العنوان | وسائل إثبات جريمة الفساد بين الشريعة والقانون |
---|---|
انجاز الطالب | عادل كتيب |
التصنيف | مقال |
عدد الصفحات | 27 ص |
حجم الملف | 1MO |
نوع الملف | |
منصات التحميل | mediafire أو google drive |
مقدمة
تطلق جرائم العرض على كل ممارسة جنسية خارج إطار العلاقة الزوجية المشروعة سواء كانت تلك الممارسة برضى الطرفين أم بإكراه أحدهما للآخر بين رجل وامرأة، أو بين فردين من جنس واحد (الشذوذ الجنسي)، ويلحق بجرائم العرض كذلك التحريض على ممارستها وأعمال الوساطة والاتجار والمساعدة على ارتكابها، وجرائم انتهاك أو الإخلال بالآداب العامة مثل الإخلال العلني بالحياء، ونشر أو توزيع المطبوعات أو الرسوم أو الصور المنافية للآداب والأخلاق.
فالغريزة الجنسية غريزة فطرية تتطلب ضرورة إشباعها من خلال العلاقات الجنسية أو المباشرة الجنسية، وقد عرفت المجتمعات البدائية تنظيما لهذه العلاقة على أساس الرضا الذي تطور فيما بعد إلى نظام الزواج، وهو نظام تفرضه الفطرة السليمة ومبادئ الأخلاق، وكل علاقة خارج هذا النظام تعتبر رذيلة ومنافية للأخلاق والآداب العامة.
جميع الأديان السماوية فقد قررت أشد العقوبات للانحراف عن النظام الطبيعي، نظام الزواج والأسرة. وقد عرفت القوانين الوضعية قديمها وحديثها تحريم الرذيلة وكافة العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج حتى ولو كانت بالرضا، وعن اختيار حرا. فحماية العرض من أهم وأول الحقوق التي اعترفت بها القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية، ومصدر أهمية هذا الحق أنه تجسيد قانوني لشعور طبيعي موجود لدى كل إنسان وهو الشعور بالحياء.
ومن ناحية ثانية كشف الطب عن الأخطار الصحية الناتجة عن ممارسة العلاقة الجنسية خارج إطار الزواج، ومن مضاعفاتها الرهيبة بالعدوى والوراثة. فجريمة الإعتداء على العرض لا يقتصر أثرها على مرتكبها بل تتعداه إلى ما سواه، حيث تسفك الأعراض، وتختلط الأنساب ويعتدي على النسل، وتمس الأسرة في شرفها وكرامتها، وتنتشر الأمراض والفساد ويكثر اللقطاء [1] ، فالعبرة والحكمة من تحريم الزنا أنها من الأفعال المنافية للمبادئ الأخلاقية، كما انها تتضمن انتهاكا للأعراف.
من المعروف عند جل المختصين أن موضوع الإثبات في المادة الجنائية يتميز بمجموعة من المميزات، ولعل أهمها وأبرزها حرية الإثبات كقاعدة عامة، وذلك يتضح لنا من خلال المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية، حيث نصت على ما يلي: يمكن إثبات الجريمة بأي وسيلة من وسائل الاثبات..، وعليه يمكن القول أن الإثبات في المادة الزجرية يمتاز بالحرية المطلقة، كما ان للقاضي الجنائي السلطة التقديرية في تقدير وسائل الاثبات.
زد على ذلك، فإن طرق الإثبات تختلف من مجال لآخر، حيث إن الإثبات في المادة الجنائية يختلف عن الاثبات في المادة التجارية (حرية الإثبات، المادة 334 من مدونة التجارة)، والمادة الإجتماعية (حرية الإثبات، المادة 18 من مدونة الشغل).
والإثبات في المادة الجنائية من أهم الأعمدة التي يقوم عليها صرح العدالة الجنائية برمتها، حيث من خلاله تتحصل القناعة اللازمة للمحكمة، من خلال الأدلة التي توفرت في الدعوى على واقعة مجرمة بمقتضى القانون الجنائي.[2]
والمشرع المغربي نظم وسائل الإثبات في المواد من 286 الى 296 ق. م ج حيث يمكن اثبات الجرائم بجل وسائل الاثبات المقررة قانونا كقاعدة عامة، ما عدا بعض الاستثناءات المتعلقة بوسائل إثبات جريمتي الفساد والخيانة الزوجية [3]، ونلاحظ بأن المشرع والمغربي نهج نهجا آخر مغايرا، وأكثر صرامة، كالشريعة الاسلامية السمحاء، مع إشارة فالمشرع والمغربي لم يعتبر شهادة الشهود وسيلة لإثبات هذا النوع من الجرائم.
والتشريع المغربي حدد من خلال الفصل 493 من القانون الجنائي الوسائل التي يمكن من خلالها إثبات هاتين الجريمتين، وفي ذلك تضيق على حرية الاثبات وحصرها في ثلاث وسائل.
كما انه باستقرائنا للفصول المنظمة لجريمة الفساد نجد ان المشرع الجنائي حدد ووضع عقوبة خاصة لمرتكب هذه الجريمة معتمدا في ذلك على الاثار المترتبة عنها التي تمس بالنظام العام والأخلاق الحميدة.
وبناء على كل ما ذكر فإننا ارتأينا تقسيم هذا الفصل الى مبحثين أساسيين، نعالج في المبحث الأول اثبات جريمة الفساد بينما نتناول في المبحث الثاني تلك العقوبة المقررة لجريمة الفساد في كل من القانون الجنائي والشريعة الإسلامية.
المبحث الأول : إثبات جريمة الفساد
اشترط المشرع المغربي لقيام جريمة الفساد وسائل اثبات خاصة، مستثناة من القواعد العامة لإثبات المتعارف عليها والمعتمدة قانونا في المادة الزجرية، فإذا تحقق اثبات جريمة الفساد، يقتضي متابعة مرتكبيها.
وموضوع إثبات جريمة الفساد له أهمية بالغة، سواء على المستوى النظري، نلاحظ بأن المشرع المغربي تدخل من خلال المادة 493 من أجل حصر وسائل الاثبات في هاته الجريمة، وكذلك على المستوى العملي، حيث تبرز هذه الأهمية من خلال دور العمل القضائي في تقدير الأدلة والسهر على حسن تطبيق القانون.
وما أكده المشرع الجنائي في مجموعة القانون الجنائي نجده أيضا واضحا في مقتضيات الشريعة الإسلامية اذ بدورها قد تشددت في وسائل الاثبات واشترطت مجموعة من الشروط لإيقاع العقاب على الجاني.
وبناء عليه ارتأينا تقسيم هذا الموضوع الى مطلبين أساسيين نتناول في المطلب الأول وسائل الاثبات في جريمة الفساد في القانون الجنائي بينما نعالج في المطلب الثاني وسائل الاثبات جريمة الفساد في الشريعة الإسلامية.
المطلب الأول : وسائل إثبات جريمة الفساد في القانون الجنائي
القاعدة العامة ان الجرائم تثبت بجميع وسائل الاثبات، لكن المشرع المغربي قد قيد القاضي الجنائي في الفصل 493 وفرض عليه ثلاث وسائل اثبات لا غير لتأكيد حدوث جريمة الفساد.[4]
ومن اجل ذلك سوف نتطرق لكل هاته الوسائل التي حددها المشرع المغربي في الفصل 493 من القانون الجنائي.
