مذكرة تحريك الدعوى العمومية من طرف قاضي الحكم

مذكرة تحريك الدعوى العمومية من طرف قاضي الحكم

مذكرة تحريك الدعوى العمومية من طرف قاضي الحكم
العنوان    تحريك الدعوى العمومية من طرف قاضي الحكم
انجاز الطالبات      ديهية أوسعيدي 
أميرة ياسمين أوزار
تحت اشراف الدكتور    عبد الرحمان خلفي
نوع المرجع   مذكرة  
السنة الجامعية   2015/2016
عدد الصفحات76 ص
حجم الملف1MO
نوع الملفPDF
روابط التحميلmediafire أو google drive
تحريك الدعوى العمومية من طرف قاضي الحكم

مقدمة

في العصور القديمة وبالخصوص في روما كان تحريك الدعوى العمومية يعتمد على شكوى الأشخاص المتضررة، فكانوا بمثابة جهة الإتهام، ولم يسخر للجهات القضائية التدخل تلقائيا وهذا تجسيدا لقاعدة " لا قاضي بدون إتهام"، حيث كان المتضرر ملزما بتسبيب إدعاءاته وفي حالة عدم إفلاحه في ذلك قد يتعرض للمتابعة من أجل البلاغ الكاذب، مما دفع بالأشخاص إلى عدم مباشرة حقوقهم في الإتهام وأضحى المجتمع بدون دفاع مما أدى بالقضاء إلى التدخل في المتابعة وذلك إبتداء من القرن الثالث عشر ميلادي، وجاء هذا تفسيرا للمقولة " كل قاضي هو من أعضاء النيابة العامة" أي أن القاضي يمارس وظيفة الإتهام، إلا أن هذا المبدأ تلاشى شيئا فشيئا إذ أنه في العصور الحديثة تم الفصل بين سلطة الإتهام والحكم وأصبحت الدعوى العمومية من إختصاص النيابة العامة دون سواها كمبدأ عام.

وعليه يترتب على وقوع أي جريمة ضرر عام للمجتمع يسمح له بالتدخل عن طريق ممثل الحق العام للمطالبة بحقوقه وبتوقيع الجزاء المقرر للفعل المجرم قانونا، وهذا ما يعرف " بالدعوى العمومية ".

يرتكز مبدأ الشرعية على أنه متى كانت النيابة العامة هيئة فنية مهمتها مباشرة سلطة الإتهام ومتى كانت لا تختص في الفصل في الدعاوى الجنائية فإن دورها يقتصر على تحريك الدعوى العمومية ومتابعتها أمام القضاء، كما أن مبدأ الملاءمة يخول النيابة العامة سلطة تقديرية في استعمال حقها إيجابا أو سلبا في تحريك الدعوى العمومية بالرغم من اجتماع العناصر القانونية للواقعة الإجرامية ونسبتها إلى متهم معين.

تتجسد الدعوى العمومية أو دعوى الحق العام في الطلب الذي تتقدم به النيابة العامة للجهات القضائية بإسم المجتمع لمعاقبة المتهم، وهذا ما جاءت به المادة الأولى من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري ، حيث تنص على أنه: " الدعوى العمومية لتطبيق العقوبات يحركها ويباشرها رجال القضاء والموظفون المعهود إليهم بها بمقتضى القانون.."، كما أكده أيضا مدلول المادة 29 من نفس القانون إذ : " تباشر النيابة العامة الدعوى العمومية بإسم المجتمع وتطالب بتطبيق القانون..".

كأصل عام تحريك الدعوى العمومية منوط بالنيابة العامة وتكمن الغاية من ذلك في حفظ الأمن والإستقرار الذي يجب أن يسود في المجتمع ودفاعا عنه ضد الأفعال المجرمة في ظل قانون العقوبات ، إلا أنه استثناء للأصل العام الذي يجعل النيابة العامة صاحبة الإختصاص التام لإقامة الدعوى العمومية، خول المشرع الجزائري هذا الحق لجهات أخرى تتمثل في الطرف المضرور والجهات القضائية بما فيها غرفة الإتهام وقضاة الحكم ويكمن هذا الحق في "حق التصدي".

المقصود بحق التصدي هو سلطة تحقيق وقائع ودعاوى أخرى غير الدعوى الأصلية المطروحة أمام الجهة القضائية إذ كشفت عنها مجريات التحقيق أمام تلك الجهة سواء كانت لها صلة بالدعوى التي يتم النظر فيها أم كانت غير مرتبطة بها".

فقد نص المشرع الجزائري على أنه يجوز لغرفة الإتهام أن تأمر من تلقاء نفسها أو بناء على طلبات النيابة العامة بإجراء التحقيقات بالنسبة للمتهمين المحالين إليها بشأن جميع الإتهامات في الجنايات والجنح والمخالفات الأخرى سواء كانت مستقلة أو مرتبطة بالجرائم الواردة بملف الدعوى، حتى إذا كانت قد إستبعدها أو فصلها قاضي التحقيق، وهذا ما جاءت به (المادة 187 ق إج ).

