إجراءات التحفيظ العقاري بين متطلبات الرقمنة وإكراهات الواقع |
العنوان | إجراءات التحفيظ العقاري بين متطلبات الرقمنة وإكراهات الواقع |
---|---|
انجاز الطالب | بلال الغماري |
التصنيف | مقال |
عدد الصفحات | 28 ص |
حجم الملف | 1MO |
صيغة الملف | |
منصات التحميل | mediafire أو google drive |
مقدمة
یشكل العقار أرضية أساسية لا غنى عنها لإقامة مختلف المشروعات سواء كانت صناعية أو تجارية أو سیاحیة، إذ يعتبر أداة لتحقيق الاستقرار والأمن والسلم الاجتماعي بالنظر إلى الدور الفعال الذي یقوم به على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، بيد أن تحقيق ذلك يتوقف على وجود إطار قانوني محكم ودقيق تتوفر فيه مقومات الأمن القانوني، بما من شأنه أن يساهم في حماية الملكية العقارية وجعلها أرضية مناسبة لإنجاز المشاريع الاستثمارية.
وإذا كان النظام العقاري في المغرب يتصف بالازدواجية، إذ نجد أن هناك عقارات غير محفظة تخضع لمدونة الحقوق العينية ولبعض المقتضيات الواردة في قانون الالتزامات والعقود وعقارات محفظة تخضع لظهير التحفيظ العقاري دون أن يكون من الممكن إخراجها من هذا النظام، بعد مرورها بمجموعة من المراحل، تسمى بإجراءات التحفيظ والتي يمكن سلوكها بالطريقة العادية المعهودة عن طريق إيداع مطلب التحفيظ بشكل يدوي تقليدي لدى الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية أو بسلوك الطريقة الإلكترونية التي تتم عبر المنصة الإلكترونية للوكالة العقارية، وهو ما أصبح يسمى بالتدبير الإلكتروني لعمليات التحفيظ.
ويقصد بالتدبير الإلكتروني لعمليات التحفيظ كل عملية أو مجموعة من العمليات تنجز بمساعدة طرق إلكترونية أو بدونها وتطبق على معطيات ذات طابع شخصي، مثل التجميع أو التسجيل أو التنظيم أو الحفظ أو الملاءمة أو التغيير أو الاستخراج أو الاطلاع أو الاستعمال أو الإيصال عن طريق الإرسال أو الإذاعة أو أي شكل آخر من أشكال إتاحة المعلومات، أو التقريب أو الربط البيني، وكذا الإغلاق أو المسح أو الإتلاف.
وقبل وصول إجراءات التحفيظ العقاري إلى مرحلة تدبيرها بشكل إلكتروني، فقد عرفت تطورا تاريخيا مهما، بحيث كانت الملكية العقارية قبل دخول المستعمر للمغرب تعرف استقرارا وثباتا كونها كانت تخضع للشريعة الإسلامية التي كرست الحق في الملكية الخاصة، واعترفت به لكل أفراد المجتمع على اختلاف جنسياتهم وشرائحهم وطبقاتهم الاجتماعية، بل إن الفقهاء المسلمين بينوا طبيعتها وخصائصها وعناصرها ونظامها وأنواعها وركزوا بشكل خاص على طرق اكتسابها ومساطر توثيقها وحمايتها أمام القضاء مع الحرص الشديد على تحقيق المساواة عند تحقيق الحقوق وعند اقتضائها.
أما بعد دخول المستعمر للمغرب فقد عمل على إصدار قوانين مشتتة، تخدم مصالحه بالدرجة الأولى، ومن جملة القوانين التي جاءت في هذه المرحلة نجد ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بظهير التحفيظ العقاري المعمول به حاليا والذي يرتكز على عدة مبادئ أهمها مبدأ الشهر العيني، ومبدأ علنية التحفيظ، ومبدأ التطهير، ومبدأ مشروعية التسجيل، والتي تسود جميع الإجراءات التي تهدف إلى تحفيظ العقار.
وبعد الحصول على الاستقلال تدخل المشرع المغربي في العديد من المناسبات لإعادة ترتيب الوضعية القانونية للعقار الذي وضع لها من الضوابط ما يكفي لحمايته، غير أن ذلك لم يكن كافيا لإصلاح ما يمكن إصلاحه، خاصة وأن المغرب كان مقسما إلى ثلاثة أقسام (منطقة الحماية الفرنسية ومنطقة الحماية الإسبانية ومنطقة طنجة الدولية)، وكل منطقة من هذه المناطق كانت تخضع لنظام قانوني معين، مما جعل من الصعب إخضاع جميع العقارات بالمغرب لنظام قانوني موحد.
وإلى غاية حلول فترة السبعينات من القرن الماضي، ظهرت المعلوميات في بعض الإدارات المركزية على الصعيد الوطني، روجت للدور الفعال الذي يمكن أن تقوم به في الرفع من المردودية وتحسين جودة الخدمات، فقد تبوأت في أمد غير طويل مكانة متميزة داخل العديد من المؤسسات العمومية، وإدراكا منها لعمق التحولات التي سيتمخض عنها انتشار أساليب التعامل والتسيير، فقد شرعت مديرياتها منذ سنة 1973 في اعتماد هذه التقنية الحديثة في بعض ميادين أنشطتها ومنها على الخصوص ميدان التحفيظ العقاري.
ومن بين الإدارات العمومية التي دخلت مرحلة اعتماد الأنظمة المعلوميات في تقديم خدماتها نجد الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية باعتبارها الجهاز المكلف بالسهر على تطبيق نظام التحفيظ العقاري. فإدخال المعلوميات في المجال العقاري لم يكن وليد الصدفة وإنما جاء بناء على إرادة واعية من طرف المهتمين بتنظيم الشأن العقاري، وتنفيذا للسياسة التي اتخذتها الدولة في سبيل تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية.
هذا وقد جاء القانون رقم 07-14 المغير والمتمم لظھیر التحفیظ العقاري بمجموعة من المستجدات، استرسالا للإصلاحات التشريعية في سبيل تحقيق الأمن العقاري، وبالاطلاع على مقتضيات القانون المذكور نجده قد مهد لإمكانية إدخال الرقمنة على الخدمات التي تقدمها الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، حيث جاء في نص الفصل 106 على أنه: "يمكن للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية أن تؤسس، بأساليب إلكترونية، مطالب التحفيظ والرسوم العقارية ونظائرها والشواهد الخاصة بالتقييد والسجلات المنصوص عليها في هذا القانون وذلك وفق الشروط والشكليات المحددة في نص تنظيمي"، كما أكد ذلك من خلال المرسوم رقم 2.13.18 المتعلق بإجراءات التحفيظ، والذي نص بدوره على إمكانية استعمال المحافظة العقارية للأساليب الإلكترونية في تدبير سجلاتها العقارية حيث نصت المادة 24 منه على أنه: "يمكن للمحافظ على الأملاك العقارية تدبير السجلات بالأساليب الإلكترونية".
وانتظر المشرع المغربي للتعبير عن نيته بشكل صريح في إدخال المعلوميات في المجال العقاري لمدة تناهز سبع سنوات، قبل أن يكرس هذه المكنة في المادة الأولى من المرسوم رقم 2.18.181 المتعلق بالتدبير الإلكتروني لعمليات التحفيظ لعقاري والعمليات المرتبطة به، التي جاء فيها: "تطبيقا لمقتضيات الفصل 106 من الظهير المتعلق بالتحفيظ العقاري المشار إليه أعلاه، يحدد هذا المرسوم الشروط والكيفيات التي يتم وفقها التدبير الإلكتروني لعمليات التحفيظ العقاري والخدمات المرتبطة بها"، كما أحدثت بموجبه منصة إلكترونية تابعة للمحافظة العقارية يتم عبرها معالجة جميع الطلبات المقدمة من طرف مرتفقيها سواء كانوا طالبي التحفيظ أو متعرضين أو لهم حقوق على العقار المراد تحفيظه، لتتماشى مع القانون رقم 19-55 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية.
وقد اتضحت جليا أهمية هذا التوجه في ظل الأوضاع التي فرضها الانتشار الواسع والسريع لجائحة كورونا كوفيد-19 في مختلف دول العالم، والتأثير الكبير الذي خلفته على مختلف المجالات بما فيها المجال العقاري، وهو ما جعل الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية أمام تحد كبير بين استمراريتها في تقديم خدماتها للمرتفقين، وبين واقع تدبير الزمن الذي أملته المادة السادسة من المرسوم رقم 2.20.292 والتي نصت على وقف سريان جميع الآجال التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة الطوارئ الصحية المعلن عنها مع استئناف احتسابها ابتداء من اليوم الموالي ليوم رفع حالة الطوارئ المذكورة، والكل وفق ضابطين أو محركين رئيسيين يتمثلان في تحقيق سياسة الجودة التي اتخذت منها الوكالة رهانا لها، وفي خدمة جميع مرتفقي الوكالة.