إذا كان الأصل في الإثبات في المادة هو حرية الاثبات فإن هذا الأصل مقيد في جريمة الفساد، لأن المشرع وضع في الفصل 493 ق.ج وسائل إثبات محددة لهذه الجريمة.[5]
وعلى هذا الأساس فإننا سنقسم هذا المطلب الى تقسيم ثنائي حيث سنعالج في (الفقرة الأولى) ماهية محضر التلبس بينما سنتطرق في (الفقرة الثانية) للاعتراف المتضمن في مكاتيب او أوراق صادرة عن المتهم ثم أخيرا سنحاول معرفة الاعتراف القضائي في (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى : ماهية محضر التلبس
أولا : تعريف المحضر في قانون المسطرة الجنائية
"المحضر في مفهوم المادة السابقة هو الوثيقة المكتوبة التي يحررها ضابط الشرطة القضائية أثناء ممارسة مهامه ويضمنها ما عاينه أو ما تلقاه من تصريحات أو ما قام به من عمليات ترجع لاختصاصه.
دون الإخلال بالبيانات المشار إليها في مواد أخرى من هذا القانون أو في نصوص خاصة أخرى، يتضمن المحضر خاصة اسم محرره وصفته ومكان عمله وتوقيعه، ويشار فيه إلى تاريخ وساعة إنجاز الإجراء وساعة تحرير المحضر إذا كانت تخالف ساعة إنجاز الإجراء.
يتضمن محضر الاستماع هوية الشخص المستمع إليه ورقم بطاقة تعريفه عند الاقتضاء، وتصريحاته والأجوبة التي يرد بها عن أسئلة ضابط الشرطة القضائية.
إذا تعلق الأمر بمشتبه فيه، يتعين على ضابط الشرطة القضائية إشعاره بالأفعال المنسوبة إليه، يقرأ المصرح تصريحاته أو تتلى عليه، ويشار إلى ذلك بالمحضر ثم يدون ضابط الشرطة القضائية الإضافات أو التغييرات أو الملاحظات التي يبديها المصرح، أو يشير إلى عدم وجودها.
يوقع المصرح إلى جانب ضابط الشرطة القضائية على المحضر عقب التصريحات وبعد الإضافات ويدون اسمه بخط يده. وإذا كان لا يحسن الكتابة أو التوقيع يضع بصمته ويشار إلى ذلك في المحضر.
يصادق ضابط الشرطة القضائية والمصرح على التشطيبات والإحالات، يتضمن المحضر كذلك الإشارة إلى رفض التوقيع أو الإبصام أو عدم استطاعته، مع بيان أسباب ذلك."[6]
ثانيا : حجية المحضر المحرر في حالة التلبس
إن مشاهدة وقائع الجريمة من طرف أحد ضباط الشرطة القضائية، إذ يخضع المحرر في هذه الحالة من حيث قيمته الإثباتية لأحكام المادة 290 من ق. م. ج «المحاضر والتقارير التي يحررها ضباط الشرطة القضائية وجنود الدرك بشأن التثبت من الجنح والمخالفات يوثق بمضمونها ما لم يثبت خلال ذلك» وقد اعتبر المشرع المغربي هذه المحاضر وسيلة لإثبات جريمة الفساد،[7] عند مشاهدة ضابط الشرطة القضائية للفاعلين وهما متلبسان بالجريمة، هذا وقد حدد المجلس المقصود من التلبس بجريمة الفساد، بحيث صرح في قرار صادر عنه بأن محاضر الشرطة الذي يستخلص منه أن «المتهمين كانا في خلوة تامة، ولم يشر بتاتا إلى معاينة المتهمين في حالة تلبس بالجريمة بمفهوم المادة 56 من ق. م. ج لا يجوز الاعتماد عليه للحكم بالإدانة».[8]
وعليه يمكن القول أن العمل القضائي يعتمد على المحضر المحرر من طرف ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس لإثبات جريمة الفساد دون باقي حالات التلبس الواردة في المادة 56 ق. م. ج، وذلك نظرا لخصوصية هذا النوع من الجرائم، إذ لا يمكن مشاهدة الجاني وهو يمارس العلاقة الجنسية مع آخر، كما لا يمكن الاستناد إلى صياح الجمهور للقول بأن الجريمة قد ارتكبت، وبالتالي فإن الصورة الوحيدة لحالة التلبس الممكنة هي مشاهدة ضابط الشرطة القضائية للجاني وهو في ظروف لا تدع مجالا للشك في أنه ارتكب فعلا علاقة جنسية غير مشروعة، وحتى في هذه الحالة فإن المشاهدة تنصب على الآثار والإمارات المذكورة حسب الأحكام السابقة كالخلوة أو وجود المتهمين في ملابسهما الداخلية أو استعمال المتهمة لوسائل الزينة والتجميل هي مجرد قرائن على أن الجريمة قد وقعت وليس دليلا قاطعا على وقوعها.[9]
والجدير بالتنبيه أن المحضر الذي يحرره ضابط الشرطة القضائية بناء على مشاهدته ومعاينته الواقعة الفساد، يخضع لتقدير المحكمة التي تستخلص منه وجود حالة التلبس من عدمها، وهي في تقديرها لا تأخذ إلا بالوقائع التي شهد ضابط الشرطة القضائية بمشاهدتها وقت كتابة المحضر، دون الأخذ بالاستنتاجات والخلاصات التي وصل إليها الضابط. وهكذا فالمحاضر التي يعتد بها الإثبات جريمة الفساد هي تلك التي يحررها ضباط الشرطة القضائية بما عاينوه، أما المحاضر التي ترتكز على شهادة الشهود فلا تعد دليلا على قيام الجريمة.[10]
وتجدر الإشارة إلى أن إثبات حالة التلبس من قبل المحكمة يعتبر وصفا للجريمة ذاتها والتي تجعل واقعة الفساد ثابتة في حق جميع مرتكبيها سواء كانوا مساهمين أو مشاركين، وحتى ولو لم يتم ضبطهم في حالة التلبس، وبذلك يكون للمحضر المحرر من طرف ضابط الشرطة القضائية في حالة التلبس حجيته الثبوتية بالنسبة للرجل والمرأة معا حتى ولو لم يضبط الضابط إلى أحدهما بسبب فرار الطرف الاخر.[11]
ومهما يكن من أمر، فإن المحضر المحرر من طرف ضابط الشرطة القضائية في حالة التلبس يكتسي حجية ثبوتية لدى المحكمة ما لم يثبت ما يخالف ما جاء فيه، إذ يحق لجميع المتهمين في جريمة الفساد أن يثبتوا خلاف ما جاء في محضر إدانتهم بأية وسيلة من وسائل الإثبات وفي مقدمتها شهادة الشهود والقرائن.[12]
الفقرة الثانية: الاعتراف المتضمن في المكاتيب والأوراق الصادرة عن المتهم
يقصد بالاعتراف هنا، الاعتراف الذي يصدر عن المتهم كتابة والذي يشهد فيه على نفسه بارتكاب جريمة الفساد، والواضح من خلال وسيلة الإثبات هاته، المشار إليها في الفصل493، ذلك أن المشرع أورد ألفاظ المكاتيب والأوراق الصادرة عن المتهم بصفة عامة دون اشتراط ضرورة كتابتها من طرف المتهم شخصيا، وبذلك نستفيد بشأن هذه الوسيلة أن الأمر لا يخلو من صورتين :
فإما أن يضمن اعترافه بخط يده كتابة في ورقة أو مكتوب، وفي هذه الحالة يعد اعترافه حجة عليه سواء ذيله بإمضائه أم لا، وإما أن يقوم بإملاء اعترافه على غيره يتولى کتابته بخط يده أو باستعمال الآلة الكاتبة، وفي هذه الحالة يعد اعتراف المتهم صادرا عنه متى كان الكاتب مجرد نائب عن المعترف (كما في حالة المتهم الأمي الذي يجهل القراءة والكتابة) أو متى ذيل المتهم هذا الاعتراف بإمضائه (كما في حالة الاعتراف المضمن في محضر البحث التمهيدي).
