العنوان | تاريخ النظم القانونية والإجتماعية |
---|---|
تأليف الدكتور | صوفي حسن أبو طالب |
نوع المرجع | كتاب |
عدد الصفحات | 516 ص |
حجم الملف | 4MO |
نوع الملف | |
روابط التحميل | mediafire أو google drive |
الجزء الأول تكوين الشرائع القانونية وتطويرها
أولا : التعريف بالقانون
القانون مجموعة من القواعد العامة المجردة التي تنظم سلوك الإنسان في المجتمع وتتضمن جزاء ماديا حالا يوقع ضد من يخالفها. "تاريخ النظم القانونية والإجتماعية".
ويتبين من هذا التعريف أن القاعدة القانونية تتميز بعدة خصائص تميزها عن غيرها من قواعد السلوك في المجتمع، وأهم هذه الخصائص هي : قاعدة سلوك، قاعذة خطاب موجه إلى أشخاص في مجتمع، قاعدة مجردة عامة، قاعدة ملزمة.
1 - قاعدة سلوك : أي تحدد سلوك الإنسان في المجتمع فتتضمن إباحة فعل أو أمرا بفعل أو نهيا عن فعل. والقاعدة القانونية تختلف عن القواعد التي تحكم الظواهر الطبيعية كقانون الجاذبية الأرضية أو قانون الغليان ... إلخ.
فهذه الظواهر الطبيعية من خلق الخالق وتقرر أمرا واقعا لا سلطان لأحد عليه ولا يمكن لبشر مخالفتها، والقواعد التي تحكمها قواعد مطردة تفيد استمرار أمر معين وفقا لنظام ثابت. أما قواعد السلوك فهي تحكم ظواهر من صنع الإنسان وتبين ما يجب أن يكون عليه سلوكه وليس ما هو كائن فعلا، ويستطيع الإنسان مخالفتها ولكنه في هذه الحالة يعرض نفسه للجزاء الذي تزود به قواعد السلوك.
غير أن القواعد التي تحكم سلوك الإنسان تتشابه مع تلك التي تحكم الظواهر الطبيعية من حيث الاطراد، فكلتاهما يطرد تطبيقها على كل حالة تتوافر فيها الشروط اللازمة.
2 - خطاب موجه إلى أشخاص في مجتمع : إن قاعدة السلوك التي يأتمر بها الأفراد يخاطب بها الأشخاص - آدميين كانوا أو أشخاصا معنوية - الذين يعيشون في مجتمع معين وفي مكان معين. ومن ثم فهي قاعدة اجتماعية لا توجد إلا حيث يوجد مجتمع لأن الإنسان لا يستطيع العيش إلا في مجتمع.
ومن هنا كان القانون ظاهرة اجتماعية تعكس حضارة مجتمع معين في بيئة معينة. وبالنظر لاختلاف درجات التقدم والمدنية من مجتمع إلى آخر ومن زمان إلى آخر فإن القواعد القانونية تختلف باختلاف الزمان والمكان. فالقانون الذي ساد المجتمعات البدائية يختلف عنه في عصور المدنية، والقانون الذي ساد العالم العربي قبل الإسلام يختلف عنه بعد سيادة الإسلام ، ويختلف عنه بعد ظهور التقنينات الحديثة في القرن التاسع عشر. فالقانون في تطور مستمر لأن المجتمع الذي يحكمه في تطور مستمر، وكل ما في الأمر أن هذا التطور قد يكون بطيئا أو سريعا تبعا لظروف المجتمع.
وهذا المعنى لم يفت القدامي فقد عبر عنه الرومان بقولهم « لا مجتمع بلا قانون ولا قانون بلا مجتمع ubi societas ibi jus » أو « حيث يوجد مجتمع يوجد قانون ».
3 - قاعدة مجردة وعامة: القاعدة القانونية لا تخاطب شخصا بذاته ولا تتناول واقعة بعينها بل توجه الخطاب إلى أشخاص بصفاتهم وتتناول وقائع موصوفة بشروط معينة ولذلك توصف القاعدة بأنها مجردة abstraite.
