جريمة الإتجار بالبشر وآليات مكافحتها في ضوء التشريع الوطني والدولي

جريمة الإتجار بالبشر وآليات مكافحتها في ضوء التشريع الوطني والدولي

جريمة الإتجار بالبشر وآليات مكافحتها في ضوء التشريع الوطني والدولي,الإتجار بالبشر
العنوان    جريمة الإتجار بالبشر وآليات مكافحتها في ضوء التشريع الوطني والدولي

انجاز الطلبة  
    مصطفى البطيحي
محمد حسون
ليلى العمراني
تحت اشراف الدكتور    الحبيب استاتي زين الدين
نوع المرجع   بحث  
السنة الجامعية     2019/2018
عدد الصفحات122 ص
حجم الملف1MO
نوع الملفPDF
روابط التحميلmediafire أو google drive
جريمة الإتجار بالبشر وآليات مكافحتها في ضوء التشريع الوطني والدولي,الإتجار بالبشر

مقدمة

   إن الاتجار بالبشر ظاهرة قديمة قدم التاريخ، وأخذت هذه الظاهرة أشكالا مختلفة وأساليب متعددة ومورست لغايات متباينة، فكانت تجارة البشر في السابق تمارس لأغراض العبودية والاسترقاق، إلا أنها كانت تمارس بحرية ودون قيود حتى ظهور الديانات السماوية والنظم والقوانين الحديثة التي حاربتها واعتبرها جرائم يعاقب عليها القانون.

   شهد المجتمع الدولي، في الآونة الأخيرة، ظواهر وجرائم خطيرة لم تعرف لها الإنسانية مثيلا وتنوعت هذه الظواهر من حيث الطرق والأساليب، وتعد هذه الجريمة شكلا حديثا من أشكال الرق، فإذا كانت الصورة المألوفة في السابق هي استرقاق العبيد وتقييدهم بسلاسل حديدية هي الصورة التقليدية المأخوذة عن الاتجار في الماضي، فإن عصرنا الحالي يكشف لنا عن أن المجتمعات قد نجحت في الثورة على ما سبق من أفعال، وذلك بتجاوز الشكل التقليدي المتمثل بالرق والاستعباد، فزالت بذلك الصورة القديمة، إلا أن هذا الفعل ما زال قائما حتى يومنا هذا، لكن بصور وأشكال أكثر تطورا وأساليب متنوعة ومستحدثة تتضمن كافة صور الاستغلال والقسوة والاستعباد وامتهان سائر الحقوق لضحايا الاتجار بالبشر من أجل تحقيق مكاسب مادية من خلال استغلال الضحايا.

   ورغم أن مختلف التشريعات السماوية والوضعية أكدت على مبدأ تكريم الإنسان وحرمة جسده وفي مقدمتها الشريعة الإسلامية كما أتت به في هذا المجال مصداقا لقوله تعالى: ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيل) ، وكذا ما جاءت به المواثيق الدولية العالمية والإقليمية، وما أقرته دساتير الدول وقوانينها الداخلية التي أكدت على ذات المبدأ، ومن ذلك ما ورد في نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 على أنه : " لا يجوز استرقاق أو استعباد أي شخص ويحظر الاستعباد والاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعها ".

   يدخل هذا النوع من الإجرام ضمن الجريمة المنظمة، والتي تقوم بها عصابات إجرامية احترفت الإجرام، وجعلته محور ومجال نشاطها، ومصدر دخلها بهدف الحصول على المال مستخدمة لأجل ذلك، وسائل متعددة ومختلفة بعضها قديم، والبعض الآخر حديث ومبتكر، بما يتناسب مع الوسائل الحديثة التي تستخدم في ارتكابها لهذه الجرائم، وبذلك تكون جرائم الاتجار بالبشر ذات طبيعة خاصة، موضوعها فئة خاصة من بني البشر، وهم الذين يعانون الفقر والحاجة والبطالة، وينعدم لديهم الأمن الاجتماعي، وهذا النوع من الإجرام لا يرتكب داخل إقليم الدول فحسب، بل إنه يتعدى الحدود الإقليمية لها، أي أنه عابر للحدود الوطنية.