أما إذا اقتصر المتهم على التصريح باعترافه شفاهيا أمام ضابط الشرطة القضائية فلا يكون اعترافا مكتوبا وإنما شفويا، وهذا الأخير لا يعد مقبولا لإثبات جريمة الفساد وفقا لما قضى به الفصل 493 من مجموعة القانون الجنائي.[13]
وما يسري على وسيلة الإثبات الأولى (المحضر المحرر من قبل ضابط الشرطة القضائية) من حيث القوة الثبوتية، يسري على هذه الوسيلة الثانية، إذ الاعتراف المكتوب لا يعتبر هو أيضا حجة قاطعة، إنما هو بيد تقدير المحكمة فلها أن تأخذ به ولها أن تستبعده، وإن كانت ملزمة بتبيان الأسباب التي جعلتها تستبعد الأخذ بهذا الاعتراف.[14]
الفقرة الثالثة : الإعتراف القضائي
ويرى الفقيه أحمد الخمليشي ان الإعتراف الصادر من المتهم في الجلسة العمومية، هو الذي ينطبق مفهوم الإعتراف القضائي.
أما الذي يصدر أمام قاضي التحقيق، أو القاضي الباحث فإن المتهم يدلي به في جلسة سرية، وبذلك يفقد أهم عنصر للإعتراف القضائي الذي يصدر ويناقش في جلسة المحاكمة.
وكذلك الإعتراف المدلى به أمام ممثل النيابة العامة (م. 76م. ج.) لأن عضو النيابة يقوم باستنطاق المتهم في إطار مباشرة إجراءات البحث بوصفه ضابطا ساميا للشرطة القضائية.
والإعتراف القضائي يمكن للمحكمة أن تأخذ بكل ما جاء فيه أو تجزئة، كما يمكنها أن تستبعده إذا وجد مبرر لهذا الاستبعاد كما إذا كان غير صريح أو ثبت من وقائع القضية ومستنداتها عدم صدق المتهم في اعترافه، ويسري الإعتراف على من صدر منه دون شريكه في الجريمة.[15]
وإذا كان الإعتراف القضائي هو أرقى الأدلة التي تعتمدها المحكمة، فإنه لكي يوخذ به بهذه الصفة، يتعين أن يكون صريحا منصبا على وقائع الجريمة ذاتها دون غموض أو ابهام، ويقوم عضو النيابة العامة باستنطاق المتهم في إطار مباشرة اجراءات البحث بوصفه ضابطا ساميا للشرطة القضائية.
وإذا كان الإعتراف القضائي هو أرقى الأدلة التي تعتمدها المحكمة، فإنه لكي يؤخذ بهذه الصفة، يتعين أن يكون صريحا منصبا على وقائع الجريمة ذاتها دون غموض أو ابهام.
والإعتراف القضائي يمكن للمحكمة أن تأخذ بكل ما جاء فيه أو تجزئة، كما يمكنها أن تستبعده إذا وجد مبرر لهذا الاستبعاد كما إذا كان غير صريح أو ثبت من وقائع القضية ومستنداتها عدم صدق المتهم في اعترافه، ويسري الاعتراف على من صدر منه دون شريكه في الجريمة، وباختصار يخضع الاعتراف في جريمة الفساد لنفس الأحكام التي تطبق على الاعتراف أمام القضاء الجنائي عموما.
الفقرة الرابعة : الخبرة الجينية
أصدرت محكمة النقض بالمغرب مؤخرا قرارا [16] قضى باعتماد الدليل العلمي المتمثل في الخبرة الجينية لإثبات جرائم الخيانة الزوجية، وذلك زيادة على وسائل الإثبات المحددة حصراً بمقتضى الفصل 493 من القانون الجنائي.
القرار يعتبر تحوّلا غير مسبوق في تاريخ اجتهاد محكمة النقض في تأويل النص الجنائي الذي يعاقب على العلاقات الجنسية الرضائية خارج إطار مؤسسة الزواج. وقد سبق تقديمه ضمن الاجتهادات القضائية “المبدئية” بمناسبة افتتاح السنة القضائية.
تعود فصول القضية إلى شكاية تقدمت بها فتاة إلى مصالح الدرك تعرض فيها بأن جارها استغلّ غياب أفراد أسرتها عن المنزل وتهجّم عليها وقام باغتصابها بالقوة تحت التهديد بالقتل، وأنه ظل يعدها بالزواج مند حوالي أربع سنوات، وأنه طيلة المدة المذكورة كان يدخل عليها ويمارس معها الجنس كزوج مع زوجته، وأنها حينما اكتشفت بأنها حامل، أخبرته بذلك، فطلب منها التزام الصمت وعدم إخبار عائلتها، لكنه سرعان ما اختفى عن الأنظار وغيّر رقم هاتفه.
وعند الإستماع إلى المشتكى به، تمسّك بالإنكار نافيا أيّ علاقة له بالمشتكية، ومؤكّدا بأنه لم يسبق له أن مارس الجنس معها، فقرّرت النيابة العامة إجراء تحقيق في القضية وأحالت المشتكى به على قاضي التحقيق، الذي أمر بإجراء خبرة جينية، خلصت نتائجها الى أن الحمل يعود إلى المشتكى به، فأصدر قرارا بإحالة المتهم على المحكمة من أجل الإغتصاب.
أثناء المحاكمة، أنكر المتّهم واقعة الإغتصاب، فقرّرت المحكمة إدانته من أجل ما نسب إليه بعد إعادة تكييف الفعل من اغتصاب إلى فساد، فتم الطعن في الحكم بالاستئناف وقررت غرفة الجنايات الاستئنافية إلغاء الحكم الابتدائي فيما قضى به من إعادة التكييف، وإدانة المتهم من أجل الإغتصاب.
وعند الطعن بالنقض في الحكم من طرف المتهم، صدر قرار محكمة النقض والذي اعتبر أن غرفة الجنايات الاستئنافية ألغت القرار الابتدائي الذي أدان المتهم من أجل الفساد، وقضت بإدانته من أجل الاغتصاب استنادا على نتائج الخبرة الجينية المنجزة من طرف الدرك الملكي والتي تمّ التوصل من خلالها الى أن المتهم هو الأب البيولوجي لابن المشتكية، خلافا لإنكاره المتواتر واعتمادا على تصريحات المشتكية التي انتصبت كطرف مدني. والحال أن ما انتهت اليه نتائج الخبرة ولئن أثبتت العلاقة الجنسية فإنها لا تعتبر حجة على أن المتهم استعمل العنف لإجبار المشتكية على ممارسة الجنس معه، والمحكمة لم تبرر عنصر انعدام الرضا، مما تكون معه قد خرقت مقتضيات الفصل 486 من القانون الجنائي وعلّلت قرارها تعليلا ناقصا يوازي انعدامه، فقررت تبعا لذلك نقض القرار الاستئنافي، وإحالة القضية من جديد على أنظار غرفة الجنايات الاستئنافية للبت فيها من طرف هيئة أخرى.
عند إحالة الملف على أنظار غرفة الجنايات لتنظر فيها من جديد بعد النقض، اعتبرت المحكمة أن الخبرة الجينية تثبت العلاقة الجنسية بين المتهم والمشتكية وقضت بإدانته من أجل الفساد.
