العنوان | مستجدات قانون المسطرة الجنائية في حماية الملكية العقارية دراسة في القانون 32.18 المتعلق بعقل العقار المعدل والمتمم لقانون المسطرة الجنائية رقم 22.01 |
---|---|
انجاز الطالب الباحث | اسماعيل الصغيري |
نوع المرجع | مقال |
عدد الصفحات | 84 ص |
حجم الملف | 1MO |
نوع الملف | |
روابط التحميل | mediafire أو google drive |
مقدمة
يعد حق الملكية العقارية من أقدم وأقدس الحقوق على الإطلاق باعتباره حقا أصيلا وطبيعيا ولصيقا بحياة الأفراد والجماعات، لذلك حرصت مختلف الشرائع الإنسانية على حمايته، حيث إن أغلب الحضارات والأمم اهتمت بتوفير الضمانات الكفيلة بحماية حقوق الأفراد في تملك العقارات، وفي هذا الصدد أكدت المادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في سنة 1948 على كون حق الملكية حقا مقدسا لا يجوز انتهاك حرمته ولا يجوز حرمان صاحبه منه إلا إذا قضت بذلك مصلحة عامة ثبتت قانونا وبشرط التعويض العادل المدفوع مقدما".
وتماشيا منه مع الالتزامات الدولية، أعطى المغرب لحق الملكية بشكل عام أهمية بالغة وارتقى به إلى مصاف الحقوق الدستورية في جميع الدساتير المتعاقبة للمملكة وخاصة دستور فاتح يوليوز 2011, حيث أكد الفصل 35 منه على أنه "يضمن القانون حق الملكية ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون ".
وباعتبار الملكية العقارية أحد أعمدة التطور الحاصل في جميع مناحي الحياة محليا ووطنيا ودوليا، ومرتكزا لكل تنمية اقتصادية واجتماعية وبشرية وأساس تطور المجتمع والدولة بصفة عامة فقد أصبحت بذلك عرضة للاعتداء باستمرار بحيث تزايدت الجرائم المتعلقة بالاستيلاء على العقارات خاصة مع التوسع العمراني الكبير والتزايد السكاني الذي يعرفه المغرب، حتى أن الأمر لم يعد يقتصر على أفعال إجرامية بسيطة وعابرة أو سلوكات فردية منحرفة بل ظهرت شبكات إجرامية مؤطرة في ميدان التزوير والاستيلاء على العقارات في إطار ما صار يسمى بـ "مافيا العقار"، غايتها البحث عن العقارات المهملة وخاصة تلك العائدة للأجانب والمغاربة المقيمين بالخارج من أجل انتزاعها والاستيلاء عليها مستغلة بذلك القصور التشريعي في حماية حق الملكية العقارية، وهو ما أضحى يشكل إساءة ومساسا بصورة الأمن العقاري في المغرب.
أمام هذا الواقع، كان لزاما على المشرع المغربي التدخل من أجل تحصين الملكية العقارية وحمايتها والتصدي لمثل هذه التصرفات التي تزعزع الأمن القانوني وتعيق العمل القضائي وتحول دون تحقيق الحماية الجنائية المطلوبة لحق الملكية العقارية، حيث قام المشرع المغربي بمجموعة من الإصلاحات التشريعية همت تعديل مجموعة من المقتضيات القانونية المؤطرة للعقار بشكل عام وحق الملكية العقارية على وجه الخصوص.
وفي هذا الإطار، جاءت الرسالة الملكية التي وجهها جلالة الملك إلى وزير العدل والحريات بهذا الشأن، والتي شكلت محطة انطلاق حاسمة لهذه الإصلاحات، فقد دعا جلالته إلى الانكباب الفوري على وضع خطة عمل عاجلة للتصدي لظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير تتولى تنفيذها آلية تحدث لهذه الغاية، حيث جاء في الرسالة الملكية ما يلي: "ووعيا من جلالتنا الشريفة بخطورة هذه الظاهرة وما تشكله من مساس جسيم بحق الملكية العقارية والذي يضمنه دستور المملكة وما قد يترتب من آثار فادحة على المجال الحيوي للأمن القانوني فإننا نأمركم بالانكباب الفوري على هذا الملف ووضع خطة عمل عاجلة للتصدي للظاهرة والقضاء عليها والسهر على تنفيذها شاملة لتدابير تؤمن الإعمال الحازم للمساطر القانونية والقضائية في مواجهة المتورطين وإجراء وقاية مبتكرة تضمن معالجة أي نص قانوني أو مسطري من شأنه أن يشكل ثغرات تساعد على استمرارها...".