   إن ما زاد من حدة هذا النوع من الإجرام غياب الإجراءات القانونية لمكافحة هذه المشكلة أو عدم تفعيل القوانين القائمة وفقا للاتفاقيات الدولية في هذا المجال، وكذا الاختلافات حول القواعد الدينية والقيم الأخلاقية بين الدول، وهو ما جعل من هذه العبودية المعاصرة المتمثلة في الاتجار بالبشر أشد خطرا من العبودية القديمة، لذلك، كان لابد من مكافحة هذه الجريمة والقضاء عليها للحفاظ على إنسانتهم وحقوقهم التي كفلتها لهم الاتفاقيات الدولية وكافة القوانين الوطنية.

   بناء على ما سبق تضافرت الجهود الدولية والوطنية لمكافحة هذه الجريمة من خلال الاتفاقيات الدولية التي جرمت الأفعال والوسائل التي تعد اتجارا بالبشر، وتكفل حقوق ضحايا الاتجار، وتلزم هذه الاتفاقيات الدول الموقعة عليها بتبني قوانين وطنية لمكافحة هذه الجريمة، لذلك نجد أن كافة الدول تقريبا أصدرت قوانين لمكافحة ومنع الاتجار بالبشر، وحاولت أن تكون هذه القوانين صارمة قدر الإمكان ومناسبة لمكافحة هذه الجريمة.

   انضم المغرب مؤخرا إلى لائحة البلدان التي أصدرت تشريعات لمكافحة جريمة الاتجار بالبشر، فأمام توالي الكشف عن تفكيك الشبكات المتورطة في الاتجار بالبشر في إطار الهجرة السرية، وهي شبكات تعرف نموا مطردا نظرا للموقع الجغرافي للمغرب، فإنه يعد بلدا مستهدف من طرف شبكات الاتجار بالبشر، لذا انخرط المغرب في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان ذات صلة بمكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر، وصادق على العديد من الاتفاقيات الدولية والبروتوكولات في هذا المجال.

   في شتنبر من عام 2016، دخل قانون جديد متعلق بمكافحة الاتجار بالبشر حيز التنفيذ بالمغرب، بناء على انضمام المملكة إلى البرتوكول الملحق بالاتفاقية الدولية لمنع الجريمة عبر الوطنية المتعلق بالاتجار بالبشر، خاصة النساء والأطفال، وفي وقت كانت هذه الجريمة قد استأثرت بالاهتمام الأممي.

   وجاء اعتماد هذا القانون، رقم 27.14 على اعتبار أن المغرب لم يعد في مأمن من هذه الجريمة وتداعياتها المختلفة، سواء تعلق الأمر بالاستغلال في العمل أو الاستغلال الجنسي وهي المعطيات التي سبق أن أكدتها دراسات من بينها تلك التي أعدتها وزارة العدل بتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للمرأة .

   يزداد الوضع سوءا مع تكاثر أفواج المهاجرين الراغبين في العبور إلى أوروبا، وتفشي وكالات الوساطة في الخدمة في المنازل التي تستورد الخدم، ليس فقط من الدول الإفريقية، بل كذلك من الدول الأسيوية، كما هو الأمر أيضا بالنسبة لوضعية المغربيات المتجهات إلى دول الخليج، واللواتي يسقطن ضحايا شبكات الاتجار بالبشر ... 

الفصل الأول : جريمة الاتجار بالبشر وآليات مكافحتها وفق التشريع الدولي

   تعد جريمة الاتجار بالبشر من أخطر القضايا التي تواجه الإنسان بكافة معانيها، تمثل انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، وذلك لأنها تمس بشكل واضح کرامة الإنسان وشرفه وصحته وحريته. وقد بدأ العالم، بعد الكثير من التجاهل واللامبالاة، يستيقظ على حقيقة تتعلق بشكل حديث من أشكال الرق، وأصبح الناس ووسائل الإعلام يدركون بأن بشرا يفترسون بشرا آخرين من أجل المال، كل ذلك جاء نتيجة عدة تغيرات كثيرة اقتصادية وسياسية واجتماعية وانفتاح اقتصادي وحرية التجارة وتلاشي معظم حدود الدول (كالاتحاد الأوروبي) وسهولة تنقل الأشخاص والبضائع بين الدول أدى إلى تطور هذا النوع من الإجرام المنظم وتزايد الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال، ما سهل لعصابات الجريمة المنظمة عبر الوطنية استغلال الضحايا عن طريق اختطافهم وتجنيدهم بغرض استغلالهم في أنشطة غير مشروعة وفي عدة صور  عديدة. 