موقف محكمة النقض :
قضت محكمة النقض بتأييد القرار فيما قضى به من إدانة المتهم معتمدة على العلل التالية :
الخبرة الجينية هي دليل وحجة علمية لا يتسرب الشك إلى مدى قوتها الثبوتية، ونتائج الخبرة الجينية قرينة قوية وكافية على وجود علاقة جنسية بين الطاعن والضحية، نتجت عنها ولادة، يمكن من خلالها نسبة واقعة العلاقة الجنسية إلى الطاعن.
محكمة الموضوع باعتمادها تقرير الخبرة الجينية، تكون قد مارست السلطة المخولة لها قانوناً في تفسير وتأويل النص القانوني في ضوء المستجدات والاكتشافات العلمية الحديثة، التي أصبح معها الدليل العلمي وسيلة إثبات قطعية، وآلية من آليات تفسير وتأويل النص القانوني، لا يمكن للمنطق السليم أن يتغاضى عنه متى كان حاسماً.
تعليق على قرار محكمة النقض بعد النقض يعتبر القرار الذي تنشره المفكرة القانونية تحوّلا فيما استقر عليه اجتهاد محكمة النقض بالمغرب في إثبات جرائم الفساد والخيانة الزوجية، حيث سبق لنفس المحكمة أن اعتبرت أن جريمة الخيانة الزوجية أو الفساد “ لا تثبت إلا بإحدى وسائل الاثبات المحددة حصرا في الفصل 493 من القانون الجنائي وهي :
محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس أو اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي، وبالتالي لا تكوّن المحكمة الزجرية قناعتها في ثبوت الجريمة على وسيلة إثبات أخرى غيرها حتى ولو كانت خبرة جينية قطعية في موضوع النسب”.[17]
توسّع القرار في تفسير مقتضيات الفصل 493 من القانون الجنائي رغم ما يفرضه مبدأ الشرعية الجنائية من تفسير ضيّق للنص، حيث أضاف وسيلة جديدة لإثبات الخيانة الزوجية أو الفساد (العلاقات الجنسية خارج الزواج) تتمثل في الخبرة الجينية. وهو ما يفتح المجال لإمكانية إضافة وسائل أخرى وبنفس المنطق كاستعمال الصور الفوتوغرافية أو التسجيلات الصوتية والمرئية، بل وحتى استعمال شهادة الشهود، ويعيد هذا القرار إلى الواجهة قرارا مماثلا اعتبر اعتراف متهمة بتبادل “قبلة” مع شريكها، خيانة زوجية.
تقديم هذا القرار ضمن افتتاح السنة القضائية بوصفه من بين القرارات “المبدئية” الصادرة خلال السنة عن محكمة النقض يعطي انطباعا بوجود توجّه لفرضه “أدبيا” على محاكم الموضوع، وهو نفس النهج الذي تمّ تبنيه في قرارات سابقة، ومن بينها قرار حرمان الزوجة طالبة التطليق للشقاق من حق “المتعة” كنوع من التعويض تحصل عليه النساء المطلقات دون تحمل عبء الإثبات أو أداء الرسوم القضائية عنه.[18]
رغم هذه الانتقادات، من المأمول أن يفتح صدور هذا القرار المجال لاعتماد نتائج الخبرة الجينية كمصدر موثوق ليس فقط في مجال التجريم، وإنما أيضا في مجال إثبات نسب الطفل المزداد خارج إطار مؤسسة الزواج خاصة وأن القرار اعتبر الخبرة الجينية دليلا وحجة علمية لا يتسرب الشك إلى مدى قوتها الثبوتية، وهو مبرر كذلك لحماية المصلحة الفضلى للطفل وحقه في الهوية.
محكمة النقض المغربية تعتبر القبلة خيانة زوجية: غلبة الأفكار المحافظة على مبادئ جزائية راسخة جدل حقوقي حول قرار فريد لمحكمة النقض يسمح للزوج بالتعدد لإنجاب مولود ذكر، محكمة الإستئناف تلغي أول حكم بأبوة طفلة مولودة خارج الزواج : هل آن الأوان لتعديل مدونة الأسرة؟ [19]
المطلب الثاني : وسائل اثبات جريمة الفساد في الشريعة الإسلامية
يتميز موقف الشريعة الإسلامية بنوع من التشدد في اثبات الجرائم بصفة عامة تطبيقا لحديث الرسول صلى الله وعليه وسلم، نظرا لاشتراطها في حالة الاثبات بالشهادة ان يكون عدد الشهود أربعة رجال وهو عدد لم يتطلبه في باقية الجرائم كما عاقبت القاذف بالزنا الدي يعجز عن اثباته بأربعة شهود يشهدون ادعائه، والأدلة التي يمكن ان يثبت بها الزنا في الشريعة الإسلامية منها ما هو متفق عليه وهو الإقرار الذي سنتناوله في (الفقرة الأولى)، ثم نجد الشهادة التي سندرسها في (الفقرة الثانية)، اما الحمل واللعان فقد اختلف في الاتفاق عليهما ( الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى : الإقرار
أولا : تعريفه
يعرف الإقرار بصفة عامة بأنه إخبار بحق الغير على المخبر سواء كان الحق ماليا أو غير مالي وسواء كان للخالق أو للمخلوقين وقال الله تعالى فيه: «وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا»[20] وقال أيضا «يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم».[21]
والإقرار بالزنا هو اخبار المقر على نفسه بالزنا.
وقد أتَى مَاعِزُ بنُ مَالِك الْأَسْلَمِيّ -رضي الله عنه- إلى النّبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في المسجد، فناداه واعْتَرَفَ على نَفْسِهِ بالزِّنا، فأَعَرَضَ عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، لَعَلَّه يَرْجِع فَيتُوب فيما بَيْنَه وبَين اللهِ -تعالى-، ولكن قدْ جاء غاضِباً على نفسِهِ، جازِماً على تَطْهِيرِها بالحدِّ، فقَصدُه من تِلْقَاء وجههِ مَرَّةً أُخْرَى، فاعْتَرَفَ بالزِّنا أيضاً.
فأَعْرَضَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أيْضاً، حتى شَهِدَ على نَفْسِه بالزِّنا أربع مرات، حِينَئِذٍ اسْتَثْبَتَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عن حَالِه، فسَأَلَه: هلْ بِهِ مِنْ جُنُون؟ قالَ: لا، وسَأَلَ أَهْلَهُ عن عَقْلِه، فأَثْنوا عَلَيِه خَيْراً، ثُمَّ سَأَلَهُ: هلْ هُو مُحْصَنٌ أمْ بِكْر لا يجبُ عليه الرَّجْم؟ فأخْبَرَه أَنَّهُ مُحْصَن، وسَأَلَهُ: لَعَلَّهُ لَم يَأْتِ ما يُوجِبُ الحدَّ، مِنْ لَمْسٍ أَوْ تَقْبِيل، فصَرَّحَّ بحقيقةِ الزِّنا.
فلمَّا اسْتَثَبَتَ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ كُلِّ ذلك، وتَحَقَّقَ مِنْ وُجُوبِ إِقَامَةِ الحَدِّ، أَمَرَ أَصْحَابَه أَنْ يَذْهَبُوا بِهِ فَيَرْجُمُوه.
فَخَرَجُوا بِهِ إِلى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ -وهُو مُصَلَى الجَنَائِزِ- فَرَجَمُوه، فلمَّا أَحَسَّ بِحَرِّ الحِجَارَةِ، طَلَبَ النَّجَاةَ، ورَغِبَ في الفِرَارِ مِنَ الموتِ، لأن النفس البشرية لا تتحمل ذلك، فَهَرَبَ، فأَدْركُوه بالْحَرَّة، فأَجْهَزُوا عَلَيْه حتَى مَاتَ، -رحمه الله ورَضِي عنه.
