العوامل النفسية والإجتماعية للتهرب الضريبي بالمغرب

العوامل النفسية والإجتماعية للتهرب الضريبي بالمغرب

العوامل النفسية والإجتماعية للتهرب الضريبي بالمغرب
 العوامل النفسية والإجتماعية للتهرب الضريبي بالمغرب 
  اعداد الطالبيوسف الحيمر
  اللغة العربية 
  التصنيفرسالة
  الفئةالقانون الضريبي
  السنة الجامعية2022/2021
  عدد الصفحات174
  صيغة الملفPDF
  حجم الملف7MO
  موقع التحميلGoogle Drive
العوامل النفسية والإجتماعية للتهرب الضريبي بالمغرب

مقدمة

   تعتبر الضريبة الوسيلة الرئيسية والمهمة في تحقيق أهداف الدولة، وخاصة الدول ذات الموارد والثروات الطبيعية والصناعية المحدودة، فهي وسيلة ناجعة تمكن الدولة من التدخل الإيجابي في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

 من جهته، فقد وصف Ardant .G الضريبة بقوله التالي " أريد أن أتحدث إليكم عن المؤسسة الأكثر انتقادا والأكثر إزعاجا، والأكثر غرابة والأكثر فظاعة والأكثر شناعة، وهي الضرائب، ومع ذلك فهؤلاء الذين يحسون بهذه المشاعر المختلفة هل تساءلوا يوما، كيف يعيشون بدون ضرائب، أي بدون دولة، بدون مصالح عمومية، بدون مدارس لتعليم  أبنائهم، وبدون شرطة وبدون جيش للدفاع عنهم، وبدون مستشفيات لعلاجهم".

 بهذا الوصف، تشكل الضريبة مجالا خصبا لتنازع المصالح الخاصة والعامة، هذا ما جعل كل ضريبة مهما بلغت درجة عدالتها واتقانها مرفوضة، وما يكرس كذلك هذه النظرة السلبية للجباية هو كونها اقتطاع مادي يتصف بعنصر الإجبار وبدون مقابل معين، وذلك من أجل تغطية الأعباء العامة ، مما أصبحت معه هذه الأخيرة مرتبطة بنفسية الملزم والضغط والإكراه، مخلفة بذلك ظاهرة النفور من أداء الضرائب أو ما يصطلح عليه  بالتهرب الضريبي .

 لقد اعتبرت الضريبة في المجتمعات البدائية مجرد مساهمة اختيارية ، يؤديها الفرد طواعية إسهاما منه لتحمل نصيبه من الأعباء العامة، ولم تكتس صفة الجبرية الإلزامية على الأشخاص، وبعد ذلك على الأموال إلا في ظل ما كان يسمى " بالدولة الحارسة ". 

حيث ساد نظام اقتصادي ليبرالي، يتسم بحرية التبادل بين الأفراد تحت رقابة الدولة التي 4 كانت تلتزم الحياد الضريبي المطلق في مواجهة الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية للأفراد. أما من الناحية القانونية تعتبر الضريبة التزام وواجب وطني دستوري، ألا وهو المساهمة في تحمل النفقات الاجتماعية والاقتصادية للدولة عبر تمويل خزينتها، بغية تحقيق العدالة الاجتماعية بين مختلف شرائح المجتمع.

 إن بلوغ هدف العدالة الاجتماعية، من الضروري أن نمر عبر العدالة الضريبية التي تتمثل في قدرة المواطن على أداء الضريبة، أي أن الضريبة يجب أن تنبني على مبدأ أساسي في فرضها، وهو مبدأ القدرة على الدفع ومدى استفادة المواطن من خدمات الدولة، فهذا المبدأ نجد أساسه القانوني في الفصل 39 من الدستور لسنة ،2011 الذي ينص على أنه " على الجميع أن يتحمل، كل على قدر استطاعته، التكاليف العمومية، التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها، وفق الإجراءات المنصوص عليها في الدستور". وأيضا الفصل 40 من نفس الدستور، الذي ينص على أنه " على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء، الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد".