   ولم تكن مبالغة القول أن جريمة الاتجار بالبشر تمثل وصمة عار في جبين البشرية، إذ بلغ بمرتكبيها النظر إلى البشر على أنهم سلع قابلة للبيع والشراء، وما تحمله هذه الظاهرة بين طياتها من آثار سلبية على الإنسان بصفة عامة، وبالتالي على المجتمعات بصفة خاصة.

   ولا يخفى ما تخلفه هذه الجريمة من آثار وخيمة تؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار الداخلي للدول وحتى على المستوى الدولي، إذ بات هذا النوع من الإجرام يؤرق الضمير العالمي لاسيما عندما يظهر في صورته المنظمة أو العابرة للحدود الوطنية، خاصة مع ما أصبحت تنشره وسائل الإعلام والصحف باستمرار لمظاهر تخرق القواعد القانونية وتنتهك المبادئ العالمية، لذلك كان لزاما علينا أن نبرز في هذا الفصل ماهية جريمة الاتجار بالبشر من خلال مفهومها وخصائصها وأسبابها في (المبحث الأول)، في حين سنخصص (المبحث الثاني) للحديث عن الآليات الدولية لمكافحة جريمة الاتجار بالبشر بالاستناد إلى الاتفاقيات الدولية والإقليمية.

الفصل الثاني : مكافحة جريمة الاتجار بالبشر في ظل التشريع المغربي قانون "27.14"

   يعد الاتجار بالبشر بكافة صوره و إبعاده من اخطر الجرائم التي تشكل انتهاكا و إهدارا للكرامة البشرية ، باعتبارها شكلا من أشكال الرق والعبودية الحديثة ، التي تضرب امن و سلامة و استقرار الأفراد والمجتمع والدولة على حد سواء. 

   وبالنظر لخطورة هذه الجريمة التي تتميز عن غيرها ، بكونها تعتمد استغلال البشر و سلب إرادتهم وحرمانهم من حرية اختيار مصيرهم ، مافتئت الصكوك و الآليات الدولية والإقليمية تؤكد على ضرورة سن تشريعات وطنية لمكافحتها ومعاقبة مرتكبها وحماية ومساعدة ضحاياها. 

   وبما أن المغرب لم يعد في مناي عن هذه الظاهرة وتداعياتها وخطورتها ، خاصة مع تزايد أفواج المهاجرين ، وتفشي الوسطاء ووكالات الوساطة بالنسبة لإشكال خاصة للاتجار بالبشر ، ولاسيما ما يتعلق بالخدمة في المنازل والعمل القسري وأعمال السخرة ، وحيث أن المواطنين المغاربة بدورهم قد يقعون بالخارج ضحايا للاتجار بالبشر ، فقد انخرط المغرب منذ سنوات في دينامية المنتظم الدولي الهادفة إلى مكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر ووفاء بالتزامات المغرب الدولية ، و تفعيلا لمقتضيات الوثيقة الدستورية التي نصت على ضرورة التصدي لكافة انتهاكات حقوق الإنسان ، خاصة في شقها المرتبط بمكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر تم إعداد مشروع قانون 27.14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر ، الذي دخل حيز التنفيذ في شتنبر من عام 2016. 

   وعلى هذا سنتطرق في هذا الفصل إلى الحديث عن أركان جريمة الاتجار بالبشر في ( المبحث الأول )، على أن نخصص (المبحث الثاني) إلى العقاب في جريمة الاتجار في البشر.


المصدر بحث جريمة الإتجار بالبشر وآليات مكافحتها في ضوء التشريع الوطني والدولي انجاز الطلبة مصطفى البطيحي محمد حسون ليلى العمراني تحت اشراف الدكتور الحبيب استاتي زين الدين 
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-