ومما لا شك فيه أن اتساع دائرة اعتماد التكنولوجيا سيكون له تأثير إيجابي لا يمكن إنكاره خاصة في مجال التحفيظ العقاري نظرا للدور الذي يمكن أن تلعبه المنصة الإلكترونية للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية في الحد من ظاهرة الاستيلاء على العقارات وحل الكثير من المشاكل، فإنه في نفس الوقت يشكل خطورة تتمثل في إمكانية الاعتداء على المعطيات الشخصية الجديرة بالحماية بمقتضى القانون رقم 08.09 والتي يتم إدراجها في المنصة الإلكترونية للوكالة العقارية.
وفي ظل هذه البيئة الإلكترونية المزدحمة، ضعفت قبضة الأمن والمراقبة والتحكم وازدهرت عمليات اختراق المعطيات الخاصة المعالجة إلكترونيا وسرقتها بشكل ملفت للنظر، حتى أصبحت تشكل تهديدا بالغا لسائر المؤسسات العمومية وشبه العمومية والخاصة، التي تعتمد في أعمالها على الحواسيب وشبكة الانترنت، مما يعني أن استعمال المعلوماتية جاء مصحوبا بفرص جديدة لارتكاب أشكال وصور مستحدثة من الجرائم الفنية، سميت فيما بعد بالجرائم المعلوماتية، الأمر الذي يقتضي إيجاد مقتضيات أكثر ملائمة مع البيئة الجديدة للمعاملات الإلكترونية، وأن تعمل على تأمينها.
ومن هذا المنطلق أصبحت الرؤيا واضحة بالمغرب بأن نجاح الاستراتيجية الوطنية المجتمع المعلومات والاقتصاد الرقمي- المغرب الرقمي 2013 - رهين بتعزيز الثقة الرقمية، وأن بلوغ أهداف ومرامي استراتيجية المغرب الرقمي يتوقف على طريقة سريانه في وسط قانوني سليم، يكفل الاستقرار للمعاملات ويعزز الثقة فيها، ويحمي حقوق وحريات أطرافها، ويحيط المصالح المتعلقة بالنظام العام سواء الداخلي أو الخارجي بسياج متين من الحماية، ومن أجله عمل المشرع المغربي على إصدار مجموعة من القوانين تتعلق كلها بتأمين وتحصين المنصات والبوابات الإلكترونية وكذا الوثائق والمعطيات الخاصة للأفراد والمعالجة بشكل إلكتروني، بداية بإصداره للقانون رقم 05-53 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، والمعدل والمتمم بالقانون رقم 20-43 المتعلق بخدمات الثقة في المعاملات الإلكترونية، ومن أجل إضفاء الطابع الجنائي على من يحذف أو يعرقل سير نظم المعالجة الآلية للمعطيات فقد أصدر المشرع القانون رقم 03-07 القاضي بتتميم مجموعة القانون الجنائي فيما يتعلق بجرائم نظم المعالجة الآلية للمعطيات، وبعد سنتين من هذا الإصدار خرج إلى الوجود القانون رقم 08.09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه المعطيات ذات الطابع الشخصي، واستكمالا لهذه الترسانة القانونية أصدر المشرع المغربي القانون رقم 20-05 المتعلق بالأمن السبراني وهو قانون يبتغي حماية النظم والشبكات العامة للمواصلات ومزودي خدمات الإنترنيت ومقدمي الخدمات الرقمية وناشري منصات الانترنيت.
وإذا كان من حسنات المشرع المغربي أنه اعتمد على إدخال المعلوميات في المجال الإداري بشكل عام والوكالة العقارية بشكل خاص، فإن تطبيقها على أرض الواقع لن يكون بالأمر الهين، وذلك لوجود عدة إكراهات تحول دون الاستفادة الكاملة من المعلوميات ليس فقط في المجال الإداري وإنما في مختلف المجالات التي أصبحت تعتمد على الرقمنة في تأدية خدماتها، خاصة إذا ما علمنا أن البنية التحتية لا تسعف في تحقيق الأهداف المتوخاة من الإدارة الإلكترونية، اللهم إذا كانت هذه البداية تمهيد لحقبة جديدة ستبرز بشكل تدريجي مع مرور الوقت.
ولا ننسى كذلك أن النموذج التنموي الجديد دعى للاهتمام بالرقمنة، وجعلها على أعلـى المسـتويات فـي هـرم الدولـة باعتبارهـا محفـزا للتحـولات المهيكلـة وذات الأثـر القـوي باعتبارها تمثـل رافعـة حقيقيـة للتغييـر والتنميـة.
ومن خلال ما سبق يتضح أن موضوع التدبير الالكتروني لعمليات التحفيظ العقاري يحظى بأهمية بالغة سواء على المستوى القانوني أو الاقتصادي أو الاجتماعي.
- فمن الناحية القانونية تكمن في كون دراسة موضوع التدبير الإلكتروني لعمليات التحفيظ ستمكننا من الوقوف على الخصوصية الإجرائية التي جاء بها المشرع المغربي في المرسوم رقم 2.18.181 من خلال تقليص الأجالات التي تعالج فيها جميع الطلبات المقدمة عبر المنصة الإلكترونية للوكالة العقارية، كما أن إحداث المنصة المذكورة يمكن أن يكون لها دور فعال ومهم في الحد من ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير، وبالتالي توفير الأمن القانوني ومعه الأمن العقاري، خاصة من ناحية إعلام الأغيار في كل وقت وحين بكل الإجراءات والتصرفات التي تقع على العقار المعني من خلال عمليات الإشهار التي تتم بطريقة إلكترونية، إضافة إلى ذلك تمكن آلية التدبير الإلكتروني من تقليص الوقت والتكاليف للحصول على الشهادات العقارية بشكل إلكتروني، لكي تتماشى مع القانون رقم 19-55 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية.
- أما من الناحية الاقتصادية: معلوم أن إدخال المعلوميات في المجال العقاري سيكون لها دورا مهما في تسهيل وتشجيع الملاك على تحفيظ عقاراتهم، ومن شأن ذلك أن يساهم في تشجيع التحفيظ العقاري الأمر الذي سينعكس بشكل إيجابي على تنشيط الحركة الاقتصادية وبالتالي تشجيع الاستثمار سواء الداخلي أو الخارجي.
- أما من الناحية الاجتماعية فيكفي الإشارة إلى أن التدبير الإلكتروني لعمليات التحفيظ يهدف إلى تأمين وتحصين الملكية العقارية، التي تعد محركا رئيسيا لمختلف المعاملات، والأرضية المناسبة لانطلاق المشروعات الاقتصادية المنتجة، كما أن وجود عقار محفظ من شأنه تحقيق الاستقرار والسلم الاجتماعيين لما له من دور فعال في توفير الوحدات السكنية سواء في إطار السكن الاقتصادي أو السكن الاجتماعي.
ومن خلال ما تقدم يمكن طرح إشكالية رئيسة تتمحور حول دور المرسوم المتعلق بتحديد شروط وكيفيات التدبير الإلكتروني لعمليات التحفيظ العقاري والخدمات المرتبطة به في ضمان حماية الملكية العقارية.
ومن أجل الإجابة على الإشكال المحوري للموضوع، ارتأيت تقسيمه إلى محورين أساسيين، باعتماد التصميم التالي :
المطلب الأول : رقمنة إجراءات التحفيظ العقاري
المطلب الثاني: معيقات رقمنة عمليات التحفيظ العقاري
المطلب الأول : رقمنة إجراءات التحفيظ العقاري
بعد أن كانت عمليات التحفيظ العقاري تتم بشكل حضوري من خلال حضور طالب التحفيظ أو من ينوب عنه لإيداع الوثائق والسندات لدى الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية المختصة، أصبحت اليوم هذه العمليات تتم دون ذلك، حيث أصبح بإمكان مالك العقار طلب جميع الإجراءات المتعلقة بمسطرة التحفيظ عبر المنصة الإلكترونية "محافظتي"، المحدثة من طرف الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية بهدف تبسيط المساطر وتطوير التدبير اللامادي للخدمات التي تقدمها الوكالة الوطنية للمحافظة العقاري والمسح العقاري والخرائطية بهدف تبسيط المساطر حتى تنسجم مع مقتضيات القانون رقم 19-55 المتعلق بتبسيط الإجراءات والمساطر الإدارية.
وتنطلق عمليات التحفيظ بتقديم مطلب على شكل تصريح للمحافظة العقارية عبر المنصة المذكورة أعلاه (الفقرة الأولى)، ثم بعد ذلك تأتي مرحلة ثانية تتعلق بالقيام بعمليات التحديد والإشهار (الفقرة الثانية)، ثم باقي المراحل التي تليها.