وهذا التجريد يؤدى إلى تعميم تطبيقها فهي تنطبق على كل شخص تتوافر فيه الصفات المقررة وتسرى على كل واقعة تحققت فيها الشروط المطلوبة، ولذلك توصف بأنها عامة générale. والتجريد والتعميم يؤديان من ناحية إلى تحقيق المساواة بين الناس ويؤديان من ناحية أخرى إلى استمرار تطبيق القواعد القانونية في المستقبل على جميع الأشخاص. والشروط المقررة في الواقعة لا يحددها القانون بطريقة تعسفية بل يراعى فيها الغالب الأعم بين الناس، سواء أكان الخطاب موجها إلى جميع الناس مثل « قاعدة تحديد سن الرشد » أم كان موجها إلى طائفة منهم مثل « القواعد التي تنظم حالة أعضاء هيئة التدريس بالجامعات ».
ويجب أن نلاحظ أن القاعدة القانونية لم تكتمل لها خاصية التجريد والتعميم إلا في عهد حديث نسبيا، ففي القديم تدرج القانون من مجمو وعة من العادات والتقاليد الغريزية إلى أحكام إلهية فردية ثم أصبح مجموعة من السوابق القضائية وانتهي الأمر بها إلى أن تصبح أقوالا مأثورة تأخذ صورة صيغة موجزة مجردة .
4 - قاعدة ملزمة : تتميز القاعدة القانونية بأنها مزودة بجزاء مادي يوقع ضد من يخالفها. ووجود الجزاء هو الذي يضمن استقرار المجتمع وحفظ نظامه وأمنه، وهي الوظيفة الأساسية للقاعدة القانونية، والواقع أن الأفراد يسيرون على هدى كثير من قواعد السلوك في علاقاتهم اليومية، وكل قاعدة من هذه القواعد تقترن بجزاء يطبق على من يخالفها، غير أن طبيعة هذا الجزاء تختلف تبعاً لطبيعة قاعدة السلوك. وتتميز القاعدة القانونية عن غيرها من قواعد السلوك في المجتمع باقترانها بجزاء يجمع بين عدة خصائص أهمها : جزاء مادي حال منظم.
فهو مادي لأنه محسوس وله مظهر خارجي يتمثل في القهر والإجبار الذي يباشره من بيده السلطة في المجتمع، سواء اتخذ هذا الجزاء مظهر الجزاء الجنائي كالعقوبة البدنية، مثل قطع اليد أو الحبس وكذلك العقوبة المالية مثل الغرامة، أو اتخذ مظهر الجزاء المدني كإلزام المدين بتنفيذ التزامه تنفيذا عينيا أو بطريق التعويض.
وكذلك أيضاً محو أثر المخالفة مثل فسخ العقد أو تقرير بطلانه ...إلخ. ومن هنا يتميز الجزاء القانوني عن الجزاء الأخلاقي ومن ثم تتميز القاعدة القانونية عن القاعدة الأخلاقية. فالأولى وحدها تقترن بجزاء مادي أما الثانية فتقترن بجزاء أخلاقي يتمثل في تأنيب الضمير أو احتقار الناس وازدرائهم .
والجزاء القانوني جزاء حال أي أنه جزاء دنيوي يوقع في الحال وفي الحياة الدنيا. وهذه الصفة هي التي تميز الجزاء القانوني عن الجزاء الديني وبالتالي القاعدة القانونية عن القاعدة الدينية. فمن يخالف قاعدة دينية يعرض نفسه لجزاء يوقع عليه في الحياة الآخرة، والمجتمعات العلمانية لا تحفل كثيرا بتوقيع جزاء حال ضده. وعلى العكس من ذلك تطبق المجتمعات التي تسودها الشرائع السماوية جزاء دنيويا بجانب الجزاء الأخروي .
وأخيرا، فإن الجزاء القانوني جزاء منظم أي توقعه سلطة مختصة وفق نظام محدد باسم المجتمع، وهذه الصفة تميز القاعدة القانونية، والمجتمع الذي يسوده القانون بصفة عامة، عن مظاهر القوة والعنف التي تستشري في المجتمع البدائي، حيث يتولى المعتدى عليه وحده أو بالاستعانة بأفراد جماعته، توقيع الجزاء الذي يراه مناسبا لما لحقه من أذى، وهذا ما يسمى بالانتقام الفردي أو القضاء الخاص justice privée.