كما قرر المشرع الجزائري لقاضي الحكم سلطة تحريك الدعوى العمومية على جرائم الجلسات والإخلال بنظام الجلسة، إذ منح المشرع الجزائري لقضاة الحكم سلطة المتابعة بشأن التصرفات التي تخل بنظام الجلسة والتي تعد مساسا بهيبة المحكمة من جهة وحالة إرتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات من جهة أخرى، فقد حدد المشرع نطاق وإجراءات ممارسة القضاة لحقهم في تحريك الدعوى العمومية بشأنها وذلك حسب نوع الجريمة المرتكبة سواء شكلت جناية، جنحة أو مخالفة، ونوع الجهة التي وقع أمامها الفعل المجرم بحسب ما إذا إرتكبت الجريمة في جلسة محكمة أو مجلس قضائي، ونشير إلى أن المشرع الجزائري حذا حذو المشرع الفرنسي فيما يخص حق التصدي لجرائم الجلسات والإخلال بنظام الجلسة، والذي نظمه في المواد 295، 296 وكذا المواد من 567 إلى غاية 571 من ق إج.

موضوع تحريك الدعوى العمومية من طرف قاضي الحكم لم ينل حظه حتى الآن بدراسات وافية، إذ أن أغلب الدراسات العربية في هذا الشأن قد عالجت موضوعات تتعلق بحق التصدي بصفة عامة وللأسف لم تعالج موضوع جرائم الجلسات بتعمق؛ أما بخصوص الدراسات الجزائرية لم تعالج هذا الموضوع، ضف إلى ذلك أن المشرع الجزائري لم يشير إلى بعض النقاط التي تعتبر بالغة الأهمية عند ممارسة قاضي الحكم لحقه في المتابعة.

لهذه الأسباب إرتأينا أن تنصب دراستنا في هذه المذكرة على موضوع "حق تحريك الدعوى العمومية من طرف قاضي الحكم" لتبيان أهميته من الناحية العملية والنظرية بما يسمح من توضيح الإجراءات التي تنظم هذه السلطة.

لمعالجة هذا الموضوع تعين علينا طرح الإشكالية التالية :
ما هي الأحكام الموضوعية والإجرائية لسلطة قاضي الحكم في تحريك الدعوى العمومية؟

للإجابة على هذه الإشكالية إعتمدنا على المنهج الإستقرائي إذ قمنا بشرح نصوص قانون الإجراءات الجزائية المتعلقة بحق قاضي الحكم في تحريك الدعوى العمومية وبإستعراض النصوص القانونية بشكل تحليلي ذلك لمحاولة الوصول إلى جملة من النتائج القانونية التي تهدف إلى حل الإشكالية.

من هذا المنطلق إعتمدنا في دراستنا على خطة ثنائية، حيث سيتم تقسيم الدراسة إلى فصلين أساسيين :

تناولنا في الفصل الأول الأحكام الموضوعية لسلطة قاضي الحكم في تحريك الدعوى العمومية حيث تناولنا فيه حق قاضي الحكم في التصدي لجرائم الجلسات مع تبيان دور قاضي الحكم بشأن جرائم الجلسات.

أما في الفصل الثاني عالجنا فيه الأحكام الإجرائية لسلطة قاضي الحكم في تحريك الدعوى العمومية وتطرقنا فيه إلى إجراءات تصدي قاضي الحكم مع إبراز آثار تصدي قاضي الحكم.

الفصل الأول : الأحكام الموضوعية لسلطة قاضي الحكم في تحريك الدعوى العمومية

تعتبر النيابة العامة صاحبة الإختصاص الأصيل في تحريك الدعوى العمومية ومباشرتها بإسم المجتمع ولصالحه مطالبة بتطبيق القانون وهذا ما أكدته المادة 36 من ق إج : " يقوم وكيل الجمهورية بتلقي المحاضر والشكاوى والبلاغات ويقرر ما يتخذه بشأنها..." والتي تقابلها المادة 40 من ق إج الفرنسي التي تنص على : "يتلقى وكيل الجمهورية الشكاوى والبلاغات ويقرر ما يتخذ بشأنها"، ولم يمنح المشرع للنيابة العامة سلطة المتابعة فقط بل جعل لها مركزا رئيسيا في المحاكمة الجزائية.

تقضي العدالة بأن لا تجتمع في شخص واحد صفتي الخصم والحكم معا ومقتضى هذا أن المحاكم لا تختص إلا بالنظر في الدعاوى التي تطرح عليها ؛ إلا أنه استثناء للأصل العام اجتمعت غالبية التشريعات بما فيها التشريع الجزائري، الفرنسي والمصري على منح قاضي الحكم سلطة تحريك الدعوى العمومية بشأن الجرائم التي تقع أثناء سير الجلسات، فيكون القاضي بمثابة الخصم والحكم في دعوى حركها من تلقاء نفسه وهذا ما يشكل مظهرا من مظاهر الخروج على المبدأ العام الذي مفاده الفصل بين سلطتي الإتهام والحكم، وعليه تكمن علة هذا المنح في صون هيبة القضاء ووقاره وذلك ضمانا لحسن سير العدالة.