وتنفيذا للتعليمات الملكية في هذا الصدد، تم إصدار القانون 18-32 المتعلق بعقل العقار، الذي يندرج ضمن التدابير التشريعية الرامية إلى تعزيز الحماية الجنائية للملكية العقارية في شقها المسطري وتوفير آليات قانونية فعالة تطوق مشكلة الاستيلاء عليها، وتتمحور التعديلات الجديدة التي جاء بها هذا القانون حول تتميم مقتضيات المواد 40، 49، 104، 299، 360، و390 من قانون المسطرة الجنائية ، فبموجب هذا القانون خول المشرع للجهات القضائية صلاحية إصدار أوامر بعقل العقارات كلما تعلق الأمر بجريمة من الجرائم الماسة بحق الملكية العقارية، وتتمثل هذه الجهات القضائية في كل من النيابة العامة ورئيس المحكمة الابتدائية والرئيس الأول لمحكمة الاستئناف ومحاكم الموضوع، سواء في المرحلة الابتدائية أو الاستئنافية .
وتأسيسا على كل ما سبق، تتضح الأهمية الكبيرة لموضوعنا على أكثر من مستوى، فعلى المستوى القانوني، يكتسي إجراء عقل العقار في القانون 18-32 أهمية بالغة من الناحية القانونية باعتباره أحد أهم الإجراءات القانونية المستحدثة في مجال حماية الملكية العقارية في الآونة الأخيرة والذي لا نجد له نظيرا في المنظومة التشريعية المغربية، كما تظهر أهمية هذا الموضوع على الصعيد الحقوقي في كونه مرتبطا بحق من أهم الحقوق التي يتمتع بها الفرد ويتعلق الأمر بحق الملكية العقارية، نظرا لكون العقل وسيلة قانونية تستهدف توفير الضمانات اللازمة لتحصين هذا الحق من كل اعتداء عليه، أما على المستوى الاقتصادي، فما دام أن ضمان الأمن العقاري في الميدان الاقتصادي شرط لا غنى عنه لتحقيق رهان التنمية الاقتصادية فلا شك أن إجراء عقل العقار بوصفه إجراء حمائيا لحق الملكية العقارية من شأنه أن يساهم بشكل ملموس في توفير المناخ المناسب والآمن للاستثمارات والمشاريع الاقتصادية عن طريق التصدي لكل الاعتداءات على العقارات ذات الطبيعة الاقتصادية بما يوفر الثقة والطمأنينة لدى كل الفاعلين الاقتصاديين.
وهكذا فإن موضوع مستجدات قانون المسطرة الجنائية في حماية الملكية العقارية يطرح مجموعة من الإشكالات المهمة، لكن الإشكال الرئيسي الذي يؤسس لكل إشكال آخر هو كالتالي : "ما مدى فعالية المستجدات التشريعية التي جاء بها القانون 18-32 والمتمثلة أساسا في إجراء عقل العقار في توفير الحماية الجنائية اللازمة لحق الملكية العقارية؟".
وللإجابة على هذه الإشكالية، ارتأينا أن نقسم هذا الموضوع إلى مبحثين، الأول موضوعي صرف والثاني مسطري محض، وذلك وفق الشكل التالي:
المبحث الأول : ماهية عقل العقار وآثارهالمبحث الثاني : مسطرة الأمر بالعقل ورفعه
المبحث الأول : ماهية عقل العقار وآثاره
لقد حرص المشرع المغربي على توفير حماية جنائية فعالة لحق الملكية العقارية باعتباره من الحقوق الأساسية التي تقتضي تأمينه ضد كافة الأفعال الإجرامية التي ترمي إلى المساس به، حيث جاء المشرع بمجموعة من المقتضيات الجنائية ذات الطبيعة المسطرية التي من شأنها أن تساعد على تحقيق تلك الحماية المرجوة، ومن أهم هذه المقتضيات وأحدثها ما جاء به القانون 18-32 الذي استحدث إجراء قانونيا جديدا يتمثل في إجراء عقل العقار موضوع الجريمة الماسة بحق الملكية العقارية.