الفقرة الأولى : تقديم مطلب التحفيظ بشكل إلكتروني
يقصد بمطلب التحفيظ ذلك التصريح الذي يتقدم به المعني بالأمر أو نائبه القانوني ويسمى طالب التحفيظ يهدف من ورائه إلى تحفيظ عقاره أرضا كان أو بناء.
وقد عرف المشرع المغربي عمليات التحفيظ العقاري والخدمات المرتبطة به، والتي يمكن تدبيرها بطريقة إلكترونية بأنها الإجراءات والمساطر المتعلقة بالتحفيظ العقاري والمسح العقاري والخرائطية المنصوص عليها في المقتضيات التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل".
ومن بين جملة العمليات التي تتم بطريقة الكترونية نجد إيداع مطلب التحفيظ، والذي يقدم عبر المنصة الالكترونية للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية طبقا للنماذج والاستمارات المحددة من قبل الإدارة العقارية.
ومن خلال هذه الفقرة سنبين طريقة تقديم مطلب التحفيظ بطريقة الكترونية (أولا)، وكذا التطبيقات المعلوماتية المستعملة لهذه الغاية (ثانيا).
أولا : طريقة تقديم مطلب التحفيظ بطريقة الكترونية
جاء في صريح المادة 6 من ظ ت ع، أن الأصل في التحفيظ هو الاختيار مالم تنص قوانين خاصة على غير ذلك، حيث يبقى لصاحب العقار الحرية في تحفيظ أو عدم تحفيظ عقاره، وفي حالة اتجاه إرادته إلى الاختيار الأول، يبقى له كذلك أمر اختيار إحدى الطريقتين إما العادية المتعارف عليها في ظهير التحفيظ العقاري، أو الإلكترونية المستحدثة، ومن خلال الإطلاع على مقتضيات المرسوم رقم 2.18.181 يتبين أن المشرع المغربي منح الاختيار لطالب التحفيظ في تقديم مطلب التحفيظ، وذلك إما بسلوك المسطرة الأولى أو الثانية التي لها محاسنها سواء بالنسبة للمرتفقين أو بالنسبة للإدارة.
وفي حالة اختيار طالب التحفيظ اللجوء إلى الطريقة الإلكترونية لإيداع طلبه، فإنه يتعين عليه ملأ استمارة معدة لهذه الغاية، وإرفاقها بنسخ من الوثائق والسندات المؤيدة لطلبه.
كما يتعين عليه أن يضمن الاستمارة المذكورة رقم هاتفه أو عنوان بريده الإلكتروني أو هما معا، بهدف توصله بإشعار يتضمن رقما خاصا يمكنه من تتبع مآل طلبه، إضافة إلى ذلك يفيد تضمين الرقم الهاتفي أو البريد الالكتروني في إشعار صاحب الطلب إما بعدم استيفاء طلبه للشروط المنصوص عليها قانونا ولا ينتج أي أثر من آثار مطلب التحفيظ في هذه الحالة وإما بقبول طلبه بعد دراسته من طرف المحافظ المعني، وفي هذه الحالة الأخيرة تتم دعوته للحضور من أجل الإدلاء بأصول السندات والوثائق المؤيدة لطلبه، وأداء الوجيبات المستحقة واستكمال باقي الإجراءات.
وفي ذات الإطار تنص المادة 7 من القانون رقم 19-55 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية على ما يلي "على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية المخالفة، يجب على الإدارات أن تتقيد، عند توثيق القرارات الإدارية وتدوينها، بالقواعد التالية :
- عدم مطالبة المرتفق بأكثر من نسخة واحدة من ملف الطلب المتعلق بالقرار الإداري ومن الوثائق والمستندات المكونة لهذا الملف.
- عدم مطالبة المرتفق بتصحيح الإمضاء على الوثائق والمستندات المكونة لملف الطلب.
- عدم مطالبة المرتفق بالإدلاء بوثائق أو مستندات إدارية متاحة للعموم ولا تعنيه بصفة شخصية
- عدم مطالبة المرتفق بالإدلاء بنسخ مطابقة لأصول الوثائق والمستندات المكونة لملف الطلب.
- غير أنه يمكن للإدارة، في حالة الشك في صحة النسخ المدلى بها، أن تطلب من المرتفق بكل وسائل التواصل الملائمة، مرة واحدة مع تعليل طلبها، تقديم أصول الوثائق أو المستندات المعنية أو نسخ منها مطابقة للأصول للاطلاع عليها، وذلك عند إيداع الملف أو على أبعد تقدير، خلال النصف الأول من المدة المحددة لدراسة الطلب، وفي هذه الحالة، يعلق الأجل المحدد لدراسة الطلب إلى حين الإدلاء بالوثائق والمستندات المطلوبة".
وتطبيقا لهذه المادة، فإنه لا يمكن للوكالة العقارية مطالبة المرتفق بأكثر من وثيقة أو مستند يخص طلبه، أو مطالبته بتصحيح الإمضاء وكذا مطالبته بوثائق متاحة للعموم ومن السهل الحصول عليها.
وإذا كانت البنود الثلاثة الأولى لا تثير أي إشكال مع مقتضيات المرسوم المتعلق بتحديد شروط وكيفيات التدبير الإلكتروني لعمليات التحفيظ العقاري والخدمات المرتبطة به، فإن البند الرابع من ذات المادة الذي يقضي بعدم مطالبة المرتفق بالإدلاء بنسخ مطابقة لأصول الوثائق والمستندات المكونة لملف الطلب، يتناقض ومقتضيات المادة 13 من المرسوم المذكور، على اعتبار أنه يلزم صاحب الطلب بالإدلاء بأصول السندات والوثائق المؤيدة لطلبه، بعد إشعاره بذلك، وأن عدم الإدلاء بها لا يخوله إمكانية استكمال باقي الإجراءات المتعلقة بطلبه، وفي هذه الحالة، تحدد الإدارة بشكل حصري ودفعة واحدة، لائحة الوثائق والمستندات التي يتعين على المرتفق الإدلاء بها، تحت طائلة إرجاع الملف، داخل أجل أقصاه 30 يوما، ابتداء من تاريخ تقديم الطلب، ولا يحتسب الآجل المحدد للإدارة لمعالجة الطلب وتسليم القرار الإداري موضوع الطلب إلا ابتداء من تاريخ تقديم جميع الوثائق والمستندات المطلوبة.
وإذا تبين للإدارة، أن وثيقة أو مستندا من الملف المودع غير مستوف للشروط المطلوبة في المصنفات، وجب عليها، خلال النصف الأول من الأجل المحدد لمعالجة الطلب المتعلق بالقرار الإداري، أن تطلب من المرتفق، بكل وسيلة من وسائل التواصل الملائمة، مع تعليل طلبها، استبدال الوثيقة أو المستند المعني، وفي هذه الحالة، يتعين على المرتفق تحت طائلة إرجاع الملف، الإدلاء بهذه الوثيقة أو المستند داخل أجل أقصاه 30 يوما، ابتداء من تاريخ توصله بطلب الإدارة.
كما يلاحظ من خلال مقتضيات المرسوم رقم 2.18.181 أن طلبات التحفيظ هي التي يتم إيداعها بشكل إلكتروني، لأن بقبول الطلب أو الطلبات يتم استدعاء مقدم الطلب من أجل الحضور لاستكمال ما تبقى من الإجراءات، وبالتالي يمكن القول إن طلبات التحفيظ هي التي يتم معالجتها إلكترونيا إلى غاية قبول الطلب فقط، كما أن مسألة دعوة طالب التحفيظ للحضور تفرغ التدبير الإلكتروني من محتواه.
إضافة إلى ذلك لا توجد في المنصة الإلكترونية للوكالة العقارية في الوقت الحالي خدمة خاصة بتقديم مطلب التحفيظ، مما يعني أن هذه الخدمة لا زالت تقدم بشكل تقليدي، في ظل التدرج الذي اعتمدته الوكالة في العمل بالمنصة الإلكترونية.
ثانيا : التطبيقات المعلوماتية المستعملة لإيداع مطلب التحفيظ
لتفعيل التدبير الإلكتروني لعمليات التحفيظ العقاري والخدمات المرتبطة به نص المشرع في المرسوم رقم 2.18.181 المنظم لهذه العمليات في المادة 3 منه على إحداث منصة إلكترونية، يتم من خلالها إنجاز الإجراءات وتقديم الخدمات المرتبطة بها، والعمل على تدبيرها واستغلالها وتأمينها وصيانتها وتطويرها.
وقد نصت المادة الخامسة من نفس المرسوم على أن الطلبات المتعلقة بالمساطر والإجراءات المشار إليها في المادة الثانية تقدم عبر المنصة الإلكترونية طبقا لنماذج الاستمارات المحددة من قبل إدارة الوكالة والموضوعة رهن إشارة المهنيين والعموم بنفس المنصة.
