العنوان | المسؤولية الجنائية للحدث في التشريع الجنائي المغربي |
---|---|
انجاز الطلبة | معاذ أفسحي عمر حفري عبد الصمد الزوين |
تحت اشراف الدكتور | سعد الستاتي |
نوع المرجع | بحث |
عدد الصفحات | 53 ص |
حجم الملف | 2MO |
نوع الملف | |
روابط التحميل | mediafire أو google drive |
مقدمة
من المسلم به أن كل إنسان يولد على هذه البسيطة يزداد حرا، إلا أن هذه الحرية ليست مطلقة، بل مقيدة بالقانون وبضوابط المجتمع الذي يعيش فيه، إذ لا يمكنه أن يفعل ما يحلو له أو يمتنع عنه دون الأخذ بعين الاعتبار تبعات أفعاله وتصرفاته، حيث ينطبق ذلك على المجتمع ككل.
ويترتب على ذلك أن الحرية في التصرف ترد عليها بعض القيود التي قد يفرضها القانون أو تفرضها الأخلاق، ومجرد تجاوزها سواء كانت أخلاقية أو قانونية، فإن الشخص يتحمل تبعات ذلك وهو ما يطلق عليه بالمسؤولية، وعليه فإن هذه المسؤولية تنقسم إلى نوعين : مسؤولية أخلاقية وأخرى قانونية.
فالمسؤولية الأدبية أو الأخلاقية تترتب عن ارتكاب فعل مخالف لقواعد الأخلاق فحسب، فهذا النوع ينبني على مجرد الإخلال بالواجبات ذات الطابع المعنوي التي تربط الشخص بمجموعة من القيم الأخلاقية في إطار حياته الخاصة أو العامة.
وإذا كانت هذه المسؤولية تترتب على عنصر ذاتي وهو الضمير فإن المسؤولية القانونية تنبني على عنصر موضوعي وهو مسؤولية شخص أمام شخص آخر، وتنقسم بدورها إلى مسؤولية مدنية ومسؤولية جنائية، حيث أن الأولى هي الالتزام بتعويض الضرر الذي يسبب فيه إخلال المدين بالتزاماته، في حين أن الثانية (المسؤولية الجنائية) وهي موضوع البحث، فيقصد بها التزام الشخص بتحمل النتائج القانونية المترتبة عن ارتكاب فعل أو امتناع يحظره القانون الجنائي ويعاقب عليه، وهي تمثل رد الفعل الاجتماعي الذي تمارسه السلطات المختصة ضد الإخلال بضوابط المجتمع.
وإذا كان من نعم الله تعالى على الإنسان أن كرمه وفضله على خلقه وعلى سائر الكائنات بأن جعل له عقلا يفكر به ويقدر الأمور فيتعلم العلوم التي تتصل بأمور دينه لكي يعبد الله على بصيرة ويتعلم العلوم التي تتصل بأمور دنياه. حيث جاء في كتابه سبحانه وتعالى ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىٓ ءَادَمَ وَحَمَلْنَٰهُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍۢ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ).
فإن أهلية الفرد ترتبط ارتباطا وثيقا بقدرته على التمييز وتختلف من شخص لآخر تبعا لصغر في السن أو إصابة في العقل وغيرها من الأسباب التي تكون معها المسؤولية ناقصة أو حتى منعدمة في بعض الأحيان.
ونظرا لما عرفته الحياة العملية للإنسان من تطور وتشعب لفروع العلم ودقتها والتي أدت إلى إيجاد تقنيات وأساليب متطورة ومتقدمة في مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية والتقنية، الأمر الذي أوجب على الإنسان تنظيم هذه الميادين بدقة من خلال إخضاعها لأنظمة وضوابط قانونية تطور معها مفهوم المسؤولية بشكل مستمر حيث تعددت التعريفات الفقهية وتعددت معها المدارس المؤطرة لها، وكون انعدام التمييز أمر يصعب تحديده والوقوف على العوامل المساعدة في تأطيره فقد جعل ذلك الأحكام القانونية تختلف منذ الأحقاب الأولى للتطور القانوني، ومن تشريع أجبني لأخر عربي، في تنظيمه والوقوف على خصائصه التي تتحدد معها مسؤولية الفرد على كافة تصرفاته سواء المدنية أو الجنائية.