وارتباطا بذلك، فإن حداثة هذا الإجراء القانوني تجعل له ماهية خاصة ومتميزة لا مثيل لها في التشريع المغربي بوصفه إجراء تحفظيا يتخذ من طرف مجموعة من المتدخلين القضائيين بمناسبة الدعوى العمومية كلما تعلق الأمر بفعل جرمي يمس بحق الملكية العقارية، بهدف الحيلولة دون انتقال الملكية العقارية إلى الغير طيلة مدة العقل إلى حين رفعه أو صدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به.
وهذه الخصوصية التي يتميز بها إجراء عقل العقار لا تقتصر على ماهيته فقط وإنما تتجلى أيضا في الآثار القانونية التي تترتب عن اتخاذه والمتمثلة في منع كل تصرف في العقار المعقول أثناء سريان العقل بحيث يكون كل تصرف بعوض أو بدون عوض مع وجود العقل باطلا وعديم الأثر، مع العلم أن هذه الآثار لا تشمل فقط التصرفات العقارية وإنما تمتد لتشمل الغير بحيث تؤثر على بعض من مصالحه وحقوقه المرتبطة بالعقار المعقول.
بناء على ما سبق، سنحاول في هذا المبحث مقاربة ماهية عقل العقار وآثاره من خلال الحديث بداية عن ماهية عقل العقار (المطلب الأول) ثم بعد ذلك الوقوف على الآثار القانونية المترتبة عن إيقاعه (المطلب الثاني).
المبحث الثاني : مسطرة الأمر بعقل العقار ورفعه
إن تحقيق الحماية الجنائية للعقار على الوجه الأكمل باعتبارها الغاية المرجوة من وراء استحداث إجراء عقل العقار لا يمكن أن يتم إلا بتبني مسطرة فعالة وناجعة تقوم على أساس توسيع دائرة الجهات القضائية والإدارية المتدخلة في إيقاع العقل ورفعه لضمان تنزيل العقل من النصوص القانونية المنظمة له إلى الواقع العملي تنزيلا فعليا وسليما بما يضمن تحقيق الأمن العقاري ما أمكن.
لذلك، فإن أبرز مستجد جاء به القانون 18-32 هو إقراره لمسطرة خاصة بعقل العقار تختلف باختلاف الجهة القضائية التي أمرت به، حيث أعطى المشرع لكل من رئيس المحكمة الابتدائية والرئيس الأول لمحكمة الاستئناف وقاضي التحقيق والهيئة القضائية المعروض أمامها النزاع صلاحية إصدار الأمر بعقل العقار وفق قواعد مسطرية محددة كلما تعلق الأمر بجريمة ماسة بحق الملكية العقارية تستدعي إصدار الأمر بعقل العقار موضوع هذه الجرائم.
وبالرغم من أن القانون 18-32 لم يشر إلى المسطرة الإدارية لتنفيذ الأوامر الصادرة بإيقاع العقل إلا أن ذلك لا يعني أن هذه المسطرة تتم بمنأى عن الجهات الإدارية التي يتصل مجال عملها بالعقارات وعلى رأسها المحافظة العقارية ومديرية أملاك الدولة، حيث إنها هي الأخرى تلعب دورا مهما في ضمان التنزيل السليم للأوامر الصادرة بإيقاع العقل على أرض الواقع.
وما دام أن عقل العقار هو إجراء وقتي لا غير يتخذ بمناسبة الدعوى العمومية فلا بد له من الانقضاء، وذلك عن طريق رفعه من طرف الجهات القضائية التي قامت بإيقاعه والتي خولها المشرع هذه الصلاحية، أو عن طريق صدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به.
استنادا إلى كل ذلك، فإننا سوف نعالج في هذا المبحث مسطرة إيقاع العقل (المطلب الأول) على أن نتحدث بعد ذلك عن انقضائه (المطلب الثاني).
تعليق