 انطلاقا من الفصلين يتضح لنا أن لضريبة أهمية في تنمية البلاد من خلال مساهمة أفرادها وتضامنهم بشكل متساوي، فالضريبة تساهم بشكل عام في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، عن طريق حماية الاقتصاد من التضخم والانكماش، كما توظف من أجل حماية الإنتاج الوطني من المنافسة الأجنبية وتحسين الثروة بين مختلف فئات المجتمع. 

 إن كل نظام ضريبي هو ثمرة لمسار تضافر مجموعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والضريبة باعتبارها ظاهرة اجتماعية ميزت تاريخ المجتمعات على مر العصور، وساهمت في خلق العديد من المؤسسات، بل الأكثر من ذلك فإن الفقيه (Schumpeter) يرى بأن الضريبة ساهمت في خلق مؤسسة الدولة نفسها وأعطتها شكلا  ومضمونا وأصبحت تشكل أبرز مظاهرها. 

إلا أن الذي ينقص أهمية الضريبة ويهدد وجودها، هو احتيال الملزم بالضريبة للتهرب من التزاماته التي يفرضها القانون، حيث يؤدي هذا الأخير إلى إحداث آثار سيئة سواء من ناحية ضآلة حصيلة الضرائب، أو من ناحية عدالة توزيع العبء الضريبي على النحو الذي سطره واضعوا السياسة الضريبية، إذ يزداد العبء بالنسبة لمن قاموا بأداء التزاماتهم الضريبية على الوجه الاكمل، بينما يتلاشى هذا العبء بالنسبة لمن تمكنوا من التهرب من هذه الالتزامات الضريبية أو من جانب منها، وذلك راجع لاختلاف ثقافة الملزمين وسلوكياتهم تجاه الضريبة.

 على مر العصور وفي مختلف الحضارات، كانت الضرائب ومازالت من أهم العوامل المؤثرة في سلوكيات الأفراد والجماعات والشعوب، وأحد أهم أسباب الشغب والتمرد والمظاهرات والثورات، بل إننا قد لا نكون مبالغين إذا قلنا إنها قد أدت في كثير من الأحيان إلى تغيير الحكومات نفسها، مما يجعلنا نقول إن الضرائب لها كثير من النتائج السلوكية والآثار النفسية التي تشكل بعضا من سيكولوجية الفرد والجماعة، فضلا عن أنها من أهم المحددات النفسية والاجتماعية لأنماط القيم التي يتبناها الفرد تجاه الدولة .

 في هذا الصدد، قد يرجع سلوك التهرب من أداء الضريبة على أساس فكرة مؤداها أنه سلوك مضادا للقانون والدولة وليس سلوكا مضادا للمجتمع، وبمفهوم المخالفة لو كانت الضرائب عرفا وتقليدا اجتماعيا، وليس شرطا قانونيا لدفعها الناس طواعية وعن طيب خاطر . 

تبعا لذلك، وبالرجوع إلى التراكم الذي عرفته أطراف العلاقة الضريبية، فإن تاريخ هاته الأخيرة، أبان عن تنافر وتصادم لا عن قبول وتعاون، والأسباب وراء ذلك كثيرة منها ما يرجع إلى الخاضع للضريبة، ومنها ما يرجع إلى الإدارة كطرف، ومنها ما يعود إلى  السياسة المالية الممنهجة ، مما دفعهم إلى رفض الانخراط في الالتزام الضريبي. 

تجدر الإشارة إلى أن التهرب الضريبي ليس وليد الصدفة، وإنما قديم قدم الضريبة  نفسها، كان وما يزال لصيقا بها ، حيث يرجع انتشار هذه الظاهرة إلى وجود بيئة توفرت فيها الشروط الملائمة لها والتي ساعدت في نموها واتساعها، والتي آثرت بشكل أو بآخر على الجانب النفسي وكذا الاجتماعي للملزم باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة الضريبية، ما جعله يرفض فكرة أداء ما عليه من واجبات ضريبية.

