المؤسسات السياسية والقانون الدستوري الأنظمة السياسية الكبرى موريس دوفرجيه

المؤسسات السياسية والقانون الدستوري الأنظمة السياسية الكبرى موريس دوفرجيه

كتاب المؤسسات السياسية والقانون الدستوري الأنظمة السياسية الكبرى موريس دوفرجيه
العنوان     المؤسسات السياسية والقانون الدستوري الأنظمة السياسية الكبرى 
تأليف     موريس دوفرجيه
ترجمة   جورج سعيد
الطبعة الأولى   1992  
نوع المرجع     كتاب
عدد الصفحات484 ص
حجم الملف11MO
نوع الملفPDF
روابط التحميلmediafire أو google drive
كتاب المؤسسات السياسية والقانون الدستوري الأنظمة السياسية الكبرى موريس دوفرجيه

مقدمة

يستعرض هذا الكتاب مختلف الانظمة السياسية المعتمدة في العالم ، ومعظمها يرجع وعلى درجات متفاوتة إلى نظام واحد عام منها ما يطبقه ومنها ما يتستر خلفـه ألا وهو النظام الديمقراطي، وحدهـا قلة من الأنظمة السياسية تتعارض جـذريـاً مـع النظام الديمقراطي ، ليس في التطبيق وحسب بـل أيضـاً في النـظـريـة وهي إمـا أنـظـمـة يمينية ( الملكيات التقليدية أو الأنظمة الفاشية )  إما أنظمة يسارية ترفع شعار « الانتخابات خيانة ! » .

الإنتخاب الشامل والبرلمانات غـدت أسس مشروعية جديدة ، مشتركة لغالبية أنظمة اليوم ، تماماً كما كانت الوراثة والتولية الدينية أسس مشروعية عـامة تقريباً ، منذ بضعة قرون . سوف نتطرق إذا لهذا النمط الديمقراطي قبل تحليل المنظومات الخاصة التي تستلهم منه أو التي تدعي ذلك ، إذ أن بعضها يستند في الحقيقة إلى أسس تتعارض كامل التعارض مع هذا النمط. 

يتوجه الكتاب من ناحية إلى الطلاب ، طلاب العلوم السياسية وطلاب العلوم الإقتصادية، كما أنه اتسم من ناحية أخرى بطابع مباشر وملموس يجعل منه وسيلة اطلاع على الأنظمة السياسية المعاصرة ، يمكن استخدامها من قبل الجميع لاسيما وأن الفارق بين الدراسات الجامعية ومسائل الحياة العامة لم يعد اليوم كبيرا. 

مع أن هذا العمل يكفي بذاته ( كما أنه يثير لدى القراء الرغبة في مقارنته مع أعمال أخرى ) فإننا ننصح بالإطلاع أيضـاً على كتابنا علم اجتماع السياسـة ، من ناحية ، ومن ناحية أخرى على كتابنا الآخر : التنظيمات السياسية  ( الأحزاب السياسية والقوى الضاغطة ) . فالكتاب الأول  الذي يشكـل مدخلا إلى علم الاجتماع العام المطبق في المجال السياسي ، يوضح الطرق التي تسمح بتحليل علمي للسياسة وحـدودها يدرس ضمن مادة "العلوم السياسية" ، لـ DEUG القانون والعلوم الاقتصادية والإدارة الإقتصادية والإجتماعية والعلوم الإنسانية ، وهو مكمل طبيعي لمادة ومؤسسات سياسية وقانون دستـوري  نأمـل بأن تعتمـد جامعات وكليات كثيرة هذين الكتابين في آن واحد . الكتاب الثاني يكمل ويوسع التعليمات التي يوفرها الأول حـول دور الأحزاب والقوى الضاغطة في سير عمل المؤسسات السياسية. 