إن تحديد مسؤولية الشخص الجنائية ليس بالأمر السهل، لأن قدرات الإدراك والتمييز تختلف من شخص لآخر، وبالتالي فمن غير المنطقي المساواة بين الأفراد من حيث مسؤوليتهم عن أفعالهم وتصرفاتهم رغم تباین قدراتهم الذهنية.
وهكذا فإنه يمكن للأطفال ارتكاب مختلف أنواع الجرائم، شأنهم في ذلك شأن البالغين، بل منهم من يجيد القيام بأفعال لا يقوى عليها كثير من الكبار؛ بسبب صغر حجمهم وخفة أوزانهم، وبعض المزايا الأخرى، التي قد تساعدهم - في كثير من الأحيان - على النجاح في ارتكاب الجريمة، والإفلات من قبضة العدالة، والتسلل من المنافذ الصغيرة، والتواري عن الأنظار بسرعة وخفة وسهولة. وتشهد على ذلك سجلات المحاكم المليئة بحوادث القتل، والأذى، والسرقة الموصوفة، وانتهاك الأعراض، والاحتيال، وتعاطي المخدرات، والدعارة، وغيرها من الجرائم.
ومن ثم فإن الطفل (الحدث) الذي لم يبلغ سن الرشد الجنائي يعد أحد أبرز المواضيع التي تحظى باهتمام الباحثين في القانون الجنائي خصوصا والعلوم القانونية عموما، وتزداد هذه الأهمية عندما يرتكب الأحداث أفعالا تشكل جرائما بموجب القانون الجنائي، إذ يثور الإشكال حول مدى إمكانية مساءلتهم جنائيا، وهل يجب معاملتهم كما يعامل الأشخاص كاملوا الأهلية رغم ما يتميز به الأحداث من صغر سن وقلة نضج، الأمر الذي يحول دون اكتمال إدراكهم وتمييزهم ؟
وإذا كانت المجتمعات القديمة تعتبر الحدث المنحرف مجرما فإن المجتمعات الحديثة أدركت بما لا يدعوا للشك أن الأحداث غالبا هم ضحايا ظروف اجتماعية أدت بهم إلى الانحراف وسوء التكيف، مما ظهر مع ذلك مسألة مصلحته التي يفترض معها عدم اتخاذ أي تدبير أو عقوبة ماسة به وسالبة لحريته، إلا أن المشرع المغربي لم يساير هذا التطور على مطلقه حينما قرر مجموعة من التدابير وإن لم تكن سالبة للحرية في حقه إلا أنها تمس بخصوصيته في نعته بالجنوح من خلال عرضه على أجهزة العدالة الجنائية.
وفي محاولة للإحاطة بالموضوع فإن اهتمامنا سيشمل بدرجة أكبر مسؤولية الحدث الجنائية باعتباره جانحا دون إغفال المكانة التي يوليها له القانون فيما يتعلق بخصوصية مصلحته الفضلى. وذلك بالاعتماد على المنهج الوصفي وعلى ضوء القواعد التي قررها المشرع المغربي.
المبحث الأول : مفهوم المسؤولية الجنائية للحدثالمبحث الثاني : المسؤولية الجنائية للحدث
المبحث الأول : مفهوم المسؤولية الجنائية للحدث
تعد المسؤولية الجنائية المحور الأساسي التي تدور حوله قواعد ق.ج بشقيه ( الموضوعي والإجراني) إذ لا عقوبة على شخص غير مسؤول جنائيا .
والمسؤولية الجنائية تترتب عن كل فعل أو امتناع يكون مجرما بمقتضى نصوص القانون، إلا أنها لا تنتج نفس الآثار بالنسبة لجميع الحالات، فكما قد يكون مرتكب الفعل الجرمي راشدا متمعا بكامل أهليته القانونية، يمكن أيضا أن ترتكب الجريمة من طرف حدث لم يصل بعد سن التمييز .