وقد قبل الرسول عليه السلام اقرار ماعز الاسلمي والغامدية وفي حديث العسيف[22]، كما أمر أبو بكر بجلد رجل غير محصن أقر بالزنا ولم ينكره أحد من الصحابة أو الأئمة. ولذلك فالإقرار مقبول لإثبات الزنا بالكتاب والسنة والإجماع.
ثانيا : شروط الاقرار
للاعتداد بالإقرار، يجب أن تتحقق فيه بعض الشروط، وهذه الشروط منها ما هو متفق عليه ومنها ما هو مختلف فيه.
1- الشروط المتفق عليها
الشرط الأول البلوغ والعقل : فلا يقبل إقرار الصغير او المجنون او المعتوه لقوله عليه السلام رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل»، كما أن النبي صلى الله وعليه وسلم سأل ماعز حينما اقر لديه بالزنا أبك جنون.
ويقاس على المجنون السكران الذي لا يعي ما يقول، وقد اشترط بعض الفقهاء ومنهم الشافعي أن لا يكون السكر اختياريا.
الشرط الثاني صدور الإقرار بصفة مختارة : أي يلزم أن يعترف الزاني بإرادة حرة وطائعة غير واقع تحت اي اكراه سواء كان ماديا أو معنويا.
الشرط الثالث صدوره بصفة صريحة : أي يدل تصريح المعترف على حقيقة الفعل الذي هو الزنا بدون ابهام ولا غموض، حتى لا تكون هناك شبهة تدرأ الحد وقد سأل النبي ص ماعزا «هل تدري ما الزنا» قال نعم أتيت منها حراما كما يأتي الرجل من امرأته حلالا ثم قال : حتى ذهب ذلك مني في ذلك منها كما يذهب الرشاء في البئر والمرود في المكحلة».[23]
الفقرة ثانية : الشهادة
يطلق الفقه عدة تعاريف للشهادة منها أنها «اخبار صادق في مجلس الحكم بلفظ الشهادة» أو أنها «اخبار صادق بحق على غيره لغيره بلفظ أشهد»، ولا يشترط في الشهادة أن تؤدي أثناء قيام الدعوي كما هو الشأن في القوانين الوضعية، لأن الدعوى لا تقدم في الشريعة الاسلامية الا من مستحق، والزنا حق لله تعالى، فلو توقف الادعاء بها على المستحق لتعذرت اقامتها.
والأصل في الشهادة أنه مأمور بأدائها وعدم كتمانها لقوله تعالى «کونوا قوامین لله شهداء بالقسط» (سورة النساء، آية 135) ولقوله أيضا «ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه».[24]
إلا أن كتمانها في حق من أخطأ وتاب أمر مستحب توخيا للستر على المسلمين لقوله عليه السلام «من ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة» ولأنه قال ص الهزالة الأسلمي عندما شهد عنده «لو سترته بثوبك، وفي رواية أخرى، بردائك لكان خير لك».[25] أما اللذين يصرون على خطئهم ويباهون بمعصيتهم فلا يجب في حقهم الستر، ويجب أن لا تضر الشهادة بصاحبها.
واذا شهد المسلم فيجب أن يشهد بما يعلم، فقد نهى الله تعالى عن الشهادة بغير العلم لقوله تعالى «ولا تقل ما ليس لك به علم»[26] وقوله أيضا «ولا تلبسوا الحق الباطل وتكتموا الحق وانتم تعلمون (سورة البقرة آية 42).
ويجب على القاضي اذا اطمأن للشهادة وتأكد من توفر شروطها أن يحكم بموجبها اذ لا يجوز تأخير الحكم بها.
ثانيا : شروط الشهادة
شروط الشهادة هي أيضا كشروط الإقرار منها المتفق عليها ومنها المختلف فيها بين فقهاء الشريعة الاسلامية.
أ - الشروط المتفق عليها وهي :
الإسلام، البلوغ، العقل، الذكورة، الحرية، العدل، البصر، القدرة على الكلام، عدد الشهود أربعة، أن يصفوا الزنا بما يفيد تحقق وقوعه.
وسنقتصر بكلمة موجزة عن الشرطين الأخيرين لما لهما من أهمية أكثر في الموضوع :
الشرط الأول أن يكون عدد الشهود أربعة : فجريمة الزنا، كما أشرنا من قبل، هي الوحيدة من بين الحدود التي تطلب فيها الشرع الاسلامي لإقامة الحد أن يصل نصاب الشهود الى أربعة لقوله تعالى: «واللاتي ياتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهم أربعة منكم» [27] ولقوله أيضا «والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتو بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة» [28] وقوله تعالى أيضا «لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء» [29].
واشتراط عدد الأربعة في شهود الزنا دليل على خطورة الإتهام بهذه الجريمة، واذا لم يكتمل عدد الأربعة امتنع الحد عن المشهود عليه، وقال بعض الفقهاء بحد الشهود الذين لم يصلوا عدد الأربعة حد القذف ، بينما ذهب البعض الآخر إلى عدم حدهم لانهم ليسوا قذفة، ولأنه لو أقيم حد القذف على الشاهد لسد باب الشهادة على الزنا.
الشرط الثاني وصف الزنا بحقيقته : يتطلب من الشهود أن يصفوا فعل الزنا كما هو فيشهدون برؤية الوطء، أي بمعاينة فرجه في فرجها كالمرود في المكحلة.
والقاضي مطالب باستفسار الشهود عن الزنا، ماهو وكيف هو، وأين زنا، ومن زنا، وبمن زنا، وكيف زنا، حتى لايشتبه الزنا باللمس مثلا أو بأحد أنواع الوطء الحرام الأخرى، أو يكون العهد قد تقادم عليه أو يكون الزنا قد تم في دار الحرب مما يخرج عن ولاية الإمام أو يكون هناك نكاح شبهة.
وجاء في المبسوط أن عمر رض شهد عنده أبو بكرة وشبل بن معبد ونافع این الأرزق على المغيرة بن شعبة رض، بالزنا فقال لزياد وهو الرابع «بم تشهد» فقال : «أنا رأيت أقدامها بادية وأنفاسا عالية وأمرا منكرا» وفي رواية قال «رأيتهما تحت الحان واحد ينخفضان ويرتفعان ويضطربان اضطراب الخيزران» وفي رواية «رأيت رجلا أقعی وامرأة صرعي ورجلين مخصوبتين وانسانا يذهب ويجيء ولم أرى سوی ذلك فقال عمر رضى الله عته «الله أكبر الذي لم يفضح واحدا من أصحاب رسوله».
فهذا دليل على أن كل هذا الوصف الذي جاء على لسان الرابع، لم يكن يؤكد وقوع الزنا حقيقة وهو الوطء بمعنى الايلاج.
الفقرة الثالثة : الحمل واللعان
أولا : الحمل
اختلف الفقهاء في ظهور الحمل على المرأة التي لا زوج لها، هل يعد اثباتا للزنا أم لا ؟ فذهب أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل الى عدم حدها، لأن حملها يمكن أن يكون ناتجا عن شبهة أو استكراه، كما يمكن أن يتسرب ماء الرجل في فرجها بدون وطء، أما بفعلها أو بفعل الغير، اذ لا يستبعد أن تحمل البكر دون وطء.
