الوسائل الناجعة للتدخل إضافة إلى عدم فعالية الإجراءات المتخذة.
ولعل النقاش الدائر حول التعمير بالمغرب يبين الآثار التي خلفتها الأزمة العمرانية بالمغرب والحاجة إلى معالجة الاختلالات الاجتماعية والمجالية المتجلية.
وبناء على ذلك، ومن أجل رصد العوائق التي تكبح تحقيق أغراض التعمير والآفاق الممكنة، يتطرق هذا القسم إلى تشخيص واقع الحال من خلال العوائق التي نميز من خلالها بين تلك التي تهم مجال التخطيط العمراني والتي تشمل الجانب العقاري وما يطرحه من إكراهات وتلك التي تهم الجانب المالي وما يسببه من مشاكل. هذا إلى جانب البطء الإداري وضعف قنوات التنسيق وتعثرها وكذا الترهل الإداري وسلبياته كلها عوامل أنتجت واقعا عمرانيا مختلا تغيب فيه الجودة ويضعف فيه التنفيذ.
وتلك التي تتعلق بالتدبير العمراني والتي يظل الإكراه العقاري حاضرا فيها كذلك كعائق يحد من ترجمة الأهداف المتوخاة بتعدد أنظمته وازدواجية نظامه القانوني من ناحية، وما يطرحه تعامل القضاء معه من تداعيات على فعالية التدبير العمراني من ناحية أخرى. هذا بالإضافة إلى الإكراهات السياسية وغياب هبة القانون وهشاشة التدبير الإداري وضعف المراقبة. كلها عوامل أفرزت تدبيرا عمرانيا يفتقد إلى العقلانية والتناغم ويتميز بالعشوائية والتناقض في بعض تجلياته (الفصل الأول).
أما الفصل الثاني فسيقف على التوجهات الراهنة في مجال التعمير من خلال قراءة نقدية في مشاريع مطروحة من حيث درجة استيعابها لمكامن الخلل ومدى فعالية الإجابات التي تطرحها خاصة على ضوء مشروع مدونة التعمير، وذلك بإبداء رأينا فيها في أفق اقتراح البدائل والحلول التي نراها كفيلة بتجاوز الوضع الحالي.(...)
القسم الأول : واقع التدخل العمومي في ميدان التعمير
لقد حاولت الدولة تنظيم المجال من خلال إصدار عدة قوانين من بينها ظهير 16 أبريل1914 المتعلق بالتعمير باعتباره أول قاعدة مكتوبة تهم التعمير في المغرب وظهير 14 يونيو 1933 المتعلق بالتجزئات العقارية وكذا ظهيري 1952 و1953 المتعلقين على التوالي بالتعمير والتجزئات العقارية وتقسيم الأراضي واللذين تم نسخهما على التوالي بقانوني 12-90 المتعلق بالتعمير و25-90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات إضافة إلى ظهير 25 يونيو 1960 بشأن تنمية التكتلات القروية.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن مشروع القانون 04 - 04 المتعلق بالسكنى والتعمير يهدف إلى جمع شتات كل من قانون 12-90 و25-90 وظهير 26 يونيو 1960 السالف ذكرهما، وهو النهج الذي سار عليه إلى أبعد حد واضعو مشروع مدونة التعمير.
ومع تطور التعمير بالمغرب ظهرت مجموعة من المشاكل البنيوية حاولت الدولة القضاء عليها أو الحد منها، من خلال سن سياسة عامة تجسدت بشكل أساسي في القوانين السالفة الذكر من جهة ومحاولة تنظيم القطاع باللجوء إلى خلق مجموعة من المؤسسات والمنشآت الإدارية المتدخلة من جهة أخرى؛ إذ يعد هذا القطاع من المجالات التي تناوبت عليه عدة وزارات (وزارة الداخلية، وزارة الأشغال العمومية ووزارة السكني ...).
بالإضافة إلى إدارات ترابية تتمثل أساسا في الجماعات المحلية، وأخرى مرفقية تمثلها على وجه الخصوص الوكالات الحضرية، وهذا راجع لتعقد عمليات التعمير وصعوباتها حيث يتقاطع فيها المركزي باللامركزي من ناحية والتقني بالديموقراطي من ناحية أخرى.
كل هذا التداخل وإن كان ضروريا للتنظيم الإداري وله مزايا متعددة يمكن تلخيص أهمها في تخصص كل إدارة في نشاط معين، فإن عمليات التعمير نظرا لشموليتها وارتكازها على الأنشطة الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية تعاني من عدم الانسجام والتناسق بين أعمال الإدارة وبرامجها الزمنية من جهة وبين مخططات الجماعات المحلية وبرامجها التنموية من جهة أخرى.
