فصل السلط في الدستور المغربي

فصل السلط في الدستور المغربي

فصل السلط في الدستور المغربي
العنوان    فصل السلطات في الدستور المغربي   
انجاز الطالبات      سمية الديك
مريم عاتق
تحت اشراف الدكاترة   سعيد أغريب
الحسين أعبوشي
عبد المالك الوزاني
التصنيف   بحث الإجازة
السنة الجامعية     2018/2017
عدد الصفحات73 ص
حجم الملف1MO
صيغة الملفPDF
منصات  التحميلmediafire أو google drive
فصل السلط في الدستور المغربي

مقدمة

    يعتبر فصل السلطات كغيره من المفاهيم التي أطرت الحركة الدستورية الكلاسيكية وساهمت في تطورها بحيث ينطوي على مغزى له من الأهمية في التاريخ السياسي الغربي الحديث ما للفكر الدستوري ذاته. وعلى اعتبار أن مفهوم فصل السلطات يعني عدم تركيز السلط في يد واحدة فالإشكالية التي شغلت الدول القومية منذ تشكلها بداية القرآن 16 تكمن في كيف يمكن إعادة تأسيس نظم الحكم على قدر من التوازن يجعل التعايش بين السلطة والحرية جائزا ومحققا؟ فالسلطة التي أضحت ملازمة الدولة وضرورية لتنظيمها وضمانة فرض الاحترام بداخلها هل بمقدرة الساهرين عليها التوفيق بين ممارستها واستمرار تمتع الأفراد بحقوقهم وحريتهم الطبيعية فالتساؤل عن المغزى من فصل السلط يعد في الواقع تساؤلا عن إمكانية التوازن داخل الدولة وفي علاقة هذه الأخيرة بالمجتمع؟

   لقد شغلت فكرة التوازن مجمل تيارات الفكر السياسي الأوروبي خلال القرون الفاصلة بين 16 و 17 كما شكلت محور النخب السياسية التي أطرت الحركة الدستورية الكلاسيكية وقادت تطورها فالتوازن أصبح يعني خلال هذه الحقبة بناء المجتمع على قدر من التوافق يضمن مكوناته على اختلاف مصالحها درجة من الانسجام والتماسك الشيء الذي افتقدته مجتمعات سابقة عن تشكل الدولة القومية كما يقضي أن تحكم الحياة السياسية وتؤطر ممارسة فاعليها بمبدأ يسمح بإمكانية تعاقب الأكثرية والمعارضة على الحكم ويتطلب التوازن على مستوى ثالث توزيع الاختصاصات بين السلطة المركزية والسلطة المحلية وبداخل السلطة المركزية بين الحكومة والبرلمان.

   تاریخیا و سیاسیا تدین نظرية "فصل السلط" بالكثير للنظام الإنجليزي فحتى القرن 18 اتسم التاريخ البريطاني بصراع الشعب من أجل تقييد سلطة التاج وتحديد مجالات تدخله خلافا لمجمل الأقطار الأوروبية حيث شهدت على النقيض من ذلك مراوحة بين مجموعة من نظم الحكم كما هو حال فرنسا حتى سنوات (1875-1872).