القسم الأول : النمط الديمقراطي

ليست كـل أمم العالم الحالي ديمقراطية، على العكس غالبيتها هي أحـادية وعلى درجة من القمعية، لكنها جميعهـا تدعي الإنتماء للقيم الديمقراطية ، تعلن أنها ديمقراطية وتأخذ كمعيار النمط الديمقراطي جميعها  تقريباً ، تملك دساتير  مع أن عدداً كبيراً منها ليست سوى دساتير بـرامج جميعها تقريباً  تلجأ إلى الإنتخاب العام ، مع أن الإنتخاب ليس حراً في عدد كبير منهـا ويقتصر فقط على الموافقة الإلزامية على مرشحين وحيدين . جميعها تقريبا لديها برلمان ، مع أن دور هذا الأخير يبقى ضعيفا إن لم يكن غير موجود في الأعم الأغلب ، لدى جميعها  تقريباً منظومة قضائية مستقلة شكليا ، مع أن القضاة ليسوا غالبا سوى مجرد موظفين لدى السلطة .

إن النمط الديمقراطي الذي يشكل قاعدة كل المنظومات السياسية القائمة على الأقل نظريا  تطور عبر احداها : المنظومة الليبرالية الرأسمالية ، إنه يعمل فعلياً في الأمم المسماة غربية : أوروبا الغربية ، الولايات المتحدة الأميركية كندا اليابان استراليا نيوزيلندا الجديدة... الخ . 

وفي الأمكنة الأخرى هـو اشبـه بـزينة مصطنعة ملصـوقة عـلى بـنـاء ومتعارضة مع هندسته تماما، غير أن مجرد ادعاء الأنظمة التسلطية المعاصرة انتهائها للنمط الديمقراطي هو مسألة لا يستهان بها ، يعني هذا أن هذه الأنظمة تتعارض مع منظومة القيم التي تتمعير إليها في العلن، أي أنها ليست مشروعة كاملا بنظر مواطنيها ، وبما أن المشروعية هي إحدى الأسس المهمة للسلطة السياسية فإنه يمكن القول أن السلطات التسلطية أضعف أساساً من السلطات الديمقراطية، في منظومة قيم العالم المعاصر .

سـوف نتطرق أولا لتكـوين النمط الـديمقراطي وانتشاره الحالي ، ثم لميـزاتـه الرئيسية انتخاب المواطنين ، البرلمانات ، القضاة المستقلون ، حول كـل من هـذه النقاط سوف نبحث مبادىء وأوليات النمط مع التمييز بين شكل تطبيقها في الـدول حيث يشكل الأساس الفعلي للمنظومة السياسية ( الديمقراطيات الغربية ) وشكل تطبيقها في الدول حيث لا يعدو عن كونه مرجعاً نظرياً ، دون تطبيق فعلي. 

القسم الثاني : الديمقراطيات الليبرالية

الديمقراطيات الليبرالية ـ أو الديمقراطيات الرأسمالية ـ تعمل في أوروبا الغربية وفي أميركا الشمالية ( الولايات المتحدة وكندا ) وفي المحيط الهادىء ( اليابان ، استراليا ونيوزيلندا ) . وميزاتها المشتركة هي جد أساسية ترتكـز السلطة السياسية على نظرية السيادة الشعبية يتم اختيار الحكام بانتخابات الإقتراع الشامـل ، وهي حرة نسبيا ورصينة ( أي أنها انتخابات حقيقية حيث يكون الإختيار ممكناً بين عدة مرشحين ، وليس انتخابات استفتائية لصالح مرشح رسمي واحـد ) . 

أما بنية الحكومة تستند إلى التعددية السياسية موالي فصل للسلطات ، إلى هذا الحد أو ذاك صلاحيات الحكـام محـدودة والمحكومون ينضمـون بحريـات عامـة حرية الرأي، حرية الصحافة، حرية الإجتماع، حرية إنشاء الجمعيات، الحرية الدينية... الخ .

غير أن هذه الحريات هي أساساً حريات عامة ، أي حريات إزاء الحكام، وفي الواقع إنها تضيق بفعـل وجود ظـواهر هيمنة اقتصـاديـة تستتبـع عـلى درجات مختلفة واستغلال بعض الطبقات للبعض الآخر . 