وحتى يتسنى لنا دراسة واقع التدخل العمومي في ميدان التعمير بالمغرب وفق ثنائية المركزية واللامركزية، وللإحاطة بمختلف جوانب توزيع الاختصاصات في هذا الميدان بين المصالح المركزية والمصالح الخارجية والجماعات المحلية والوكالات الحضرية وغيرها من المصالح المعنية، فإننا سنقف على محورين أساسيين يشكلان ركيزتي التعمير ويتعلق الأمر بالتخطيط والتدبير العمرانيين، ولهذا سنرصد في فصل أول أشكال التدخل العمومي والصلاحيات الموكولة لكل متدخل على حدة في ميدان التخطيط لواقع ومستقبل المدينة والقرية مرجئين الحديث عن التدخل في ميدان التدبير العمراني وأدوار المتدخلين العموميين في هذا المجال إلى فصل ثان.
القسم الثاني : حدود التدخل العمومي في ميدان التعمير وآفاقه
يمكن اعتبار سياسة التعمير إحدى المخرجات التي تبتغي الدولة من ورائها إشباع حاجيات السكان وتنظيم المجال عبر توظيفها لآليات التخطيط والتدبير العمرانيين. إلا أن هذه السياسة، مهما بلغت أهمية طموحاتها، تظل محدودة النتائج وضعيفة المردودية في غياب معالجة واقعية وشاملة لمختلف المشاكل والاكراهات التي تؤثر بشكل سلبي على أهدافها وتحد من فعالية الإجراءات المتخذة بشأنها.
فإذا كان التخطيط العمراني يعد سياسة توقعية تنهجها الدولة بهدف تحقيق تنظيم عقلانی للمجال طبقا لضوابط وقوانين محددة، فإن ذلك يصطدم بالعديد من الصعوبات التي تختلف باختلاف درجة تطور المجتمع والميكانيزمات المتحكمة فيه ، فبالرغم من المجهودات المبذولة من قبل المتدخلين العموميين للحد من مظاهر الأزمة العمرانية، إلا أن النتيجة لا ترقى إلى المبتغى، مما يؤكد وجود عوائق حقيقية تحول دون تطبيق سياسة عمرانية ناجعة وفعالة.
أما على مستوى التدبير العمراني ، فإن الأمر لا يختلف عما سبق ذكره، حيث أن واقع الحال ينم عن محدودية الدور الذي تقوم به الدولة نتيجة الصعوبات التي أفرزها توزيع الاختصاصات وغياب الوسائل الناجعة للتدخل إضافة إلى عدم فعالية الإجراءات المتخذة.
ولعل النقاش الدائر حول التعمير بالمغرب يبين الآثار التي خلفتها الأزمة العمرانية بالمغرب والحاجة إلى معالجة الاختلالات الاجتماعية والمجالية المتجلية ،وبناء على ذلك، ومن أجل رصد العوائق التي تكبح تحقيق أغراض التعمير والآفاق الممكنة، يتطرق هذا القسم إلى تشخيص واقع الحال من خلال العوائق التي نميز من خلالها بين تلك التي تهم مجال التخطيط العمراني والتي تشمل الجانب العقاري وما يطرحه من إكراهات وتلك التي تهم الجانب المالي وما يسببه من مشاكل.
هذا إلى جانب البطء الإداري وضعف قنوات التنسيق وتعثرها وكذا الترهل الإداري وسلبياته كلها عوامل أنتجت واقعا عمرانيا مختلا تغيب فيه الجودة ويضعف فيه التنفيذ. وتلك التي تتعلق بالتدبير العمراني والتي يظل الإكراه العقاري حاضرا فيها كذلك كعائق يحد من ترجمة الأهداف المتوخاة بتعدد أنظمته وازدواجية نظامه القانوني من ناحية، وما يطرحه تعامل القضاء معه من تداعيات على فعالية التدبير العمراني من ناحية أخرى.
هذا بالإضافة إلى الإكراهات السياسية وغياب هبة القانون وهشاشة التدبير الإداري وضعف المراقبة. كلها عوامل أفرزت تدبيرا عمرانيا يفتقد إلى العقلانية والتناغم ويتميز بالعشوائية والتناقض في بعض تجلياته (الفصل الأول).
أما الفصل الثاني فسيقف على التوجهات الراهنة في مجال التعمير من خلال قراءة نقدية في مشاريع مطروحة من حيث درجة استيعابها لمكامن الخلل ومدى فعالية الإجابات التي تطرحها خاصة على ضوء مشروع مدونة التعمير، وذلك بإبداء رأينا فيها في أفق اقتراح البدائل والحلول التي نراها كفيلة بتجاوز الوضع الحالي.
اطروحة التدخل العمومي في ميدان التعمير بالمغرب للباحث أحمد مالكي
تعليق