ويستندون في ذلك الى ما روي عن عمر أن امرأة جاءته حاملا وقالت: «إني امرأة ثقيلة الرأس، وقع علي رجل وأنا نائمة، فما استيقظت حتى فرغ فدرأ عنها الحد، وما روي عنه أيضا أنه خلى سبيل امرأة حامل ادعت الاستكراه.
أما الإمام مالك، فقال بأن الزنا يثبت بظهور الحمل على المرأة غير المتزوجة بالزوج الذي يلحق به الحمل، أما التي لا يلحق الحمل بزوجها اذا ظهر عليها الحمل، وتحد كذلك المرأة التي ولدته كاملا لا قل فتحد ستة أشهر ابتداء من تاريخ دخول الزوج بها. هذا ما لم تكن مستكرهة، وتأتي بقرينة على استكراهها، كأن تكون بكرا فتأتي وهي تدمي او تأتي المرأة مستغيثة أو تظهر عليها امارات الاستكراه.
ويسند المالكية قولهم هذا إلى ما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال «الرجی واجب على كل من زنا من الرجال والنساء اذا كان محصنا، اذا قامت البينة او الحبل او الاعتراف» والي ما روی عن عثمان بن عفان أنه «آتی بإمرأة ولدت لستة أشهر فأمر بها أن ترجم لولا أن عرض بها أن ترجم لولا أن عرض له ابن أبي طالب قتلا عليه قوله تعالى «و حمله وفصاله ثلاثون شهرا» [30] وهذا يدل ي وهذا يدل على أنه كان سیرجمها بحملها.[31]
ثانيا : اللعان
اختلف الفقهاء أيضا حول ثبوت الزنا باللعان، فمنهم من قال بأن الزنا يثبت في حق الزوجة التي لاعنها زوجها وصدقته أو امتنعت عن اللعان، وهذا مذهب الشافعية والمالكية والحنابلة. فالزوج عندهم اذا قذف زوجته وامتنع عن اللعان،[32] حد القذف طبقا لما قاله عليه السلام الهلال بن أمية حين قذف زوجته «إما البينة أو حد في ظهرك» واذا لاعن الزوج وامتنعت الزوجة عن اللعان أو صدقته في ذلك، فيلزمها حد الزنا، لأن الزاني يحد بالا قرار، وهي بامتناعها أو تصديقها تكون قد أقرت، ثم أن الآية تقول «ويدرأ عنها العذاب». أي أن اللعان يدرأ عنها عذاب حد الزنا، فاذا لم تلاعن ثبت في حقها الزنا.
ومنهم من قال بعدم حد الزوجة أذا لم تلاعن زوجها أو صدقته في قذفه وهذا مذهب الحنفية لأن امتناعها عن اللعان أو تصديقها لزوجها لا يعد اقرارا، فهي لار وانما تركت اللعان، اقرارا، ولان الإقرار عندهم لا يتم الا بتكراره أربع مرات، فتصديقها لزوجها لا يعد اقرارا، ولا يجوز اقامة حد القذف على الزوج، بل يحبس وهذا الترك ليس حتى القران، الا اذا كذب الزوج نفسه، فيجلد آنذاك بصفته يلاعن لأنه وجب عليه بنص قاذفا، ويجب على الزوجة أيضا أن تلاعن اذا لاعن زوجها لوجوبه عليها كذلك بالقرآن، فاذا امتنعت حبست حتى تلاعن أو تصدقه، ولكنها لاتحد حد الزنا الا اذا أقيمت عليها البينة بأربع اقرارات أو أربعة شهود. [33]
المبحث الثاني : العقوبة المقررة في القانون الجنائي والشريعة الإسلامية
يعاقب المشرع المغربي على جريمة الفساد التي تجمع بين رجل وإمرة ولا توجد بينهم أي رابطة زوجية، حيث نص في الفصل 490 على عقوبة حبسية تتراوح ما بين شهر وسنة، ويعتبر هذا الإجراء ردعيا لحث الأشخاص عن العدول عن مثل هذه الأفعال لوقاية المجتمع من الانحلال الخلقي، كما أنه نص في الفصلين 491 و 492 على معاقبة فعل الزنا الذي يرتكبه المتزوجون بعقوبة حبسية أكثر تشددا تتراوح ما بين سنة و سنتين كما هو مبين أسفله.
وينص الفصل 490 " على ان كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة الفساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة.”
ولهذه الأسباب ينبغي أن يعاد النظر في الفصل 490 وسد كل الذرائع التي تؤدي إلى جريمة الفساد وتجريم الفعل جرما قاطعا وليتحمل كل مذنب عواقب أفعاله وبذلك سننقص من هذا النوع من الجرائم.
لقد جاءت الشريعة الإسلامية بتشريعاتها الشاملة تكافح الفساد والانحراف في المجتمع قبل وقوعه وبعده، واحكام الشريعة الإسلامية بمجملها جاءت تحقيقا للمصالح الدينية والدنيوية ومن هذه المصالح حفظ الضروريات الخمس، وهي الأمور التي لا تستقيم الحياة اذا فقد شيء منها حيث يؤدي فقدانها الى افساد الحياة وقد أجمعت الامة على تحريم جريمة الفساد بكل اشكالها سواء كان الفاعل صغيرا ام كبيرا ذكر او انثى غني او فقير حاكم او محكوم، وقد رتبت الشريعة الاسلامية على جريمة الفساد اثار واحكام وعقوبة على مرتكبيها.
وبناء على كل ما تقدم قمنا بتقسيم هذا المبحث الى مطلبين فرعين نتناول في المطلب الأول العقوبة المقررة في القانون الجنائي المغربي بينما نتناول في المطلب الثاني العقوبة المقررة في الشريعة الإسلامية.
المطلب الاول : العقوبة المقررة في القانون الجنائي المغربي
معلوم ان جريمة الفساد تدخل ضمن خانة انتهاك الأدب والأخلاق العامة وعلى هذا الأساس نجد ان المشرع الجنائي المغربي وضع عقوبة جرية للحد من انتشار هذه الجرائم التي تمس أولا بالأمن الإجتماعي وبالأمن الأخلاقي، ثم ثانيا نجدها تربط بعرض الناس وكرامتهم وشرفهم وهذا يتضح لنا من خلال اشتراط المشرع لقيامها وسائل اثبات مستثناة من القواعد العامة للإثبات المتعارف عليه والمعتمدة قانونا في المادة الزجرية.
وللإشارة فإن العقوبة المرتبطة بهذه الجريمة قد وردت في الباب الثامن المخصص للجنايات والجنح ضد نظام الاسرة والأخلاق العامة، وبذلك ان ندقق بينها وبيمن الجرائم المشابهة لها كالخيانة الزوجية والاخلال العلني بالحياء...فلكل واحدة منها شروط خاصة للقول بقيامها.
كل ما ذكرناه أعلاه يمهد للقول بأن هذا المطلب سيقسم الى فقرتين أساسيتين نخصص الفقرة الأولى للعقوبة الأساسية لجريمة الفساد بينما نتناول في الفقرة الثانية مختلف ظروف التخفيف والتشديد المرتبطين بجريمة الفساد.
الفقرة الأولى : العقوبة الأساسية لجريمة الفساد
حدد الفصل 490 ق ج عقوبة جنحة الفساد في «الحبس من شهر واحد الى سنة» وبمقابلة عقوبة جريمة الفساد في القانون المغربي مع عقوبتها في بعض القوانين الأجنبية التي تجرمها، نجد أن هذه الأخيرة يمكن أن تكون أكثر شدة من المشرع المغربي في معاملة مرتكبي الفساد، وذلك مثل قانون العقوبات القطري الذي قرر لزنا غير المتزوج سواء كان رجلا أو امرأة عقوبة الحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة الا تزيد على ألف ريال أو العقوبتين معا.[34]
ومثل قانون العقوبات الكويتي الذي عاقب على هذه الجريمة في المادة 194 منه بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تتجاوز الفي روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين».