وتسلم للمتعامل مع الوكالة العقارية عبر المنصة الإلكترونية وصلا يتضمن تاريخ وتوقيت تقديم الطلب إلى مصالح الوكالة، ويعتبر من أجل احتساب الأجل القانوني المتعلق بالطلبات المقدمة، تاريخ تقديم الطلب عبر المنصة الإلكترونية خلال أوقات العمل النظامية وفي حالة عدم تقديمه خارج هذه الأوقات يسري الأجل من بداية التوقيت الإداري لنفس اليوم أو يوم العمل الموالي، حسب الحالة.
كما تم إحداث نظام معلوماتي خاص بتدبير الوثائق المودعة من أجل الدراسة، يقوم بمعالجة وتدبير جميع القضايا الواردة على المحافظة العقارية من إيداعها بقسم العموم إلى حين اتخاذ قرار نهائي بشأنها.
إضافة إلى ما ذكر وتسهيلا لعمل المهنيين مع الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية، ينشأ عبر المنصة الإلكترونية فضاء خاص بالمهنيين المتدخلين في عمليات التحفيظ العقاري والمسح العقاري والخرائطية، قصد تمكينهم من تبادل الوثائق والمعلومات مع مصالح الوكالة والاستفادة من الخدمات التي تقدمها لهم بشكل إلكتروني، ويتيح لهم القيام بالإجراءات المتعلقة بعمليات التحفيظ العقاري والمسح العقاري والخرائطية، ولاسيما :
- تقديم طلبات إيداع وتقييد المحررات بالسجلات العقارية
- إيداع الملفات التقنية الطبوغرافية
- أداء وجيبات المحافظة العقارية وباقي الوجيبات الأخرى المستحقة
- الاطلاع على قواعد البيانات العقارية والهندسية والخرائطية
- الحصول على نسح الوثائق العقارية
- الاستفادة من باقي الخدمات التي تقدمها الوكالة لفائدتهم.
والملاحظ أن هذه طلبات محددة على سبيل المثال لا الحصر، ويتبين ذلك من خلال المصطلح المستعمل من طرف المشرع "لاسيما"، مما يعني أن هناك إمكانية تقديم طلبات أخرى عبر الفضاء الخاص بالمهنيين والمتعلق بعمليات التحفيظ العقاري.
وفي مقابل هذه التسهيلات حمل المشرع المغربي المهنيين المعنيين المسؤولية عن استعمال الحساب المخصص لكل واحد منهم، والذي تؤسسه له الوكالة بناء على طلبه، كما يلتزمون بتوقيع التزام يتضمن الشروط الأساسية للولوج إلى الفضاء الخاص بهم، خاصة ما يتعلق باستعمال الحساب، والحفاظ على سرية المعلومات المحصلة من قبله، والالتزام باستعمالها لأغراض مهنية لا غير.
وفي نفس الإطار أصدر المدير العام للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية القرار رقم 4925 بتاريخ 29 أبريل 2021 يسمح من خلاله باستقبال طلبات الموثقين الرامية إلى الإيداع أو التقييد بالسجلات العقارية المحررة من طرفهم بكيفية حصرية عبر الفضاء الخاص بالموثقين المحدث بالمنصة الإلكترونية.
إضافة إلى ما سبق، مكن الفضاء الإلكتروني للوكالة المرتفقين من طلب التصميم العقاري عن بعد وتتبع المآل المخصص له، وكذا التأكد من صحة التصميم، ويتضح ذلك بجلاء عند الاطلاع على مقتضيات المادة 2 من المرسوم رقم 2.18.181، والتي عددت الإجراءات والمساطر المتعلقة بالتحفيظ العقاري والمسح العقاري والخرائطية، والتي نجد من بينها "إنجاز تصاميم المسح العقاري ووثائق المسح الوطني وحفظها"، وأكدت المادة 28 من نفس المرسوم ذلك، من خلال نصها على ما يلي "يمكن طلب الحصول على نسخة من التصميم العقاري و أو جدول المساحة عبر المنصة الإلكترونية.
ولهذا الغرض، يتعين تعبئة الاستمارة المعدة لذلك وأداء الواجبات المستحقة بطريقة إلكترونية.
يتوصل المعني بالأمر بإشعار يتضمن رقما خاصا يمكن من خلاله تتبع مآل طلبه وتحميل التصميم العقاري و/أو جدول المساحة عبر المنصة المذكورة.
يمكن تحميل التصميم العقاري و/أو جدول المساحة على دعامة ورقية وتقديمه إلى مصلحة المسح العقاري التي أعدته، أو إلى أي مصلحة أخرى للمسح العقاري من أجل التوقيع من طرف رئيس المصلحة أو من ينوب عنه.
تتضمن نسخة التصميم العقاري و/أو جدول المساحة المذكورين رمزا خاصا يمكن صاحب الطلب وكل ذي مصلحة من التحقق، عبر المنصة الإلكترونية، من مدى مطابقة النسخة المعنية لتلك المحفوظة بقاعدة البيانات الهندسية".
ومن مزايا الخدمات المحدثة بمنصة الوكالة أنها تتيح للمرتفق إمكانية تقديم مجموعة من طلبات التحفيظ في مدن مختلفة بطلب واحد وهو أمر يتماشى مع ما جاء في المرسوم رقم 2.13.18 في شأن إجراءات التحفيظ والذي ينص في مادته الأولى على إمكانية تقديم مطلب التحفيظ لعقار يتكون إما من قطعة واحدة أو عدة قطع متجاورة، كما تمكنهم هذه الخدمة من الاطلاع على جميع الإعلانات المودعة بها التي تخص العقار المعني، فتضمين الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية جميع المدن في الإختيارات التي توجد بها محافظة عقارية تسهل على المرتفقين تتبع مآل طلباتهم وكذا الإجراءات التي يمكن أن تتخذ اعتداء على ملكه.
وما تجب الإشارة إليه، أن مقتضيات المرسوم رقم 2.18.181 سيتم العمل به بشكل تدريجي، وبالتالي لن يتم تقديم جميع الخدمات دفعة واحدة، وإلى حين التمكن من الاستفادة الكاملة من الخدمات المقدمة من طرفها، يمكن للوكالة إحداث وتقديم خدمات أخرى جديدة عبر المنصة الإلكترونية المحدثة طبقا للمرسوم المذكور، الأمر الذي يعني أن المشرع كانت له نظرة استباقية لما ستعرفه الساحة الرقمية والعقارية من تطورات قد يتم البدء في معالجتها إلكترونيا.
الفقرة الثانية : عمليات التحديد والإشهار بشكل إلكتروني
إن لكل من عمليات التحديد والإشهار أهمية بالغة في عملية التحفيظ، فالأولى تعمل على تحديد معالم العقار سواء تعلق بالتحديد المؤقت أو النهائي (أولا)، أما العملية الثانية والمتمثلة في الإشهار العقاري، فتتيح لمن لهم المصلحة في الاطلاع على أمر التحفيظ، سواء كان طالب التحفيظ من خلال تتبع إجراءات التحفيظ أو المتعرضون أو المحافظ العقاري الذي يعتبر الحريص والمنفذ لعمليات الإشهار (ثانيا)، هذا وقد خول المشرع المغربي لكل من يعنيه الأمر بتتبع إجراءات هذه العمليات بشكل إلكتروني من خلال المرسوم رقم 2.18.181.
أولا : طلب عمليات التحديد بشكل إلكتروني
يعتبر التحديد الطبوغرافي للعقار موضوع مطلب التحفيظ، عملية مهمة من شأنها أن تحسم أمر العقار المقدم بشأنه المطلب، وتسرع في إنهاء النزاع، لكونها تمكن المحافظ من التأكد بطريقة واضحة من جدية الأمر وقيمة الطلب أو أحقية التعرض عليه، وتتميز هذه العملية بطبيعتها المتنوعة فهي ذات طبيعة تقنية وإشهارية وأخرى قانونية، تتجلى هذه الأخيرة في تجسيد حدود الملك وتعيينها تعيينا ماديا عن طريق وضع العلامات أو الأشجار أو الأحجار على محيط العقار، وذلك بحضور العموم ليتمكنوا من التدخل عن الضرورة.
فأول عملية تلي نشر ملخص مطلب التحفيظ في الجريدة الرسمية وتعليقه لدى الجهات القضائية والإدارية المعنية، تتمثل في تعيين تاريخ التحديد حيث يتم إعلانه بنفس الوسائل السابقة ما عدى الجريدة الرسمية، ثم يتم توجيه الاستدعاءات إلى كل الأطراف الذين يهمهم أمر حضور عملية التحديد.
وبالاطلاع على المرسوم المتعلق بتحديد شروط وكيفيات التدبير الإلكتروني لعمليات التحفيظ العقاري والخدمات المرتبطة بها، يتبين أن المشرع لم يتطرق لعملية التحديد واكتفى فقط بالتنصيص على إمكانية طلب استئناف عملية التحديد، وإنجاز التحديد التكميلي أو استئنافه دون التطرق لمسألة تقديم طلب عملية التحديد من بدايتها، والتي تجرى وفق الطريقة العادية وذلك راجع بالأساس، إلى كون هذه العملية لا تتطلب القيام بأي إجراء سوى الحضور إلى موقع تواجد العقار عند إجرائها.