 في إطار الأمانة العلمية ، والبحث الموضوعي بخصوص موضوعنا "العوامل النفسية والاجتماعية للتهرب الضريبي بالمغرب" وفي إطار المنهج العلمي الرصين، يقتضي منا أولا إلقاء الضوء على بعض المفاهيم الأساسية التي تعتبر ركيزة هذا البحث، قبل معالجة إشكاليته، وذلك تيسيرا للفهم، وخروجا من دائرة الغموض والإبهام إلى مجال الوضوح والتجلي نظرا لتقارب المفاهيم.

 المفاهيم ذات صلة بالبحث. 

- الضريبة 

من اللافت للانتباه أن التشريع الجبائي المغربي لا يتضمن أية إشارة إلى مفهوم الضريبة، بل اكتفى بتعداد أنواعها و أنواع الدخول و العمليات الخاضعة للضريبة، وقد عمد الفقه إلى تقديم تعريف لهذا المفهوم باعتبار العناصر التي تتمحور حولها الضريبة، على المستوى المالي ، و الاقتصادي، و الإداري، و قد أورد الأستاذ "إبراهيم أولتيت " تعريفا لهذا المفهوم انطلاقا من حكم المحكمة الإدارية بوجده في أحد أحكامها، كما يلي : "وحيث أنه من المقرر قانونا أن الضريبة كاقتطاع نقدي تفرضه الدولة على الأشخاص الخاضعين للضريبة، بقصد الحصول على الموارد اللازمة لتمويل الأعباء العامة، يجب أن تفرض مرة واحدة على الواقعة المنشئة لها في إطار الإجراءات المتطلبة قانونا، و لا يجوز فرضها مرة ثانية في غير حالة تصحيح الإقرار و إلا اعتبرت من باب الازدواج الضريبي، الذي يحرمه القانون و يجعله من باب المطالبة بغير المستحق".

 حسب جاستون جيز Jéz Gaston يعني مفهوم الضريبة " أنه كلما كانت هناك   نفقات كلما كانت هناك ضرورة لتغطيتها، وبالتالي تعرف الضريبة على أنها أداء مالي يقتطع من الأفراد، أشخاصا ذاتيين ومن الأشخاص المعنويين، بشكل مباشر دون مقابل من أجل تغطية نفقات الدولة.

 تشكل الضريبة إذن مساهمة مالية إلزامية يتم فرضها من طرف الدولة على الأنشطة، والوظائف، والدخل سواء على الأفراد أو المنشأت، وتعرف الضريبة أيضا بأنها نوع من أنواع الموارد المالية للدولة، وتفرض على مجموعة من القطاعات ومنها الأعمال التجارية، مثل الخدمات والسلع. 

- التهرب الضريبي

 مازال الخلاف قائما بين الفقهاء حول تحديد مفهوم التهرب الضريبي، فمنهم من يأخذ بالمفهوم الضيق لهذا التصرف حيث يشترط لتوفره مخالفة الفاعل لأحكام القانون، ومنهم من يفضل الأخذ بمفهومه الواسع حيث يعتبر التهرب الضريبي متوفرا كلما تم اللجوء إلى استعمال أساليب تمكن الفاعل من التخلص كليا أو جزئيا من الضريبة المستحقة لفائدة الخزينة العامة، سواء اقترن ذلك أو لم يقترن بنص قانوني.

 في هذا السياق حاول كثير من الفقهاء إعطاء تعريف لسلوك التهرب الضريبي ، إلا أن الذي عرفه محاولاتهم كانت محل انتقادات عديدة، فمن بينهم السيد "محمد كامل الحاروني" بأنه "الإخفاء المتعمد لمصدر من مصادر الإيراد الضريبي فلا تفرض عليه الضريبة المستحقة" أما السيد "GOYET "فقد فرق بين التهرب الضريبي المركب وبين التهرب الضريبي البسيط، حيث عرف الأول بأنه "كل فعل أو إغفال تم اقترافه عن سوء نية وبطرق تمكن الفاعل من التهرب من أداء الضريبة المستحقة عليه قانونا" بينما عرف الثاني بأنه "كل إخفاء أو محاولة إخفاء متعمد لضريبة مستحقة، عن طريق القيام بأي فعل أو إغفال ناتج  عن استعمال طرق احتيالية" . 