وهذه العقوبة لا تختلف عن التي قررها القانون القطري الا من حيث عملة الغرامة. ومثل قانون العقوبات الليبي الذي نص في الفقرة الرابعة من المادة 407 على أن «كل من واقع انسانا برضاه يعاقب هو وشريكه بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات.
والعقوبة التي نص عليها الفصل 490 ق ج هي عقوبة جنحية واحدة.[35] وأصيلة [36] وضع لها المشرع حدا أدنى وحدا أقصى ليمكن القاضي في اطار السلطة التقديرية التي خولها له بموجب الفصل 141 ق ج [37] من اختيار مدة الحبس الملائمة لخطورة الجريمة من جهة، وشخصية المجرم من جهة اخرى.
وقد توخي المشرع هذه المرونة في العقاب على أغلبية الجرائم تأثرا منه ببعض مبادئ النظرية الحديئة التي تنادي بتفريد العقاب ومراعاة خطورة المجرم وظروفه الشخصية.
وينتج عن ذلك اختلاف مدد السجن المحكوم بها من جريمة فساد الى أخرى، بل قد تختلف المدة المحكوم بها بين متهمين في جريمة فساد واحدة، مع أنهما ساهما في ارتكاب نفس الجريمة.[38]
الفقرة الثانية : ظروف التخفيف وظروف التشديد
أولا : ظروف التخفيف
في الحالة التي يرتئي فيها القاضي تمتيع مرتكب الفساد بظروف التخفيف،[39] فانه يجوز له طبقا لما هو منصوص عليه في الفصل 150 [40] ق ج المتعلق بالجنح الضبطية، [41] أن ينزل عن الحد الأدنى للعقوبة المقررة في الفصل 490 ق ج، دون أن تقل مدة الحبس عن ستة أيام. كما يجوز له أيضا أن يستبدل عقوبة الحبس بعقوبة الغرامة، على أن لا تقل في حدها الأدني عن الحد الأدنى للغرامة المقررة في المخالفات وهو خمسة دراهم، أو تصل في حدها الأقصى إلى خمسة الالف درهم.[42]
وعليه، فإنه يجوز للقاضي اذا ما تبين له منح ظروف التخف للمتهم في جريمة الفساد ان يحكم على هذا الأخير بعقوبة حبسية أقل من شهر واحد وهو الحد الأدنى المقرر للجريمة في الفصل 490 ق ج على أن لا تقل مدة الحبس عن ستة أيام، كما يجوز له أيضا تعويض العقوبة الحبسية المخصصة لجريمة الفساد بعقوبة الغرامة شريطة أن لا تقل عن خمسة دراهم، وأن لا تزيد عن خمسة آلاف درهم.
وبالإضافة الى جواز النزول عن الحد الأدنى للعقوبة الحبسية أو استبدالها بالغرامة فان للقاضي أن يحكم بعقوبة الحبس موقوفة التنفيذ بشرط أن لا يكون المتهم «قد سبق الحكم عليه بالحبس من أجل جناية أو جنحة عادية... »[43] وأن يعلل القاضي قراره بذلك طبقا لما هو منصوص عليه في الفصل 55 ق ج [44] وقد خول القاضي سلطة الحكم بوقف تنفيذ العقوبة في اطار ملاءمة العقوبة لظروف المتهم الشخصية ودرجة خطورته الاجرامية، وذلك مراعاة لظروف بعض المتهمين الذين جنحوا عن الصواب لأول مرة و بطريق الصدفة، والذي يرجى تقويم سلوكهم دون أن يتعرضوا لعقوبة الحبس التي قد تأتي بنتائج عكسية في حالة تنفيذها عليهم، سيما اذا أخذنا بعين الاعتبار فقد العمل والتصدع العائلي الذي قد يتعرضون له واختلاطهم في السجن بمجرمين محترفين. [45]
ثانيا : ظروف التشديد
يلاحظ أن المشرع لم ينص في عقوبة جريمة الفساد على أي ظرف من ظروف التشديد، وباستثناء حالة العود التي يمكن أن تشدد عقوبة المتهم بالفساد اذا توفرت شروطها طبقا للفصلين 154 و 157 ق ج، [46] فان العقوبة المقررة للفساد، تطبق على المتهمين به كيفما كانت خطورتهم الاجرامية.
وتبعا لذلك، فان العقوبة الواردة في الفصل 490 ق ج تخص المتهم الذي مارس الفعل عرضا أو بصفة احترافية، وسواء كان بدافع تلبية الرغبة الجنسية أو لأجل الحصول على المقابل، كما تخص المتهم الذي أتى العلاقة الجنسية غير الشرعية مع آخر ليست له به أية علاقة أو مع شخص خطيب أو قريب أو مكلف بالولاية أو الحجر عليه أو غير ذلك، ويحكم بها أيضا بالنسبة لمن ضاجع غيره ممن يحل له الزواج به او كان هذا الغير من أحد محارمه.
واذا كان يكفي في مواجهة بعض هذه الظروف، السلطة التي حولها المشرع للقاضي في اطار تحديد العقوبة بين الحد الأدنى والحد الأقصى، وظروف التخفيف ووقف التنفيذ وحالة العود، ليتقدر ظروف كل حالة على حدة، فان البعض الآخر منها كالفساد مع المحارم أو مع من للمتهم الحق في الولاية عليه يستوجب نوعا من التمييز، لأنه وان كان الفعل المجرم واحدا، الا أن العلاقة الاجتماعية والعائلية خصوصا في وسط ما يزال يحافظ على معتقداته الدينية وتقاليده الاصيلة كالمغرب، تفرض نوعا من التعامل بالشدة مع بعض المجرمين الذين لم يقتصروا على الاعتداء على أخلاق المجتمع، بل يمتد اعتداؤهم الى العلاقات العائلية التي تستوجب المحافظة على الروابط المقدسة التي تجمع بين أفراد العائلة الواحدة، والتي لم تتخل عن الحفاظ عليها كل المجتمعات مهما اختلفت معتقداتها الدينية وتقاليدها الاجتماعية وحضارتها ومدنيتها في الماضي والحاضر.
لذلك نرى من الضروري تحديد ظروف تشدد بها العقوبة على المتهم الذي مارس الفساد مع أحد محارمه أو من له الولاية او الوصاية عليه، على غرار ما فعلت بعض التشريعات العربية كقانون العقوبات الكويتي الذي عاقب على جرمية الفساد في الفصل 394 «بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين وبغرامة لا تتجاوز الفي روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين» وتعرض في المادة 189 «لكل من واقع ذات رحم محرم منه، وهو عالم بذلك بغير اكراه أو تهديد أو حيلة، وكانت تبلغ الثامنة عشرة، يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز عشر سنوات وبغرامة عشرة الاف روبية أو بإلإحدى هاتين العقوبتين فاذا كانت المجني عليها لم تتم الثامنة عشرة من عمرها، وبلغت التاسعة كانت العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز خمس عشرة سنة ويجوز أن تضاف اليها غرامة لا تتجاوز خمسة عشر ألف روبية.