والمؤسسات السياسية للديمقراطية الليبرالية تشتغل ضمن بنى اقتصادية رأسماليـة مرتكزة على الملكية الخاصـة لوسائل الإنتاج ، في حين أن السلطة السياسية لا تنبثق فقط من الإنتخاب  بل أيضاً من الثراء . 

والديمقراطيـات الليبرالية هي في الحقيقة « بلوتو ـ ديمقراطيات » يمكن تفسير هذه العبارة بمعنيين، إنها تعني أولا كما قلنا لتـونا  غنى بعض الأفراد ، بعض الشركات ، بعض الطبقات، الذي يعطيهم قوة سياسية داخل الديمقراطيات الليبرالية، لكنها يمكن أن تعني أيضـاً أن الديمقراطيات الليبرالية هي أنظمة الأمم الغنية، إذ أنها تطبق في الواقع في البلدان الأكثر تصنيعاً في العالم والأكثر تطوراً تقنياً ، حيث مستوى المعيشة الإجمالي هو الأكثر ارتفاعاً .

لقد سبق لنـا ووصفنـا في الصفحات السـابقـة نمط المؤسسات التي هي الديمقراطيات الليبرالية ، والذي أصبح نمطاً عاماً تستخدمه الأنظمة غير الليبرالية كمعيار نظري لأنها لا تطبقه في الواقع ، والديمقراطيات الليبرالية تطبقه على نحو أوسع ، رغم الشوائب الكثيرة التي تعتري هذا التطبيق ، وهي تستطيع ذلك لأن هذا النمط يتطابق مع بنيتها الإقتصادية الإجتماعية ، مع إيديولوجيتها وتقاليدها الثقافية في الأنظمة التسلطية هناك تناقض، على العكس بين نمط المؤسسات الليبراليـة والظروف الإجتــاعيـة والإيديولجية. 

القسم الثالث : الأنظمة التسلطية الرأسمالية

إن مفهـوم الأنظمة التسلطية الرأسماليـة يتطابق مع تسميتها ، فهي أولا أنظمة تسلطية ، أي أن السلطة لا ترتكز على انتخابات حرة ، وأن الحكام لا يمكن أن يبعـدهم المواطنون بعدم تحديد انتخابهم لهم ، وإن المعارضة ممنوعة ولا يوجد تعـددية بـل أحاديـة سياسية ، ثم إنها أنظمة رأسمالية ، أي مرتكزة على الملكية الفردية لوسائل الإنتاج والمنشأة الحرة . 

غير أن بعضهـا يتطابق مع بنية اقتصادية سابقة للرأسمالية الصنـاعيـة ، بنية الإقتصاديات الزراعية المرتكزة على الملكيات العقارية الكبرى المستغلة تبعاً لنمط عـلى درجات متفاوتة من الأرستقراطية، عندما نتكلم عن أنظمة رأساليـة ، لا تؤخذ كلمة رأسمالي بالمعنى الدقيق للرأسمالية الصناعية ، ولكن بمعنى أوسع، كل نظام مرتكز على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ، كل نظام غير اشتراكي. 

يمكن تصنيف الأنظمة التسلطية الرأسمالية إلى فئتين : بعضها يرتكز على المنظومة السياسية القديمة التي كانت الأكثر انتشاراً في العالم منذ القدم حتى القرن التاسع عشر : المنظومة الملكية ، حيث ترتكز السلطة على الوراثة، هذه المنظومة تكون مخلفة تاريخية : لكنها لا تزال تعمـل في عـدة بلدان، الأنـظـمـة التسلطيـة المـحـافـظـة الأخـرى هي دكتاتوريات  ومؤسساتها السياسية تشبه أحياناً وإلى حد كبير الدكتاتوريات الاشتراكية ، خاصة نظام الحزب الواحد القمع  الخ . لكن سياقها الإجتماعي الإقتصادي مختلف تماماً ، فهو رأسمالي من ناحية واشتراكي من ناحية أخرى .