وهو ما يتضح جليا من خلال المادة 11 من المرسوم رقم 2.18.181، حيث جاء فيها أنه: "يمكن تقديم الطلبات المتعلقة بعمليات التحفيظ العقاري عبر المنصة الإلكترونية ولا سيما منها :
- طلب إنجاز التحديد التكميلي أو استئنافه.
فالملاحظ من خلال هذه المادة، أن الطلب المتعلق بعمليات التحديد لا يقدم من بدايته بالطريقة الإلكترونية، وإنما ما يتم طلبه بهذه الطريقة الأخير هو طلب استئناف عمليات التحديد، مما يعني أن هذه العملية تكون قد بدأت من قبل وفق الطريقة العادية بمجرد إيداع مطلب التحفيظ.
وبالرغم من عدم نص المشرع بشكل صريح على إمكانية طلب التحديد بشكل إلكتروني فإنه وبالدخول إلى المنصة الإلكترونية يتبين أنها مزودة بخدمة طلب التحديد بهذه الطريقة، أما بخصوص رقمنة طلب إنجاز عمليات التحديد التكميلي أو استئنافه، الواجب إجراؤه في بعض الحالات (كتمديد حدود العقار أو تحديد وعاء التعرض أو تطبيق قرار قضائي...)، فيبدو أنه منصوص عليه قانونا ولا وجود له في الواقع العملي، إذ بالدخول إلى المنصة الإلكترونية لا نجد بوابة خاصة بطلب هذه العملية.
وبعد تقديم الطلب ودراسته من طرف المحافظ واستعدائه للأطراف لإنجاز عملية التحديد، وتعذر إجراؤها في التاريخ المحدد بسبب قوة قاهرة أو أي عذر مقبول، أو في حالة الحضور ولم تنجز هذه العملية أو أنجزت بشكل جزئي، يحرر محضر بذلك، يقوم المحافظ على الأملاك العقارية بإعلام المعنيين بالأمر بالتاريخ والوقت الذي ستنجز فيه من جديد، وذلك بواسطة الاستدعاءات وتعليق الإعلانات وفقا للفصلين 18 و 19 من ظ ت ع أو تبليغ المعنيين بالأمر شفويا في حالة الحضور، غير أن المشرع من خلال المرسوم المتعلق بتحديد شروط وكيفيات التدبير الإلكتروني لعمليات التحفيظ لم ينص على هذه الحالة ضمن مقتضياته، وهو ما يعني أن هذا المرسوم لم يصل بعد إلى الكمال كما هو الشأن بالنسبة للمنصة الإلكترونية، لكن وبالنظر إلى الواقع العملي يلاحظ وبشكل جلي عدم تفعيل هذه العمليات بشكل إلكتروني وذلك راجع بالأساس إلى التدرج في استعمال البوابات الإلكترونية المخصصة لهذه العمليات.
وبعد الانتهاء من عمليات التحديد أو التحديد التكميلي والمسح الطبوغرافي يتم إنجاز التصميم المتعلق بالعقار المطلوب تحفيظه، والذي يبين فيه حدود ومساحة العقار أو كل جزء من العقار، كما يتم تضمين به كل مميزات العقار المبينة بمحضر التحديد وتلك المعاينة أثناء المسح الطبوغرافية.
وكما هو الشأن بالنسبة لباقي الإجراءات المعالجة بشكل إلكتروني فإنه بالنسبة لطلب التصميم يمكن تقديمه بدوره بشكل إلكتروني عبر البوابة المخصصة لذلك داخل المنصة الإلكترونية للوكالة.
ثانيا : عمليات الإشهار بشكل إلكتروني
حتى لا تتم عمليات التحفيظ في جو من السرية والكتمان وتطبيقا لمبدأ العلنية في ميدان الشهر العقاري، وحتى يتمكن من يعنيهم الأمر بالاطلاع على أمر التحفيظ، فقد أقر المشرع المغربي من خلال ظهير التحفيظ العقاري عملية إشهار واسعة لجميع عمليات التحفيظ بدءا من مطلب التحفيظ وصولا إلى تأسيس الرسم العقاري.
وفي إطار التوجه المعلوماتي للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية بهدف تقريب الخدمات من المواطن وتسهيل الولوج إلى المعلومة وتيسير عنصر العلم لدى المالكين (طالبي التحفيظ كانوا أم متعرضين) حماية لأملاكهم، أحدثت هذه الأخير خدمة إلكترونية سميت بخدمة الإشهار العقاري، وتمكن هذه الخدمة من الاطلاع على خلاصات مطالب التحفيظ والخلاصات الإصلاحية والإعلانات بانتهاء التحديد وتسليم نظائر جديدة للرسوم العقارية والشهادات الخاصة وتغيير تسمية العقارات المحفظة وكذا الإعلانات المتعلقة بمساطر التحفيظ الخاصة المنشورة بالجريدة الرسمية، والتي لازالت الآجال المتعلقة بها جارية بما فيها الإشهار العقاري الرقمي، سواء تعلقت بمطالب التحفيظ أو الرسوم العقارية، حيث يكتفي المرتفق بالدخول إلى المنصة وإدخال بياناته وباختيار المحافظة العقارية الواقع بدائرتها العقار المعني، وبنقرة واحدة يحصل على جميع الإعلانات المتعلقة بالعقار، طبقا لما جاء في المادة 18 من المرسوم رقم 2.18.181 التي تنص على أنه: "يتم عبر المنصة الإلكترونية إشهار جميع الإعلانات المتعلقة بالتحفيظ العقاري المنشورة في الجريدة الرسمية، والتي لا تزال الآجال المتعلقة بها سارية المفعول".
وبذلك يكون المشرع قد أضاف وسيلة أخرى تحدث بالمنصة الإلكترونية للوكالة العقارية والمذكورة أعلاه (خدمة الإشهار)، إلى الوسائل المتاحة للقيام بعملية الإشهار الأخرى والمتمثلة في كل من الجريدة الرسمية، والتعليق لدى الجهات القضائية والإدارية (التعليق لدى المحكمة الابتدائية، التعليق لدى الجماعات الترابية والقيادات، التعليق لدى المحافظة العقارية)، وبالاستدعاء الشخصي لكل من يهمه الأمر.
ومن أهم ما يميز الإشهار عبر المنصة الإلكترونية للوكالة العقارية إمكانية الاطلاع المجاني على جميع الإعلانات التي تخص مختلف العمليات المتعلقة بعمليات التحفيظ العقاري والمنشورة بالجريدة الرسمية.
وما تجدر الإشارة إليه، أن الإشهار بالطريقة الالكترونية لا يغني عن استعمال وسائل الإشهار التقليدية المنظمة في ظهير التحفيظ العقاري المغير والمتمم بالقانون رقم 14.07، من خلال تعليق كل القرارات المتعلقة بالعقار موضوع التحفيظ التي تصل إلى كل من رئيس المحكمة وممثل السلطة المحلية ورئيس المجلس الجماعي، حيث يلتزم كل واحد من هؤلاء بتعليق ملخص مطلب التحفيظ، وتاريخ ووقت إجراء التحديد بمقر إدارته ليطلع عليه العموم.
وفي ختام هذه الفقرة يمكن القول إن الهدف الرئيسي من التدبير الإلكتروني لعمليات التحفيظ يكمن في إضفاء نوع من الاستقرار على المعاملات العقارية، وذلك بمعرفة المعلومات المتعلقة بعقار ما، وإبراز وضعيته القانونية والمادية الآنية والفعلية، سواء تعلق الأمر بتعيين ومعرفة هوية المالك الحالي أو السابق (أو الملاك السابقين)، أو تعلق الأمر بتعيين وتحديد هوية العقار (الموقع، الحدود، المحتوى، المساحة، ترقيمه الخاص...)، أو ما يرد عليه من حقوق وارتفاقات إيجابية أو سلبية، وبصور أعم لمعرفة كل المعلومات التفصيلية المتعلقة بالعقار، وتسهيل التعامل فيه.
المطلب الثاني : معيقات رقمنة عمليات التحفيظ العقاري
إن تحول الإدارات العمومية من نظام الإدارة التقليدية إلى نظام الإدارة الإلكترونية يعكس الرغبة الصادقة لدى الجهات المعنية بتحقيق أهداف تتفق وثورة المعلومات والاتصالات التي تحياها البشرية في الوقت الحالي، بحيث لم يكن تـأهيل الإدارة المغربية من أجل الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة مجرد تلميعا لوجه المغرب دوليا، وإنما هو نتيجة حتمية وواقعية للنهوض بالإدارة المغربية لتساير التطورات، وبناء على ذلك لا يتصور تقديم خدمات إلكترونية دون اللجوء إلى تبسيط المساطر الإدارية وإدخال بعض المرونة في إجراءاتها مع ما يصاحب ذلك من تعديل القوانين وتحسين في السلوك والممارسة الإدارية لتحسين العلاقة بين الإدارة والمواطن.