والخصائص التي تميز الجزاء القانوني، والقاعدة القانونية، عن غيرها من صور الجزاء التي تقترن بقواعد السلوك الأخرى في المجتمع لم تتضح معالمها وتكتمل بالصورة سالفة الذكر إلا في عصور حديثة نسبيا في تاريخ البشرية، بل إن التنظيم القانوني الحديث ما زال يحتفظ ببعض بقايا العهود القديمة كالخلط بين القانون والدين وكذلك الانتقام الفردي.
فاستقراء التاريخ يدلنا على أنه في العهود الأولى من تاريخ البشرية كان الانتقام الفردي هو الأصل ثم بدأ يخلي مكانه بالتدريج للجزاء المنظم نتيجة لتزايد قوة السلطة العامة حتى حل محله نهائيا بظهور الدولة واشتداد ساعدها، ويدلنا أيضاً على أن القواعد الدينية والقواعد الأخلاقية كانت مختلطة بالقواعد القانونية غير متميزة عنها في المجتمعات البدائية حتى بعد ظهور نظام الدولة واشتداد قبضتها على السلطة. فالجزاء الديني كان هو الأصل العام، ثم ظهر بالتدريج الجزاء القانوني مكملا للجزاء الديني ثم استقل كل منهما عن الآخر فانفصلت القاعدة القانونية عن القاعدة الدينية .
ويجب ألا يغيب عن بالنا أن انفصال الجزاء القانوني عن الجزاء الديني أو الأخلاقي لا يعني بالضرورة ابتعاد القانون عن الدين أو الأخلاق ومخالفته لأحكامهما، ذلك أن القانون - كما سبق أن رأينا - مرآة لحضارة المجتمع وما تقوم عليه من قيم دينية وأخلاقية ومن ثم يرتكز على الأسس الدينية والأخلاقية السائدة في المجتمع، غاية الأمر أن القانون تخير بعض هذه القيم ووضع لها جزاء وترك ما عداها اكتفاء بالجزاء الديني أو الأخلاقي. وفي هذا الصدد تختلف الشرائع القانونية عن بعضها البعض الآخر.
فالشرائع السماوية تحصر مصدر القاعدة القانونية في العناية الإلهية مثل الشريعة الإسلامية والشريعة اليهودية، أما الشرائع الكهنوتية فتحصر مصادرها في قرارات المجامع الدينية مثل «القانون الكنسي» وكلا النوعين يمد من نطاقها بحيث تتسع لأكثر قواعد الدين والأخلاق، أما الشرائع الوضعية فمصدرها ضمير الجماعة والعقل البشرى وتستبعد من نطاق القانون كثيرا من قواعد الدين أو الأخلاق.
ثانيا : مدى التلازم بين القانون ووجود الدولة
ثار التساؤل عن مدى التلازم بين فكرة القانون ووجود الدولة. وقد ذهب بعض الباحثين إلى أنه من العبث البحث عن قواعد قانونية في العصور التي سبقت ظهور الدولة.
وواقع الأمر أن استقراء التاريخ يدلنا على أنه لا يوجد تلازم بين وجود القانون ووجود الدولة وإن كانت توجد صلة قوية بينهما لأن من وظائف الدولة الأساسية حفظ النظام والسهر على مصالح الناس في المجتمع وفقا لنظام قانوني يخضع له الجميع.
فمن الثابت تاريخيا أن القانون قد ظهر قبل ظهور نظام الدولة بزمن طويل؛ ذلك أن الإنسان بطبيعته حيوان اجتماعي ونظامي في نفس الوقت، فهو لا يعيش إلا في مجتمع، وهو بغريزته يشعر أن المجتمع لا يستقيم أمره إلا إذا ساده نوع من النظام، وهذه الغريزة تدفعه إلى خلق قواعد يضبط الناس سلوكهم على غرارها طوعا أو كرها سواء في ذلك
الجزء الثاني : الشرائع السامية القانون الفرعوني والقانون البابلي والشريعة اليهودية
الشرائع السامية في الوطن العربي قبل الإسلام
تعدد الشرائع : إن المنطقة التي يطلق عليها حاليا الوطن العربي شهدت أقدم الحضارات التي عرفتها البشرية، وفيها ظهرت أقدم الشرائع القانونية مثل شريعة مصر (القانون الفرعوني) وشريعة بابل وآشور وشريعة اليهود، وكانت مهبط الوحي للرسالات الثلاث الكبرى اليهودية فالمسيحية فالإسلام، ومن ثم كانت موطن الشريعتين السماويتين اليهودية والإسلامية، فضلا عن شرائع بعض الطوائف المسيحية. ويطلق على كل الشرائع التي سادت تلك المنطقة اسم الشرائع السامية.