ويحكم بالعقوبة السابقة على من كان وليا أو وصيا أو قيما أو حاضنا لأنثى أو كان موکلا بتربيتها أو برعايتها أو بمراقبة أمورها، وواقعها بغير اكراه أو تهديد أو حيلة». ثم نص في المادة 190 «كل انثى أتمت الثامنة عشرة من عمرها وقبلت أن يواقعها در رحم محرم، وهي تعلم صلتها به، تعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تتجاوز خمسة الاف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين».[47]
المطلب الثاني : العقوبة المقررة في الشريعة الإسلامية
إذا كان المشرع من خلال القانون الجنائي قد حدد العقوبة لجريمة الفساد بمقتضى الفصل 490 من القانون الجنائي، اذ نجدها تتراوح بين شهر واحد الى سنة، واذا كان المشرع الجنائي قد خرج عن القاعدة العامة المتعلقة بالإثبات حيث جعل وسائل الاثبات محددة ومحصورة ومنع القاضي المختص من التوسع في تفسيره والحكم بما جاء في مضامينه.
وإذا كانت هاته هي معاملة المشرع الجنائي مع جريمة الفساد بصفة خاصة وباقي الجرائم بصفة عامة، فإن الشريعة الاسلامية بدورها لا تخلو من التنصيص عن عقوبات الأفعال الضارة التي تمس الفرد والمجتمع على حد سوء.
كل ما ذكر سابقا يجر بنا الى ضرورة تقسيم هذا المطلب الى فقرتين محوريتين نتناول في الفقرة الأولى عقوبة الجلد بينما الفقرة الثانية سنخصصها للحديث عن عقوبة التغريب.
الفقرة الاولى : عقوبة الجلد
أول نص قراني نزل في جريمة الزنا هو قوله تعالى: «واللاتي ياتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهم أربعة منكم، فان شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا» [48]
ثم تلاه قوله تعالى : «واللذان يأتيانها منكم فآذوهما»[49] فكانت المرأة حسب رأي جمهور الفقه [50] إذا زنت تعاقب بالحبس في البيت، والرجل يعاقب بالإيذاء بالتعبير والضرب بالنعال، ولما نزلت سورة النور نسخت الأيات السابقة بقوله تعالى : «والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ان كنتم تومنون بالله واليوم الآخر» (سورة النور اية 2. 3)
وبهذا يكون حكم الله تعالى قد انتهى الى جلد الزاني مائة جلدة، وقد ورد النص عاما يشمل المحصن وغير المحصن ونسخ في حق هذا الأخير بالرجم، بسنة الرسول عليه السلام.[51]
وروي عن عبادة بن الصامت أن النبي ص قال: «خذوا عني، خذو عني قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيت جلد مائة والرجم».
وقد اتفق فقهاء الشريعة الإسلامية على أن عقوبة الزاني غير المحصن هي الجلد استنادا إلى «الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما» واختلفوا في اضافة التغريب للرجم بالنسبة للزاني المحصن تبعا لحديث عبادة بن الصامت، وحديث العسيف. الجلد مقرر في حق الزاني البكر بالكتاب والسنة والإجماع، وعدده مائة جلدة بالكتاب والسنة الاجماع وعدده مائة جلدة.
شروطه : هذه الشروط التي سنعرضها لم ترد مرتبة بهذا الشكل عند فقهاء الشريعة وانما ذكرت عندهم بصفة متفرقة، والشروط هي :
- يجب أن يتم الجلد يسوط بين الجدة والقدم حتى لا يكون شديد أو ضعيف الألم، جاء في الأم «أن الشافعي قال أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم أن رجلا اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول الله فدعى له رسول الله صلى الله وعليه وسلم قال: فوق هذا فأتى بسوط جديد لم تقطع ثمرته فقال بين هذين، فأتي بسوط قد ركب به ولان، فأمر رسول الله ص فجلد ثم قال : «أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن محارم الله، فمن أصاب منكم من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فانه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله».
وجاء عند ابن تيمية أن الجلد يجب أن يكون بسوط معتدل وأن عمر رض الله عنه قال: «ضرب بين ضربين وسوط بين سوطين» ولا يكون الجلد بالعصي ولا بالمقارع».
- أن يكون الضرب معتدلا حتى لا يؤدي إلى الهلاك، فيجب على الجلاد أن يفصل عضده عن ابطة، وألا يمده في الهواء كثيرا حتى يعلو رأسه، وقال الشافعي لا يجب بلوغ الجلد الى الحد الذي ينهر الدم لان ذلك فيه اتلاف.
ويوزع الضرب على أعضاء الجسم من كتفين وذراعين وعضين وساقين وقدمين، ولا يجمع على عضو واحد لانه يؤدي إلى تلف ذلك العضو، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة يتجرد المجلود من ثيابه، بينما قال ابن تيمية بأن ينزع عن المجلد فقط يمنع الم الضرب من الحشايا والفراء ونحو ذلك. [52]
الفقرة الثانية : عقوبة التغريب
اختلف الفقهاء في اضافة التغريب للجلد كعقوبة للزاني غير المحصن، فالشافعية الحنابلة ذهبوا إلى أن البكر اذا زنا يجلد مائة جلدة ويغرب عاما سواء كان ذكرا استنادا إلى الحديث الذي رواه عبادة بن الصامت «البكر بالبكر مائة جلدة تغريب عام» والى حديث، لعسيف اذ قال النبي عليه السلام للذي زنا ابنه بامرأة ستأجره على ابنك جلد مائة وتغريب عام، كما روي عن الخلفاء الراشدين أنهم جلدوا وغربوا، وقال ابن حزم في المحلي بوجوب الجلد والنفي «لأن الأخبار يضم بعضها ال البعض وأحكام الله تعالى وأحكام رسوله عليه السلام كلها حق ولا يحل ترك بعض البعض بل الواجب ضم بعضها إلى بعض واستعمال جميعها».
والمالكية، قالوا بالتغريب مع الجلد، ولكنهم خصوا به الذكر دون الأنثى، لار تغريب هذه الأخيرة فيه انتشار الفساد وضياع للمرأة، كما أن النبي ص حسب ما ورد في الصحيحين قال «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوما بدون أن يرافها أحد من محارمها "أما النفية فذهبوا الى جلد الزاني البكر فقط استنادا إلى الآية الكريمة «فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة» التي لم يرد بها تغريب، لأن القول بالتغريب زيادة على النص ثم أن الأحاديث واردة بأخبار الآحاد كما أن التغريب يؤدي إلى الزيادة في ارتكاب مسببات الحدود خصوصا بالنسبة للمرأة.
وجاء عند الجزيري أن أبا حنيفة قال حكمته المشهورة «كفى بالنفي فتنة» ويتم التغريب سنة كاملة في مكان بعيد عن موطن الزاني، وقال الشربيني بأنه يغرب مسافة قصر (أي المسافة التي تقصر بها الصلاة) أو ما فوقها ولا يمكنه أن يرفض المكان الذي عينه له الأمام، واذا عاد الى بلده منع في الأصح، والمرأة لا تغرب وحدها بل مع زوج أو محرم.
ذكر الدسوقي أن نفقة الزاني في التغريب عليه، فإن لم يكن له مال، فمن بيت المال، والا فعلى المسلمين. [53]
نستخلص من هذا المطلب ان هناك اختلاف فقهي حيث ذهب الفقه إلى الجلد والتغريب مع التمييز بين الرجل والمرأة.
[1] أمحمد أقبلي، عابد العمراني الميلودي، القانون الجنائي الخاص المعمق في شروح، الطبعة الأولى 2020، الطبعة مكتبة الرشاد سطات، ص 187.
تعليق