ونتيجة لتطور مجال التكنولوجيا وازدياد أهميته كان من الطبيعي أن يواكب القانون تطوراتها المتلاحقة، ومن غير المعقول أن يبقى القانون بمنأى عن هذه الثورة، خاصة وأن الحاسوب أدى إلى إحداث تطورات جوهرية في نقل المعلومات وتنظيم المعاملات بين الناس من عقود ومراسلات، بل شملت مجموعة من القطاعات الأخرى، وكان من بين أهم الإجراءات المتخذة في هذا الصدد مصادقة مجلس الحكومة على مشروع مرسوم رقم 2.18.181 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات التدبير الإلكتروني لعمليات التحفيظ العقاري والخدمات المرتبطة به، من أجل وضع إطار قانوني تنظيمي يحدد شروط وكيفيات التدبير الإلكتروني للعمليات المذكورة وذلك تطبيقا للفصل 106 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بالقانون رقم 14.07، وانسجاما كذلك مع القانون رقم 53.05 المعدل والمتمم بالقانون رقم 43.20 المتعلق بخدمات الثقة بشأن المعاملات الإلكترونية.
وبناء على ذلك تكون الإدارة الرقمية العقارية، قد أضحت تشكل أهمية بالغة، وذلك بالنظر لما أصبحت تقدمه من تسهيلات لطالبي التحفيظ لا على مستوى الوقت ولا على مستوى التكاليف وجودة الخدمات، وعلى الرغم من ذلك لا تزال الإدارة المذكورة لا ترقى لمستوى التطلعات، على اعتبار أنها تعاني من جملة من إكراهات تحول دون تحقيق الاستفادة الكاملة من إمكانات الإدارة الرقمية للمحافظة على الأملاك العقارية، وبالتالي توظيفها كأداة فعالة لتشجيع أصحاب العقارات على تحفيظ ممتلكاتهم.
ويمكن تصنيف أهم المعوقات التي تحول دون الاستفادة الكاملة من الإدارة الرقمية المذكور إلى معيقات اجتماعية (الفقرة الأولى)، إضافة إلى المعوقات الإدارية والتقنية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : المعيقات الاجتماعية
معلوم أن إصدار القوانين المتعلقة بالرقمنة في الوقت الراهن لا يمكن أن يكون إلا نتيجة للتطور الذي عرفته المجتمعات في مجال استعمال المعلوميات حتى أصبح يشمل المجال العقاري، وذلك بصدور المرسوم رقم 2.18.181 المذكور أعلاه، والذي سيمكن الملاك من تقديم طلبات التحفيظ بشكل إلكتروني عبر المنصة الإلكترونية للوكالة العقارية المختصة، وفي مقابل هذه المكنة نجد المواطن المغربي غير قادر على مسايرة ما يحدث من تطورات، فأغلب الأفراد وخاصة منهم الملاك ليست لهم أية دراية بالخدمات التي تقدمها الإدارة العقارية بشكل الكتروني، "فليس من الصعب إصدار قوانين حديثة ومتطورة بل الصعوبة تكمن في إيجاد بيئة تتماشى والقوانين الحديثة المذكورة وواعية بأهمية تطبيقها"، فكيف يمكننا تطبيق مثل هذه القوانين في ظل انتشار الأمية بنوعيها الأبجدية والرقمية- في صفوف المواطنين بشكل عام (أولا)، أضف إلى ذلك أن إجراءات التحفيظ تتطلب إمكانات مادية باهظة تؤدي بنفور أصحاب العقارات منها وتفضيل عدم سلوكها، اللهم إذا تعلق الأمر بالاطلاع على الإعلانات التي تكون مجانية (ثانيا).
أولا : الأمية الرقمية
إن استعمال الوسائط الإلكترونية لقضاء الأغراض بشكل عام لا يحتاج من الفرد أن يكون ضابطا للقراءة والكتابة فقط، وإنما يحتاج كذلك لما يسمى بالمعرفة الرقمية أو المعلوماتية، بحيث يكون عالما بكيفية استعمالها وعلى دراية بمخاطرها لتجنبها، بحيث إن الأمية لا تنحصر فقط في الأمية الأبجدية، بل تتخطاها إلى ما أصبحنا نسمع عنه اليوم بالأمية الرقمية سواء لدى مستعملي الخدمات الإلكترونية المقدمة التي يستفيدون منها أو لدى مستقبلي الخدمات المذكورة.
وتعد الموارد البشرية عنصرا أساسيا في منظومة التحديث الإداري والانتقال من نظام الإدارة التقليدية إلى نظام الإدارة الإلكترونية، حيث يمثل العنصر البشري وخاصة المؤهل والمدرب أهمية قصوى للإدارة العمومية لكونه يساعدها على استخدام الموارد الرقمية بشكل جيد، ويزودها بمعلومات توظيف وتحليل ودراسة المشكلات الإدارية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة، وإيجاد حلول ملائمة لها.
واعتبارا لما يشكله العقار من أهمية بالغة سواء على المستوى الاجتماعي أو على المستوى الاقتصادي، كان لابد من إيجاد سبل جديدة ومتطورة لتشجيع الملاك على تحفيظ عقاراتهم، وليس هناك وسيلة أفضل من استعمال الشبكة العنكبوتية للقيام بذلك، حيث أحدثت الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية منصة إلكترونية لتساعدهم على تحفيظ ممتلكاتهم.
إضافة إلى ذلك نجد الوكالة العقارية لا تتوفر على العنصر البشري المؤهل والمتمكن من استعمال الوسائط الإلكترونية، بحيث يبقى هو المورد الأساسي للاستخدام الأمثل للتكنولوجيا في الإدارات العمومية بشكل عام.
وبناء على ذلك، وبالنظر لحساسية المجال الذي تستخدم فيه المعلوميات، وفي غياب الثقافة الرقمية داخل المجتمع، فإنه يجب على الوكالة المذكورة أعلاه أن تعمل أولا على تكوين وتدريب أطرها على استخدام الوسائل الإلكترونية المتاحة لديها، بحيث يعد العنصر البشري المكون والمؤهل في مجال المعلوميات المورد الأساسي والمقدمة الرئيسية لتحقيق الاستخدام الأمثل لتكنولوجيا المعلومات والاتصال، والوصول إلى المستوى المطلوب للاستفادة من إمكانية المعلومات وتطوير العمل الإداري للمحافظة العقارية، وبالتالي مواكبة برنامج الإدارة الرقمية، غير أن ذلك لن يكون مواتيا إلا إذا تم العمل على :
- تخصيص إمكانات مادية لإدارة المحافظة العقارية لتكوين موظفيها
- تجهير إدارة المحافظة بالمعدات والبرمجيات اللازمة للعمل؛
- تخصيص مدة معينة لتدريب موظفيها بشكل يساير المتغيرات التي يعرفها العصر البشري من خلال وضع نظام تدريبي واضح
- الرفع من العنصر البشري داخل إدارة المحافظة العقارية متمكن من استخدام تكنولوجيا المعلومات.
أما بالنسبة للمستفيدين من الخدمات التي تقدمها الوكالة بشكل إلكتروني، ولمحاربة ضعف المعرفة الرقمية التي تسيطر على المجتمع المغربي، فيكفي القيام بحملات تحسيسية عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة لحثهم على اللجوء إلى التدبير الإلكتروني لتحفيظ عقاراتهم، وتوضيح المزايا التي توفرها الوكالة عبر هذه الخدمة.
ثانيا : المعيقات المادية
من بين الإكراهات التي تواجه الإدارة الإلكترونية بالمغرب عموما والإدارة العقارية خصوصا، نجد الإكراهات المادية، والتي لا تقتصر فقط على الأموال وإنما تشمل كل المنقولات والتجهيزات والأدوات وغيرها مما تحتاجه الإدارة الرقمية، فهذه الموارد تشكل إلى جانب العنصر البشري عنصرا أساسيا في نجاح التدبير الإلكتروني لعمليات التحفيظ عبر المنصة الإلكترونية للوكالة العقارية.
ولعل أهم عائق من العوائق المالية بالنسبة للإدارة يتعلق بالميزانية، إذ أن مستوى الإنفاق يبقى ضعيف على مستوى جميع القطاعات، أضف إلى ذلك أن العوائق المادية لا ترتبط فقط بندرة التمويل فحسب، بل تطال حتى القواعد العامة التي يخضع لها التدبير المالي العمومي، إذ يعتمد هذا الأخير على بنايات التمويل العمودي، والتي لا تتناسب بتاتا والاستثمار في مجال التكنولوجيا المعلوميات والاتصال.