 إن أهدافها هي أيضـاً متعارضة ، فالدكتاتوريات الاشتراكية تؤكد بـأنها أنظمة انتقالية ، هدفها خلق شروط ديمقراطية حقيقية ، والدكتاتوريات المحافظة تعلن بأنها دائمـة وأنها لا تحمل أي هـدف ديمقراطي نهائي .

القسم الرابع : الدكتاتوريات الاشتراكية

جميع الأنظمة الاشتراكية الحالية هي دكتاتوريات، مما لا يثبت استحالة وجود أنظمة اشتراكية ديمقراطية، إن السمة التسلطية للأنظمة الإشتراكية الحالية تفسر بعاملين أساسيين، فمن ناحية تم نموها الإقتصادي منذ زمن قريب مقارنة بنمو الديمقراطيات الليبرالية .

 إن مرحلة التراكم البدائي للرأسمال ، الضروري لإنشاء بنى تحتية للإقتصاد الحديث ، نمت في الإتحاد السوفياتي في الستين سنة الأخيرة ، فيها نمت في الغرب بين عـام 1800 و 1880 تقريباً أثناء هذه الفترة استغلت الطبقة العاملة أفظع استغلال وأفادت طبقة صغيرة فقط من أصحاب الامتياز من الليبرالية .

ثانياً ، التعارض بين السمة الليبرالية للأنظمة السياسية الغربية والسمـة التسلطية للأنظمة الاشتراكية يفسر في جزء منه بالتشكـل المتـايـز لكل منها، فقد قامت الأنظمة الإشتراكية ضمن بنى اقتصادية رأسمالية كانت تتعارض معهـا جذرياً، فاضطرت إلى تهديمها بالكامل لبناء بنى اقتصادية جماعية، وكانت الطبقات الحاكمة القائمة عدوتها اللدودة ، وهي تقاوم بحدة اليأس وحدها ، دكتاتورية صارمة ، كـانت تسمح ببناء الإشتراكية في هذه الشروط . خلق نموها مؤسسات ، سلوكات ، ايديولوجيات غيرت اتجاه بناء الإشتراكية هذا ووضعت المنظومة على طريق لم تستطع بعـد ذلك الإبتعاد عنه بسهولة ، رغم نظرية فناء الدولة .

 وعلى العكس نمت الأنظمة الغربية بالتوافق مع البنى الإقتصادية القائمة ، التي كانت العامل الرئيسي لإرسائها، وهذه الأنظمة كانت مرغوبة من قبل الطبقات التي تقـود آلية الإنتاج ، والتي كانت تعبر عن مصالحهـا وطموحاتها، فطالما أن هذه الأنظمة كـانت بعيدة عن خطر الجماهير الشعبية ، كـان بإمكانها اختزال العنف والدكتاتورية إلى دور الوسائل المؤقتة ، ولعب ورقة الحرية . 

 وقد كان للعادات التي اتخذت في هذه المرحلة وقعها على التطور اللاحق للمنظومة، عبر الحد من نمو التسلطية والدفع إلى تمويهه بأشكال خبيثة، أخيراً تجدر الإشارة إلى أن الدكتاتوريات الإشتراكية تعلن أن تسلطيتها ليست إلا مؤقتة وأنها تهدف فقط إلى تحضير مجيء ديمقراطية ليبرالية أكثر أصالة ، فهي تعتبر هذه التسلطية شراً لا بد منه في مرحلة انتقالية تسمح بإيصالنا يوماً إلى نظام نهائي مختلف تمام الإختلاف، على العكس فالأنظمة التسلطية الرأســماليـة تعتبر تسلطيتهـا نهائيـة.

فالديمقراطية والليبرالية بنظرها همـا غير فعالتين وعاجزتين وينبغي أن تبقى المجتمعات الإنسانية دوماً تحت سوط سلطة شديدة البأس. 


كتاب المؤسسات السياسية والقانون الدستوري الأنظمة السياسية الكبرى تأليف موريس دوفرجيه ترجمة جورج سعيد. 
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-