ولذلك فإن دراسة موضوع المسؤولية الجنائية تقتضي من المدارس الوقوف على جوانب متعددة تؤثر على نتائجها وآثارها، وذلك من أجل فهمها فهما سليما و تحديد آثارها بشكل دقيق حسب كل حالة بشكل عام، وبالنسبة للأحداث بشكل خاص، ولو أن هذا الأمر ليس بالسهل نظرا لقلة النصوص التشريعية المؤطرة لجرائم الأحداث، وأيضا لصعوبة توقيع العقوبات الزجرية عليهم نظرا لصغر سنهم وعدم اكتمال إدراكهم وتمييزهم.
وبناء على ذلك، سنحاول من خلال هذا المبحث تسليط الضوء على موضوع المسؤولية الجنائية بشكل عام، وذلك من خلال التطرق لمفهومها (المسؤولية الجنائية) ونشأتها وتطورها التاريخي (المطلب الأول)، وحيث إن الموضوع الأساسي لهذا البحث هو مسؤولية الحدث الجنائية، فإننا سنخصص المطلب الثاني لدراسة مفهوم الحدث في الاتفاقيات الدولية والتشريعات المقارنة .
المبحث الثاني : المسؤولية الجنائية للحدث
انطلاقا من التعريف الوارد للمسؤولية الجنائية (التعريف اللغوي والفقهي)، فالجريمة لا تقوم قانونا لمجرد ارتكاب الفاعل للفعل الجرمي، الذي يشكل الركن المادي لها، بل يلزم أن يكون هذا الفعل صادرا عن إنسان متمتع بالأهلية الجنائية التي تقوم بتوافر التمييز وحرية الاختيار، فإذا انتفى أحد هذين الشرطين أو كلاهما تنتفي معه المسؤولية الجنائية.
وقد أجمعت مختلف التشريعات الجنائية على أنه لا يلزم فقط أن يكون الشخص مرتكبا لجريمة ما لكي يعاقب عن فعله أو امتناعه، بل لا بد أن يكون مسؤولا قانونا عن هذه الجريمة، فمن غير المعقول معاقبة من ليس مسؤولا جنائيا.
لذلك فإنه لا مناط لاعتبار الفعل جريمة توقع العقاب على صاحبها، إلا إذا تبت وجود قاعدة قانونية سابقة عن ارتكابه للفعل، تبرر صفته الإجرامية وتحدد عقابه.
وقد اعتمد المشرع الجنائي المغربي في إقامة المسؤولية الجنائية على المبدأ الأخلاقي (الخطأ)، إذ أنه يشترط في المساءلة الجنائية أن يكون الشخص سليم العقل وقادرا على التمييز ومدركا للأفعال والتروك التي يقوم بها، بحيث إذا كان فاقدا لإدراكه أو غير مميز ( إما لصغر السن أو لإصابته بعاهة عقلية) امتنعت مسؤوليته جزئيا أو كليا بحسب الأحوال ، وفي الحالات التي تثبت فيها مسؤولية الحدث بأن تكون مثلا ناقصة، فقد تطرق المشرع لمجموعة من التدابير والإجراءات التي يمكن أن تتخذ في حقه، إذ لم يساوي بينه وبين الراشد فيما يتعلق بتنزيل العقوبات، حيث خصص له مجموعة من النصوص التي عالجت وضعيته باعتباره حدثا جاحا.
وبذلك فإننا سنتطرق في هذا المبحث إلى حالات المسؤولية الجنائية (المطلب الأول)، بحيث سنخصصه للنظر في حالات انعدام ونقصان هذه المسؤولية لدى الحدث، ونتعرض لموانعها أيضا. لنقف بعد ذلك مع النصوص التي عالجت وضعية الحدث وأهمية مراعاة مصلحته بشكل أولى، حيث خصصنا مسألة مصلحته الفضلى (المطلب الثاني) الذي سيشمل مجموع التدابير المقررة في حق الأحداث الجانحين ودور مراكز التهذيب والإصلاح في معالجة جنوحهم.
المصدر بحث المسؤولية الجنائية للحدث في التشريع الجنائي المغربي انجاز الطلبة معاذ أفسحي عمر حفري عبد الصمد الزوين تحت اشراف الدكتور سعد الستاتي
تعليق