ويجب على إدارة المحافظة العقارية للرفع من منسوب خدماتها المقدمة إلكترونيا، أن توفر :
- بيئة معلوماتية مناسبة
- بنية تحتية قوية قادرة على مواكبة التطورات
- تزويد موظفيها بالحواسب والتجهيزات الضرورية
- استعمال الأنترنيت الفائق السرعة.
ليست وحدها الإدارات العمومية التي تعاني من الضائقة المالية وقلة الموارد، وإنما الواقع يبين أن المرتفقين المستفيدين من خدمات الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية بدورهم ليست لهم موارد مالية كافية لتحفيظ ممتلكاتهم، خاصة أمام ارتفاع التكاليف المتعلقة بإجراءات التحفيظ وعدم القدرة على تسديد تكاليف الاستفادة من الخدمات على مستوى نفاذ الانترنيت.
وعلى الرغم من محاولة المشرع المغربي التخفيف من أعباء التنقل إلى المحافظة العقارية لتقديم مطالب التحفيظ بشكل يدوي من خلال تعويضها بالتدبير الإلكتروني، إلا أن ذلك يعتبر غير كافي، لأن المستفيد من خدمات المنصة الإلكترونية للوكالة، يكون مضطرا للحضور بشكل شخصي لإيداع أصول السندات والوثائق في حالة قبول طلبه المقدم عبر المنصة المذكورة.
الفقرة الثانية : المعيقات الأمنية والتقنية
إضافة إلى المعيقات أو الإكراهات التي سبقت دراستها، هناك معيقات أخرى تواجه التدبير الإلكتروني لعمليات التحفيظ العقاري، وتتمثل في كل ما هو تقني (أولا)، وأمني (ثانيا).
أولا : المعيقات التقنية
تتمثل المعيقات التقنية عموما في ضعف انتشار تقنية نظم المعلومات والاتصالات في الكثير من الدول النامية ومنها المغرب، خاصة إذا ما علمنا أن بعض هذه التقنيات دخلت إلى هذه الدول في وقت متأخر نسبيا مقارنة بالدول المتقدمة، ويعود ذلك لسبب رئيسي يتمثل في قلة الوعي العام بما توفره التقنيات المتحدث عنها من خدمات.
إضافة إلى ذلك، نجد الدول المذكورة لا تتوفر على بنية تحتية مناسبة تضمن تقديم الخدمات بشكل إلكتروني بالشكل الجيد والتي تغطي جميع حاجات المواطنين سواء كانوا مغاربة أم أجانب.
وإلى جانب هذه الإكراهات، تعاني الإدارة الإلكترونية المغربية من عدم تطوير النظم المعلوماتية من خلال صيانتها وتغيرها بما هو أفضل في ظل قلة مراكز الدراسات والاستشارات، إضافة إلى عدم وجود مواصفات ومعايير محددة لتحديث الأجهزة والبرامج في مجال تقنية المعلومات.
ولكي يتم استغلال المنصة الإلكترونية للوكالة العقارية بالشكل المطلوب، يجب أولا توفير بيئة إلكترونية آمنة ومحصنة من أجل حماية المعلومات والمحافظة عليها وعلى سريتها خاصة مع تزايد انتشار الفيروسات والاختراقات بكافة أشكالها وأنواعها، الأمر الذي يقتضي خلق مرتكزات تكاملية تحافظ على خصوصية المعلومات في البيئة الرقمية والتي دعى إليها كذلك النموذج التنموي الجديد مثل :
- توفير أدوات الحماية التقنية تتيح للمستخدم التعامل معها
- استعمال الرقمنة في حدود الأمن الرقمي المتاح
- البعد القانوني المتمثل في توفير مقتضيات كفيلة بحماية المسائل الشخصية
- البعد التوعوي للحماية والتعرف على الوسائل اللازمة لضمان حمايتها.
ثانيا : المعيقات الأمنية
ونقصد هنا المعلومات الإلكترونية، أي توفير الوسائل والإجراءات التي تحقق الحماية من الأحداث المستقبلية غير المرغوب فيها، حيث أصبحت التهديدات الإلكترونية من التعقيد بمكان، حيث بات من الصعب حصرها أو تطوير استراتيجيات محكمة لمواجهتها بشكل كامل خاصة مع تعدد أشكالها ومصادرها وتطورها المتسارع والمستمر، كما أنها لم تعد تستهدف الإضرار بالبشر بصورة مباشرة، وإنما تؤثر على الفضاء الإلكتروني من خلال التأثير على الأنظمة والشبكات والأجهزة التي تستخدمها الإدارة والأفراد معا.
والملاحظ بهذا الخصوص أن سرعة تطور المجال المعلوماتي يقابلها بطء شديد على مستوى سن القوانين، وكذلك البطء على مستوى اختراع آليات معلوماتية كفيلة بحماية وتحصين المصنفات الرقمية من كل التهديدات التي قد تواجهها.
وبالنظر إلى كون الخدمات الإلكترونية التي تقدمها مختلف الإدارات المغربية بشكل إلكتروني ومن بينها الإدارات العقارية، تتطلب الإدلاء ببعض المعلومات سواء كانت متعلقة بالعقار المراد تحفيظه (كالإدلاء بالمرجع العقاري والإدلاء ببعض الوثائق المهمة تعتبر غاية في الأهمية بالنسبة لطالب التحفيظ)، أو كانت متعلقة بشخصه (الرقم الهاتفي أو البريد الإلكتروني، أداء الرسوم بشكل إلكتروني...)، ففي حالة عدم توفر الوسائل الحمائية من المخاطر التي تهدد نظم المعلومات يمكن لمستفيدين من خدمات الإدارة العقارية أن يتعرضوا لتسريب معلوماتهم الشخصية واختراق حساباتهم البنكية.
ولأن أجهزة الإدارة الإلكترونية تعمل في فضاء مفتوح، يتدخل فيه مختلف أجناس البشر فإنه يكون عرضة للاختراق من طرف المنظمات الإرهابية والقراصنة والهاكرز ومحترفو الكراك ومجرمو الحواسيب، الأمر الذي يتطلب تزويد البيانات أو المعلومات أو المخرجات الكمبيوترية الخاصة بالإدارة الإلكترونية، على اعتبار أن الإدارة تستأنف عملها بمجرد اتصال الحاسب الآلي بالشبكة، وبالتالي سهولة اختراقها من طرف القراصنة والمخترقين، وهو أمر عالجه التقرير العام للنموذج التنموي الجديد الذي جاء في إحدى توصياته بضرورة ضمـان الثقـة الرقميـة للمسـتعملين مع وجوب تسـريع وتيرة إنتاج النصـوص القانونية والمراسـيم التطبيقيـة المتعلقة بالجرائـم الإلكترونيـة وتدبيـر المعطيـات الشـخصية، وكـذا وضع إطار مؤسسـاتي يضمن الاعتـراف القانونـي الكامـل بالتفاعـلات الرقميـة والقيمـة القانونيـة للوثائـق الرقميـة مـن خـال التوقيـع الإلكترونــي والتعريــف الرقمــي الموحــد للمواطــن، مــع الحــرص التــام علــى احتــرام الضمانــات المتعلقــة بحمايـة المعطيـات الشـخصية.
عموما فإن الفجوة الرقمية لا زالت تشكل عائقا أمام تطور الإدارة الإلكترونية على المستوى الوطني، رغم وجود بعض التطورات الملحوظة، وبالتالي لا زالت هناك تحديات من أجل الرفع من مستوى تكنولوجيا المعلومات والاتصال في المجتمع وتقليص الفجوة الرقمية.
خاتمة:
من خلال هذه الدراسة، تبين أن المشرع المغربي تبنى عدة آليات لتسوية الوضعية القانونية للعقارات، والتي نجد من بينها إحداث منصة إلكترونية خاصة بالوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، وذلك بإصداره للمرسوم المتعلق بالتدبير الإلكتروني لعمليات التحفيظ العقاري، والذي جاء بمجموعة من المميزات والخصائص لا شك أنها سترفع من جودة خدمات الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية، كما سيساعد على وجه الخصوص المغاربة والأجانب المالكين للعقارات في المغرب من تتبع وضعية عقاراتهم، وما يمكن أن يقع عليها من تصرفات في غيبتهم، غير أن استفادتهم من هذه الخدمات والعمليات مشروط بالانخراط في المنصة الإلكترونية للوكالة، تفاديا للتعقيدات وطول الإجراءات التي تعرفها الطريقة الكلاسيكية في معالجة عمليات التحفيظ العقاري، والتي ستمكن من معالجة مجموعة كبيرة من الطلبات والقيام بكم هائل من الإجراءات في ظرفية قياسية وبوسائل عمل مريحة مما سيسرع من وتيرة تعامل المرتفقين مع الإدارة تدريجيا، وسيساهم في تطور وتحسين الوضعة العقارية بالبلاد وحل العديد من المشكلات التي تعاني منها الأنظمة العقارية.