وظلت هذه المنطقة تنعم باستقلالها السياسي ونظمها القانونية الوطنية حتى القرن الرابع قبل الميلاد حينما خضعت لحكم الإغريق ثم للرومان من بعدهم ففقدت استقلالها السياسي وطبقت فيها الشريعة اليونانية ثم القانون الروماني بجانب الشرائع الوطنية، وهاتان الشريعتان من الشرائع الآرية، ثم استردت المنطقة مجدها السامي بظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي حيث سادت الشريعة الإسلامية.
والشرائع القانونية السامية سادتها روح واحدة هي الروح السامية لأنها كانت وليدة حضارة سامية، فتميزت بذلك عن الشرائع الآرية – وأهمها القانون الروماني – التي طبقت في البلاد العربية قبل الإسلام، ووحدة الروح العامة لا يعني تطابقها فكـل مـنها تميزت بخصائصها وذاتيتها المستقلة فكـان لكل منها كيانها الخاص بها، فضلاً عن أنها كلها، باستثناء الشريعة الإسلامية، لم تكن شرائع عالمية بل كانت شرائع إقليمية تخص أقاليم بعينها.
مكـانـتـهـا فـي تـاريخ القانـون : أصبحت دراسـة الـشرائع القانونية القديمـة السابقة على القانون الروماني تحتل مكانا كبيرا في دراسات تاريخ القانون منذ أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن الحادي والعشرين (في الجامعات الفرنسية منذ تعـديل برامجها عام ١٩٥٤) بعد الاكتشافات الأثرية المتعددة وقراءة نصوص وثائقها، وما زالت الحفائر الأثرية تمدنا كل يوم بفيض من الوثائق والآثار .
وقد كشفت هذه الوثائق والآثار عن حضارات وشرائع قانونية كثيـرة سـادت العـالم القـديـم سـواء في الشرق الأقصى أم في الشرق الأدنى.
وبعضها كان من نتاج الحضارة السامية وبعضها الآخر من نتاج الحضارات الآرية وغيرها. ومنطقة الشرق العربي شهدت العديد من الشرائع القانونية، قلة منها من نتاج حضارات أرية وأكثرها من نتاج حضارات سامية. ولن نتعرض هنا لدراسة الشرائع الآرية، وأهمها قانون الحيثيين، التي ظهرت في الشرق الأدنى إلا بالقدر الذي أثـرت فـيـه فـي الشرائع السامية، وهـو قـدر محـدود.
وسنقتصر على دراسة مـا سـاد الوطن العربي من شرائع سامية. ولن نعرض لدراسة كل الشرائع السامية السابقة على الإسلام بل سنقتصر على أهمها، وهي الشرائع التي سادت في بلاد ما بين النهرين Mesopotamie وتسمى أيضا بلاد الرافدين (العراق حاليا)، وفي مصر، وشريعة اليهود، ذلك أن الشرائع السامية الأخـرى التـي ظـهـرت فـي مـنطقة الوطن العربي رغـم أن لكـل مـنـها ذاتيـتـها المستقلة إلا أنها تأثرت إلى حد كبير بالشريعتين الكبيرتين : بابل ومصر، فضلاً عن أن الوثائق الخاصة ببعضها، مثل شريعة فينيقيا التي كشفت عنها حفائر أوجاريت (رأس الشمرة في سوريا حاليا) لم تكتمل دراستها وترجمتها بعد.
تقسیم : سنخصص بابا لدراسة الشريعة التي ظهرت في مصر الفرعونية ونتبعه بآخر عن شريعة بابل وأشـور في بلاد ما بين النهرين، ونختتم هذه الدراسة بباب ثالث عن شريعة اليهود ونقدم لكل ذلك بمبحث عن ظهور الشرائع السامية القديمة وأهميتها.
كتاب تاريخ النظم القانونية والإجتماعية تأليف الدكتور صوفي حسن أبو طالب
تعليق