فكرة القانون

فكرة القانون

فكرة القانون
العنوان    فكرة القانون   
تأليف الدكتور    دينيس لويد
تعريب المحامي    سليم الصويص
نوع المرجع   كتاب 
عدد الصفحات321 ص
حجم الملف1MO
نوع الملفPDF
روابط التحميلmediafire أو google drive
فكرة القانون

مقدمة

القانون هو إحدى المؤسسات الجوهرية في حياة الإنسان الإجتماعية ، لولاه لأصبح الإنسان مخلوقاً متخلفا جدا عما هو عليه. وإن الإطلاع على محتويات هذا الكتاب تكفي لتبين للقارئ الدور البارز الذي كان يقـوم بـه القـانـون فـي الـشـؤون الإنسانية عملياً وفكرياً وما يزال. ولئن كان هناك فلاسفة عظام من أفلاطون إلى ماركس، قد ذهبوا إلى أن القانون شر يجدر بالإنسانية التخلص منه، فإن التجربة دلت -برغم شكوك الفلاسفة- على أن القانون إحـدى الـقـوى الـتـي تساعد على تحضر المجتمع الإنساني وعلى أن نمو الحضارة قد ارتبط على الدوام بالتطور التدريجي لنظام من القواعد الشرعية، ولجهاز يجعل تنفيذها فعالا ومنتظما .

على أن القوانين لا توجد فـي فـراغ بـل تـوجـد جنباً إلى جنب مع مبادئ خلقية متفاوتة التجديد والتعقيد . ومن الواضح أن علاقة القانون بالقواعد والقوانين الخلقية ذات أهمية عظمى في كل مجتمع بشري، ومنها مجتمعنا البشري الحاضر، كما تشهد على ذلك أمثلة عديدة لمشكلات شائعة مثيرة للجدل من المعضلات المتضاربة، نذكر منها على سبيل المثال المسؤولية القانونية للذكور البالغين ومـقـاضـاتـهـم بخصوص الشذوذ الجنسي، حتى لو تم الفعل سرا، وبالتراضي (برضاء الطرفين) وفي مكان خاص.

ومسألة عقوبة الإعدام التي تجـر وراءها فلسفة الهدف من العقوبة التي يفرضها قانون العقوبات، والمسائل القانونية المتعلقة بحرمة حياة الإنسان مثل القتل الرحيم، أي قتل الإنسان الذي يشكو من مرض عضال لا براء منه، والإنتحار والإجهاض، ومسألة ما إذا كان الحق في الطلاق يستند إلى فكرة الإثم أم يتوقف على انهيار الزواج.

 كل هذه المسائل تشير إلى التوتر والتعارض الذي ينشأ بين الأفكار الخلقية السائدة في مجتمع ما وبين القواعد القانونية التي تسعى إلى إرساء حقوق وواجبات قانونية دقيقة.

أضف إلى ذلك أن الإيمان بقانون خلقي كان له تأثير هائل على فكرة الإنسان عن القانون النافذ بالفعل في مجتمعه الخاص. ذلك لأن الفكرة القائلة بأن هناك، من وراء النظم القانونية المعمول بها في مختلف المجتمعات، قانوناً أسمى يمكن على أساسه أن نحكم على القانون البشـري الـوضـعـي، هذه الفكرة قد أدت إلى نتائج مهمة في الكثير من مراحل التاريخ البشري الحرجة، ذلك لأنها قد أدت إلى استخلاص نتيجة مؤداها أن هذا القانون الأسمى يجب ويلغي القواعد الفعلية لأي مجتمع معين حين يتضح أنها مخالفة للقانون الأسمى، وليس هذا فحسب، بل إن هذه النتيجة يترتب عليها جواز إعفاء الفرد من واجبه تجاه الخضوع للقانون الفعلي، بل إنه يملك الحق الشرعي في التمرد عل سلطة الدولة الشرعية. 

ويجب ألا يغرب عن البال أن هذا النوع من الحجة مازال قائما حتى يومنا هذا ومازالت له نتائج وتطبيقات عملية. مثال ذلك أن هؤلاء الذين ينادون بأن هناك حقوقا إنسانية أساسية يضمنها القانون الخلقي (الأسمى) أو القانون الطبيعي، يرون أن القوانين التي، تميز بين قطاعات من المجتمع على أساس الدين أو العرف تتعارض مع المفاهيم الأخلاقية الأساسية وبالتالي لا يجوز اعتبار هذه القوانين نافذة على الإطلاق، ومن حق المرء قانونيا وخلقيا أن يرفض الالتزام بها. وسنحاول في هذا الكتاب أن نفحص هذه المشكلات الأساسية التي تحظى باهتمام كل مواطن في عالمنا المعاصر.

وربما كانت أكثر القضايا حساسية وحيوية في الدولة العصرية هـي قضية ما تعنيه حرية المواطن والإجراءات التي يمكن انتهاجها للمحافظة على هذه الحرية، فالعلاقة بين القانون والحرية وثيقة جدا، ذلك أن من الممكن استخدام القانون كأداة للطغيان كما حدث في العديد من المجتمعات والعهود، أو كأداة لتحقيق تلك الحريات الأساسية التي تعتبر في المجتمع الديموقراطي جزءا جوهريا من الحياة الكريمة. 