لكن ذلك لن يتأتى إلا من خلال تحصين المنصة الإلكترونية من الاختراقات والاعتداءات على البيانات الشخصية للمرتفقين، بسن المشرع مجموعة من القوانين تنظم الجرائم المعلوماتية، والتي تهدف بالأساس إلى ضمان سلامة النظم المعلوماتية من شتى المخاطر التي تهددها من الفيروسات والاختراقات، وكذا حفظ البيانات الشخصية لمستعملي خدمات الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية، إلى جانب المسؤولية التي تترتب عن الاستعمال السلبي للوسائط الإلكترونية، من قبل مستخدمي الوكالة خاصة في حالة التحايل في إدراج المعلومات بالتطبيقات الخاصة بتدبير اجراءات التحفيظ العقاري والخدمات المرتبطة به والإدلاء بوثائق مزورة.
ومـن أجـل التعبئـة الكاملـة للإمكانـات التـي تتيحهـا الرقمنة فيما يخـص الأوراش التنمويـة للبلاد واستغلالها في المجال العقاري، يتعيـن تخطي بعض التحديات والتي جاء بها النموذج التنموي الجديد والتي نجد من بينها :
اعتمــاد اســتراتيجية للتحــول الرقمــي يعهــد بإدارتهــا إلــى أعلــى مســتوى
تأهيــل البنيــات التحتيــة الرقميــة للصبيــب العالــي والعالــي جــدا الثابــت والمحمــول، وتوســيع نطاقهــا لتشــمل مجمــوع التــراب الوطنــي حتــى يتمكــن كل المواطنيــن مــن الولــوج إلــى هــذه الخدمــة.
الرفـع مـن مسـتوى المنافسـة فـي سـوق الصبيـب العالـي للأنترنيـت الثابـت والمحمـول، تحـت المراقبـة الفعليـة للوكالـة الوطنيـة لتقنيـن المواصـلات، وذلـك عـن طريـق فسـح المجـال لولـوج فاعليـن جـدد فـي مجـال البنيـات التحتيـة أو تقديـم خدمـة الولـوج إلـى الأنترنيـت.
ويجـب أن يكـون هـذا الاسـتدراك علـى مسـتوى تجهيـزات الربـط مدعمـا مـن طـرف صنـدوق الخدمـة الأساسـية للمواصـلات ، وتطويـر منصـات رقميـة بالنسـبة لـكل الخدمـات المقدمـة للمواطنيـن والمقاولـة، وكـذا منصـات تســمح بالمشــاركة علــى المســتوى الوطنــي والترابــي. ويبقــى تســريع رقمنــة الإدارة ضــرورة مســتعجلة مــن خــلال إنشــاء منصــة رقميــة موحــدة تســمح للمواطــن بالولــوج إلــى كل الخدمــات الإداريـة الضروريـة لحياتـه اليوميـة.
تكويـن الكفـاءات بأعـداد كافيـة تكـون قـادرة علـى إنجـاز التحـول الرقمـي وتنفيـذه علـى أرض الواقـع وسيســاهم التكويــن المكثـف للشـباب فـي المياديـن الرقميـة أيضـا فـي تعزيـز إدماجهـم وولوجهـم إلـى سـوق الشـغل فـي ظـل السـياق الاقتصـادي لمـا بعـد جائحـة كوفيـد 19.
وفي الأخير لابد من العمل على اسـتكمال الإطـار القانونـي الهـادف إلـى ضمـان الثقـة الرقميـة للمسـتعملين والسـيادة الرقميـة للمملكـة، فـي هـذا الصـدد، يجب تسـريع وتيرة إنتاج النصـوص القانونية والمراسـيم التطبيقيـة المتعلقة بالجرائـم الإلكترونيـة وتدبيـر المعطيـات الشـخصية، وكـذا وضع إطار مؤسسـاتي يضمن الاعتـراف القانونـي الكامـل بالتفاعـلات الرقميـة والقيمـة القانونيـة للوثائـق الرقميـة مـن خـال التوقيـع الإلكترونــي والتعريــف الرقمــي الموحــد للمواطــن، مــع الحــرص التــام علــى احتــرام الضمانــات المتعلقــة بحمايـة المعطيـات الشـخصية.
لائحة المراجع :
- خيري محمد، العقار وقضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي، مطبعة المعار الجديدة CTP -الرباط، طبعة 2014؛
- عبد الحكيم زروق، التنظيم القانوني للمغرب الرقمي، مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2013؛
- محمد الحياني، عقد البيع وقانون التحفيظ العقاري بالمغرب، الطبعة الأولى يناير 1994 مطبعة وراقة؛
- أمال جداوي، المؤسسات المتدخلة في عملية التحفيظ العقاري، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية-وجدة-، السنة الجامعية 2012/2013؛
- أحمد الشرقاوي، الإدارة الإلكترونية بالمغرب، الواقع والتحديات الإدارية والقانونية، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة محمد الخامس الرباط، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي، الموسم الجامعي 2010/2009؛
- بوحجة أحمد ناه، دور الإدارة الإلكترونية في تحديث الخدمات المحلية بالمغرب، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش، السنة الجامعية 2009/2010؛
- عبد الرحيم العم، الموجز في التدبير الإلكتروني لعمليات التحفيظ العقاري، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة مولاي إسماعيل، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية-مكناس، الموسم الجامعي 2019/2018؛
- ياسين النحيلي، رقمنة الإدارة العقارية -بين ضرورة حماية الحقوق واكراهات التطبيق-، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية -عين الشق، السنة الجامعية 2019/2018؛
- مروان الحبشي، دور الرقمنة في جلب الاستثمار، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- سطات، الموسم الجامعي 2019/2020؛
- مختار بلبال، الترقيم العقاري في التشريع الجزائري والمقارن، مذكرة لنيل شهادة الماستر شعبة الحقوق، جامعة ابن خلدون تيارات الملحقة الجامعية قصر الشلالة، الموسم الجامعي 2016/2017؛
- سريع المتوكي، الإدارة الإلكترونية بالمغرب ورهان التنمية-وزارة العدل نموذجا، رسالة لنيل دبلوم الماستر، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية المحمدية، الموسم الجامعي 2010/2011؛
- صلاح الدين أبو حنين، الإدارة الإلكترونية بين رهان تجويد العمل الإداري تحدي الأمن المعلوماتي، رسالة لنيل دبلوم الماستر، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانون والاقتصادية والاجتماعية-مراكش، الموسم الجامعي 2019/2018؛
- الطريبق بدرية، دور الإدارة الرقمية في تحديث وعصرنة الإدارة العمومية بالمغرب، مقال منشور بمجلة استشراف للدراسات والأبحاث القانونية، عدد 3 و4 أبريل 2019؛
- أمزيل حمزة، آفاق المحافظة العقارية الرقمية في حكامة التسيير الإداري والحد من ظاهرة الاستيلاء على الملكية العقارية، مقال منشور بمجلة العدالة للدراسات القانونية والقضائية العدد 5 يوليوز 2020؛
- محمد عميمي، استعمال التقنيات الحديثة في ميدان التحفيظ العقاري، مداخلة من ندوة وطنية حول موضوع "ثمانون سنة من التحفيظ العقاري: حصيلة وآفاق 1913-1993، لوزارة الفلاحة والاستثمار الفلاحي، مطبوعات ومنشورات مديرية المحافظة على الأملاك العقارية؛
- عبد الكريم نفيل، تدبير مصالح المحافظة العقارية لزمن جائحة كورونا (كوفيد-19)، مقال منشور بمجلة فضاء المعرفة القانونية/ العدد الخامس/ أكتوبر 2020؛
- علي العطري، قواعد البيانات العقارية في خدمة نظام التحفيظ العقاري، الندوة الوطنية حول موضوع "الأمن العقاري"، دفاتر محكمة النقض عدد 26؛
- ختام العمراني بوخبزة، التدبير الالكتروني الخاص بعمليات التحفيظ العقاري المغربي دراسة وفق مرسوم 2.18.181، مقال منشور بمجلة القانون المدني، العدد السابع 2020/2021؛
- الزكراوي محمد، التدبير الالكتروني لعمليات التحفيظ العقاري والخدمات المرتبطة به، مقال منشور بالموقع التالي : https://www.droietentreprise.com/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%af%d8%a8%d9%8a%d8%b
- محمد برادة، مظاهر تأثير القوى الاستعمارية على الرسوم العقارية بالمغرب، مقال منشور بالموقع التالي :
- https://www.hespress.com/%D9%85%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1
مقال إجراءات التحفيظ العقاري بين متطلبات الرقمنة وإكراهات الواقع إعداد الطالب بلال الغماري خريج ماستر قانون الأعمال بتطوان.
تعليق