   ويتفق الباحثون في مجال القانون الدستوري وعلم السياسة على أن الاهتمام قديم بموضوع (السلطات) و العلاقة الممكنة فيما بينها ،فالفكر اليوناني منذ زمن "أفلاطون-أرسطو" أنشغل بهذا الموضوع وعمل على تحليله ومقاربة قضاياه ضمن مؤسسة المدينة وحواضرها، الموقف نفسه عبرت عنه كتابات الفيلسوف الروماني "بوليب "polyp بيد أن الذي أعاد صياغة فكرة السلطات وأعطاها مضمونا تاريخيا وسياسيا وحولها جزء من التراث السياسي الغربي الحديث هو الفيلسوف الفرنسي "شارل دي مونتسكيو"، ينطلق مونتسكيو في كتابه روح القوانين" أن الحرية السياسية أصل الحريات الأخرى وشرط تحققها فبانعدامها تتعذر ممارسة حرية الفكر والعقيدة والتملك لذلك يقول ان الحرية السياسية عند المواطن هي راحة البال المتأتية من شعور الفرد بالأمن و لكي تتوفر هذه الحرية يجب على الحكومة أن تكون حاضرة بحيث لا يخشى المواطن مواطنا أخر و الحرية السياسية لا توجد إلا في الحكومات المعتدلة ولكنها ليست دائما في الحكومات المعتدلة أنها لا توحد إلا إذا لم يسئ استعمال السلطة و لكنها تجربة خالدة أن كل إنسان يتولى السلطة محمول على إساءة استعمالها و سیتمادي حتى يجد حدا يقف عنده ومن يقول ذلك أن الفاضلة دائما تحتاج إلى حدود... يقول مونتسكيو ولكي لا يسيء استعمال السلطة يجب بحكم طبيعة الأشياء أن توقف السلطة السطلة.

   يميز مونتسكيو بين ثلاث سلط وظيفة الأولى سن القوانين وتعديلها وإلغاؤها و هي مكونة من مجلسين أولها ديمقراطي حيث يقع اختياره بواسطة الاقتراع العام والثاني أرستقراطي يمثل النخبة المؤثرة في المجتمع. في حين تتعلق وظيفة السلطة الثانية تنفيذ القوانين عبر ممارسة مجموعة من الاختصاصات المرتبطة بأمور الحرب و السلم و السهر على الأمن العام والمحافظة على وحدة البلاد أما السلطة الثالثة فتنصهر وظيفتها في النظر في المنازعات وفضها بالطرق القضائية فتوقع العقوبات وترتب الجزاءات بواسطة قضاة يتم اختيارهم بواسطة الإنتخابات. هذا هو تصور المفكر مونتسكيو لمبدأ فصل السلطات وأسسه الفلسفية و لعل أهم المفاهيم تعرضا للتحليل و التأويل والنقد وحتى الهدم.

   مبدأ فصل السلطات كما أعاد صياغته مونتسكيو فمن الدارسين من اعتبره ثورة في الدفاع عن "الحرية السياسية " ومناهضة الاستبداد و تأسيس السلطة على قدر من التوازن يكفل حسن استعمالها في حين اعتبره مجرد أسطورة لا صلة لها بالواقع في الوقت الذي فهم البعض أن الأمر عند مونتسكيو لا يتعلق بفصل السلطات بل بتوزيعها بطريقة تضمن الاحترام فيما بينها وبالرقابة المتبادلة.

   لقد دحض "شارل إيزنمان" مبدأ فصل السلطات استنادا لكل ما ورد ذكره في الكتاب الحادي عشر الفصل السادس من روح القوانين، فالسلطات بتقديره متداخلة خلافا لما ذهب إليه مونتسكيو و يتجلى ذلك في الحق الممنوح للجهاز التنفيذي بالتدخل في عمل السلطات التشريعية عبر ممارسة حق النقض...

   كما يتجسد في إمكانية الجهاز التشريعي مراقبة نشاط السلطة التنفيذية، و نلمس التداخل في حلول السلطة التشريعية محل الجهاز القضائي عند محاكمة النبلاء والنظر في قضايا العفو في المسائل الجنائية والجرائم السياسية. إن حجة ايزنمان لم تقف عند حدود التدليل بل تجاوزته إلى القول بأن هناك سلطتين و ليس أكثر كما أقر بذلك مونتسكيو، فالسلطة القضائية عنده ليست سلطة بالمعنى الدقيق للكلمة بل ذهب بالاعتراف مونتسكيو "لا مرئية و معدومة" فيقول إيزنمان صحيح أن هناك قضاة يتابعون ميلاد القوانين وتطويرها وتطبيقها إلا أن وظيفتهم لا تتجاوز مستوى الاطلاع على القانون و الاحتكام إليه أو بتعبير مونتسكيو "ان قضاة الأمة ليسوا سوى الفم الذي يتلفظ بكلمات القانون كائنات جامدة لا تستطيع تعديل قوته و صرامته."