يتمثل حق قاضي الحكم في تحريك الدعوى العمومية في حق التصدي في جرائم الجلسات فإما أن تكيف هذه الأخيرة بجناية أم جنحة أم مخالفة، أو أن تكون مجرد إخلال بنظام الجلسة كون المحكمة التي ارتكب بجلستها الفعل المجرم أقدر من غيرها للنظر والفصل في القضية، وعلى هذا الأساس نظم المشرع الجزائري نطاق ممارسة هذا الحق في قانون الإجراءات الجزائية، في الباب السابع من الكتاب الخامس، تحت عنوان "في الحكم في الجرائم التي ترتكب في المجالس القضائية والمحاكم" على النحو الآتي :

- جرائم الجلسات تنظمها المواد من 567، 568، 569، 570، 571 من ق إج.
 - أما الإخلال بنظام الجلسة تضمنه نص المادة 295 و 296 من ق إج حيث أن الدعوى لا تقام إلا في الأحوال المبينة أعلاه، وهناك فرق المشرع بين جرائم الجلسات وحالة الإخلال بالجلسة ويتجلى ذلك من حيث طبيعة الجريمة وإجراءات المتابعة والفصل فيها.

وعليه نفتح مجال الدراسة بتبيان حق قاضي الحكم في التصدي لجرائم الجلسات (المبحث الأول) وبتعيين دور قاضي الحكم في جرائم الجلسات (المبحث الثاني).

الفصل الثاني : الأحكام الإجرائية لسلطة قاضي الحكم في تحريك الدعوى العمومية

بعد أن تناولنا المبادئ التي تحكم سلطة قاضي الحكم في تحريك الدعوى العمومية والمتمثلة في حق التصدي في جرائم الجلسات والإخلال بنظام الجلسة وبدئنا دراستنا بالتطرق إلى مضمون هذه الجرائم وتبيان مكانة القضاء ودوره بشأن الجرائم التي ترتكب في ساحته، ثم عددنا الشروط التي من أجلها يجوز لقضاة الحكم استعمال حقهم في تحريك الدعوى العمومية.

تطرق المشرع الجزائري إلى حالة تصدي المحاكم والتي يمكن من خلالها لقاضي الحكم أن يكون خصما في دعوى يقيمها بنفسه جزاء جرائم وقعت أثناء أداء مهامه، فتحريك الدعوى العمومية يعد من مهام النيابة العامة، ومنح المشرع مثل هذه السلطة للهيئة القضائية يشكل خرقا فادحا لمبدأ الفصل بين سلطتي الإتهام والتحقيق والحكم، كون القاضي يكون بمثابة المحقق والخصم والحكم في آن واحد، لهذا نظم قانون الإجراءات الجزائية الجزائري الإجراءات واجبة الإتباع لتحريك الدعوى العمومية من طرف المحاكم " وذلك دون انتهاك حقوق المتهم والضمانات المقررة له لمحاكمة عادلة.

وعليه يتعين علينا أن نعرض في الشق الثاني من دراستنا، الأحكام الإجرائية لسلطة قاضي الحكم في تحريك الدعوى العمومية، وتعتبر هذه الأخيرة نقطة الانطلاق للبدء في استعمال هذه السلطة، وتجدر الإشارة أنه تختلف إجراءات ممارسة حق التصدي باختلاف الجهات القضائية التي يسمح لها استعمال هذا الحق وذلك عملا بقواعد الاختصاص المحددة قانونا لكل من المحاكم الجزائية وغير الجزائية بمختلف أنواعها ودرجاتها.

ستشمل دراستنا إجراءات تحريك الدعوى العمومية التي تتضمن نطاق استعمال قضاة الحكم لحقهم في التصدي ولوحظ أن المشرع الجزائري وسع من نطاق ممارسة المحاكم الجزائية لهذا الحق وضيق من نطاق المحاكم غير الجزائية إذ لم يخول للمحاكم المدنية حق تحريك الدعوى العمومية ولا الفصل فيها، فكل إجراء قضائي يرمي إلى تحقيق غاية، وكل نتيجة تنبثق منها آثار، وعليه سوف نتطرق إلى آثار ممارسة هذا الحق من طرف قضاة الحكم بما فيها من آثار الأحكام الصادرة بشأن جرائم الجلسات وطرق الطعن فيها.

بناء على ما تقدم قسمنا هذا الفصل إلى مبحثين، سنتناول إجراءات تصدي المحاكم في تحريك الدعوى العمومية في(المبحث الأول)، وآثار تصدي قاضي الحكم في (المبحث الثاني).


مذكرة تحريك الدعوى العمومية من طرف قاضي الحكم إعداد الطالبات ديهية أوسعيدي أميرة ياسمين أوزار تحت اشراف الدكتور عبد الرحمان خلفي
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-