ولا يكفي في مجتمعات كهذه أن يقتصر القانون على ضمان أمن المواطن في شخصه وماله، بل انه من المهم أن يكون المواطن حرا في التعبير عن رأيه دون خوف أو تهديد، وفي التجمع مع إخوانه من المواطنين، وأن يكون له الحق في التنقل حيث شاء وأن يبحث عن أية وظيفة يرغب فيها، وان ينتفع بثمرات ما أصبح يعرف «بحكم القانون» ويجب أن يكون متحررا من القلق الناتج عن الحاجة أو سوء الحظ. كل هذه المشاكل تثير مسائل قانونية في غاية التعقيد في إطار دولة الرفاهية الحديثة، وقد تناول هذا الكتاب بعضا من أهم جوانب هذه المشكلة الملحة.


وفي العصر الحديث، ارتبط القانون ارتباطا وثيقا بفكرة وجـود قـوة ذات سيادة في كل دولة بحيث تكون لهذه القوة سلطة سن القوانين وإلغائها وفق إرادتها. 

وقد كان لهذه النظرية نتائج مهمة بالنسبة للأنظمة القانونية الوطنية والدولية على السواء فإذا كانت الدولة ذات سيادة فـكـيـف يـجـوز القول إن هذه الدولة ذات السيادة خاضعة بدورها لنظام أشمل، هو القانون الدولي فإذا فرضنا أن هذه الدولة ارتبطت بمعاهدة دولية تلزمها بقبول هيمنة سلطة تشريعية لجهاز دولي أعلى مرتبة، كما هو الحال في معاهدة السوق المشتركة، فإن انضمام دولة -كبريطانيا مثلا- إلى هذه السوق المشتركة أثار في الآونة الأخيرة خلافاً حادا حول تأثير هذا الإنضمام على السلطة المطلقة للبرلمان. وما هذا إلا مثل آخر للسبل التي تتخطى بها فلسفة القانون المسائل المتعلقة بسياسة الدولة.

وقد أفلحت العلوم الاجتماعية في أيامنا هذه، رغم كونها ما تزال في مرحلة الطفولة، في أن تظفر بمكانة هامة في كثير من مجالات الفكر والنشاط البشري. وكان تأثيرها بيناً على التشريع فكرا وتطبيقا، بحيث يواجه الباحث في علم الإجتماع القانوني ميدان استقصاء واسع مازال معظمه غير مستكشف بعد، على أن محاولات مهمة قد بذلت ولا تزال تبذل لربط الفكر التشريعي بالتطورات التي طرأت على مجالات الدراسة المختلفة من أمثال علم الإنسان >الانتربولوجي< وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم الجريمة.

 ولكن المحامي -وهو رجل العالم العملي- كان يظهر، وخاصة في بلاد القانون العام، تبرما وضيقا بالنظرية ويأخذ بالإتجاه الذي يرى أن مهمته هي البحث عن حل للمشاكل العملية، وأنه من هذه الناحية وبفضل خبرته القانونية اكثر استعدادا وكفاءة من أولئك الذين يفتقرون إلى سعة اطلاعه على الأساسيات التشريعية، مهما كان مقدار تمكنهم من مباحث العلم الأخرى. وعلى أية حالة فإن مطالبة العلوم الإجتماعية بأن يسمع صوتها، حتى في أعمق جوانب القانون ذاته، لابد أن تتوقف، آخر الأمر، على ما تستطيع أن تلقيه من ضوء على النظم التشريعية والـعـون الذي يمكنها أن تسديه في حل المسائل القانونية الفعلية لعصرنا وجيلنا.


إن الدور الذي تضطلع به السلطة القضائية في النظام القانوني الحديث ذو أهمية اجتماعية بالغة، ولذلك فقد سعيت في هذا المؤلف إلى أن ابرز الطبيعة العملية القضائية والمساهمة الفعالة التي يسديـهـا لـيـكـون الـقـانـون فعالا عند التطبيق.

 ويرتبط بهذه المسائل ارتباطا وثيقا طبيعة الإستدلال القانوني ذاته وبنيانه، فالقانون في تغير وتطور مستمرين. ومع أن الفضل الكبير في هذا التطور يعود إلى ما يسنه المشرع نفسه، إلا انه لا يمكن تجاهل الدور الأساسي الذي تضطلع به المحاكم ويقوم به القضاة في تطوير القانون وتكييفه مع حاجات مجتمعهم. وقد عرضنا في صفحات هذا الكتاب للطريقة العامة التي تتحقق بها هذه النتيجة، ولكننا لم نقتصر على ذلك، بل قدمنا عددا كبيراً من الأمثلة المفصلة فيما نتيح للقارئ أن يرى ما تنطوي عليه عملية تطبيق القواعد والمبادئ القانونية وتفسيرها في إطار النظام القانوني الحديث.

وفي الجزء الأخير يتناول هذا الكتاب بإيجاز بعض المسائل الملحة التي سوف يتوجب على الفكر القانوني معالجتها في المستقبل القريب. وقدشددنا على إبراز أهمية المعالجة الخلاقة المبدعة لفكرة القانون في عصرنا هذا، إذا أريد للقانون أن يؤدي الوظيفة الاجتماعية التي ينبغي عليه أن يتصدى لها ، ولا شك في أن من واجب جميع الذين يهتمون بتفسير القانون أو تطبيقه أن يبذلوا جهودا متواصلة لـصـقـل صـورة الـقـانـون ليظل وثيـق الصلة بالحقائق الاجتماعية المعاصرة.


كتاب فكرة القانون تأليف الدكتور دينيس لويد تعريب المحامي سليم الصويص
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-