   كما يوجه الفكر الماركسي انتقادات لمبدأ فصل السلطات لأنه يخالف نظرية "سيادة الشعب "و يؤدي إلى توزيع السلطة و بذلك يقوم هذا المبدأ على النفاق، لأنه يغفل في الواقع حرية الطبقة التي تتخذ من المبدأ أداة لسيطرتها وأصبح أداة لانقسامات المصالح في المجتمعات الرأسمالية.

    إلا أنه و بالرغم من هذه الانتقادات التي مست نظرية فصل السلط فقط في بعض جوانبها، تبقى هذه النظرية كما بلورها مونتسكيو تلعب الدور الأهم والأبرز في بناء شرعيات جديدة وكانت بداية لمنع الاستبداد والحد من الملكيات المطلقة التي سادت أوروبا لقرون وتقييد السلطة ووضع قوانين للتنافس حولها و ممارستها عبر آليات الانتخاب وتداول حول السلطة داخل أجهزة ومؤسسات ( الحكومة و البرلمان)

   ويجد مبدأ فصل السلطات أساسه القانوني في القواعد العرفية لدستور إنجلترا غير المدون، إذ عد هذا المبدأ الأساس في تنظيم العلاقة بين السلطات العامة وتم تقنين مبدأ فصل السلطات على مستوى الوثائق الدستورية إذ تأسس عليه دستور و.م.أ سنة 1787 حيث نجد للمبدأ تطبيقا وتجسيدا في النصوص الدستورية.

   كما تأثرت الثورة الفرنسية بمبدأ فصل السلطات عن طريق تقنينه في إعلان حقوق الإنسان والمواطن في 26 أغسطس عام 1789 حيث نصت المادة 10 منه على أن (كل جماعة سياسية لا تأخذ بمبدأ فصل بين السلطات ولا توفر الضمانات الأساسية للحقوق و الحريات هي جماعة بغير دستور).

   ولقد غدا المبدأ منذ الثورة الفرنسية مبدأ أساسي وأحد العناصر الرئيسية لقيام الدولة القانونية وإحدى الركائز لقيام الحكم الديمقراطي، كما أخدت به الدساتير الفرنسية ومنها الدستور الأول للثورة عام 1791 ودستور 1848 اللذان نصا على أن فصل السلطات هو الشرط الأول لكل حكومة حرة.

   وسيرى هذا المبدأ بعد ذلك أوجه في غالبية الدساتير الغربية ومنها في كثير من الدساتير العربية ولا يزال يلقي من واضعي الدساتير الحديثة التسجيل أو العمل به.

   في هذا الإطار نجد أن النظام الدستوري المغربي من الأنظمة التي تأثرت بنظرية فصل السلطات و دستوريته تشكلت خارج المحددات الموجهة والمتحكمة في الأنظمة الغربية الأخرى، هذه الدستورانية تأسست مند استقلال المغرب من الاستعمار الفرنسي بعدما كان ينبني على ملكية تنظمها الأعراف المخزنية وأحكام الشريعة الإسلامية إلى ملكية ينظمها قانون ووضعي عبر وثيقة دستورية تحدد طبيعة الحكم و اختصاصات السلط والعلاقة فيما بينها.

- إذن كيف تشكلت دستورانية المغرب؟
- ما هي طبيعة النظام الدستوري المغربي؟
- كيف تم تأويل مبدأ فصل السلطات في التجربة المغربية؟
- هل احدث دستور 2011 تحولا جديدا في فلسفة السلطة وطريقة توزيعها؟
- هل أثرت التحولات السياسية و السياقات المغايرة للتعديلات الدستورية السابقة على عملية التعديل أو الإصلاح الذي تضمنت دستور 2011؟ 
- وهل أسس هذا الأخير لفصل السلط كأحد المقومات الأساسية للدستور الديمقراطي علما أنه لأول مرة في تاريخ الدستورانية المغربية يتم التنصيص على هذا المبدأ الأساسي؟
- كيف يمكن الفصل بين السلطات من خلال نصوص الدستور المغربي من جهة والممارسة السياسية من جهة أخرى؟
- كيف تم تأويل مبدأ فصل السلطات في بعض الديمقراطيات المعاصرة السابقة لدستورانية المغرب ؟
- كيف يمكن المقارنة بين جوانب تطبيقه اعتبارا لاختلاف الأنظمة السياسية فيما بينها؟

إذن هي مجمل الإشكالات التي يثيرها الموضوع و التي يمكن معالجتها وفق منهجية ذات مقاربات متعددة تفسيرية، وصفية، تاريخية، مقارنة، وفق خطة العمل التالية :

المبحث الأول : فصل السلط في النظام الدستوري المغربي 

المطلب الأول : طبيعة النظام الدستوري ومراحل تطوره

 الفقرة الأولى : مراحل تأسيس الملكية الدستورية

 الفقرة الثانية : مراحل تطور النظام الدستوري 1962- 2011

المطلب الثاني : فصل السلط في دستور 2011 بين التنصيص الدستوري والتطبيق الفعلي

 الفقرة الأولى : فصل السلطات و تمييز اختصاصات كل سلطة

 الفقرة الثانية : العلاقة بين السلطات

الفقرة الثالثة : استقلال السلطة القضائية

المبحث الثاني : مقارنة تطبيق مبدأ فصل السلط في بعض الديمقراطيات المعاصرة

المطلب الأول : النظام الرئاسي الأمريكي

 الفقرة الأولى : السلطة التشريعية

 الفقرة الثانية : السلطة التنفيذية

 الفقرة الثالثة : السلطة القضائية

المطلب الثاني : النظام شبه الرئاسي الفرنسي

 الفقرة الأولى : بنية السلط

 الفقرة الثانية : العلاقة ما بين السلط

 المبحث الأول : فصل السلط في النظام الدستوري المغربي

   إن الدارس للجذور التاريخية للنظام المغربي، سيتبين له أن الملك يوجد في مركز الآلية المؤسساتية، بل هو محورها. بالنظر لاحتضانه شرعية تاريخية (إمارة المؤمنين القائمة على البيعة) لا ترقى إليها باقي المؤسسات الأخرى بحيث أن مكانته مكانة لا يحدها الدستور فقط (كما هو الشأن بالنسبة لرؤساء الدول في النظم العصرية التي لا تقوم على تراكمات تاريخية متوالية) وإنما تحدد أولا بالشرعية الدينية (الإمامة العظمى) ثم بالشرعية التاريخية (توارث العرش إعمالا لهذه الشرعية منذ عهد الأدارسة) ثم الشرعية النضالية (مشاركة الملك محمد الخامس الكفاح الوطني ومحنة المنفى).

المبحث الثاني : مقارنة تطبيق مبدأ فصل السلط في بعض الديمقراطيات المعاصرة

   يعد مبدأ فصل السلط نتاج المنظومة السياسية الغربية بالأساس، إذ يعتبر من أبرز محددات الدولة الديمقراطية الغربية ؛ بيد أن بلورته على مستوى الواقع جاءت بكيفية تدريجية.

   إن مبدأ فصل السلط هو قبل كل شيء مبدأ دستوري تقني ، يهدف استبعاد التسلط و صون الحريات، حيث أشار الباحث "جورج فيديل" على أن هذا المبدأ يجسد وصفة للحرية، تفرض فصلا بين المؤسسات الدستورية.


بحث فصل السلط في الدستور المغربي إعداد الطالبات سمية الديك، مريم عاتق. 
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-