 استنادا إلى ما سبق يمكن تعريف التهرب الضريبي على أنه " مخالفة للنظم والقوانين الضريبية، بهدف التخلص كليا أو جزئيا من الضريبة المستحقة لفائدة الخزينة العامة أو التقليل من أسس فرضها عن طريق إخفاء مصدر من مصادر الإيراد أو القيام بأفعال هادفة أو باستعمال سلوكيات ومناورات احتيالية". 

 إن التهرب الضريبي يختلط كذلك بمفاهيم أخرى مثل :

  •  الغش الضريبي 

يعرف الغش الضريبي بأنه الخرق المتعمد للقوانين الجبائية، فهو مخالفة صريحة للقانون الضريبي المطبق بهدف التملص من أداء الضريبة المستحقة للخزينة أو المساهمة في تحقيقه بوسائل محظورة قانونا.

 ويفرق العديد من الاقتصاديين بين الغش الضريبي والتهرب الضريبي، باعتبار أن الأول مرادف للتهرب الضريبي غير المشر وع ، أي التهرب المنظور إليه بمفهومه القانوني، بينما ينصرف الثاني إلى التهرب الضريبي المشروع ، أي التهرب المنظور إليه بمفهومه الاقتصادي.

 من الناحية الاصطلاحية هناك فرق بين المصطلحين : فكلمة التهرب الضريبي تعني باللغة الفرنسية، "fiscal évasion’L " أما كلمة الغش الضريبي فتعني، "fraude la fiscale "ولهذا حاول الفقيه Claude Jean martinez أن يؤكد على أنه رغم المعايير المقترحة للتمييز بين الغش الضريبي والتهرب الضريبي ، لازال هناك نقص على مستوى تحديد هذا المفهوم وتجلياته، خاصة على المستوى القانوني غير واضح. 

  يمكن القول، أنه على المستوى الواقعي نجد هناك خلط في تحديد مفهوم التهرب الضريبي، بحيث نجد هناك من يسميه بالمخالفة الضريبية أو الغش الضريبي الشيء الذي يطرح عدة إشكاليات على مستوى التمييز بين المفهومين.

  •  التجنب الضريبي 

يقصد بالتجنب الضريبي أن تفرض الضريبة على تصرف معين مثل البيع والشراء، لكن المكلف رغبة منه في عدم دفع الضريبة ، يعمل على عدم تحقق الواقعة المنشئة لها فتصرفه يكون سلبيا .

 إذن فالتجنب الضريبي يتحقق بالتحايل المشروع من الوجهة القانونية للتملص من عبء الضريبة، ويمكن الوصول إلى هذا التجنب باستغلال أي نقص في التشريع الجبائي، فالتجنب الضريبي هو التخلص من عبء الضريبة كليا أو جزئيا دون مخالفة أو انتهاك لأحكام القانون.

 انطلاقا من التعريفات السابقة، نرى أنها تصب في خانة واحدة، وهي خانة التهرب الضريبي الصادرة عن الملزم انطلاقا من محددات نفسية و أخرى اجتماعية، مشكلا آثار سلبية متمثلة في انتفاء المساواة بين المكلفين في تحمل عبء الضريبة، ما ينتج عنه رفع الدولة لمعدلات الضرائب الموجودة أو إضافة ضرائب جديدة، فيزداد العبء على من لم يتهرب من الضريبة لتصبح بذلك عاجزة عن تحقيق التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع.

 ناهيك عن غياب التوازن في الحقوق بين أطراف العلاقة الضريبية، مما أصبح لزاما على الإدارة الضريبية تخليق و آنسنة عملها لتقرب من الملزم، الذي ظل بعيدا عنها مند عقود مرسخا في ذهنه الفكرة السلبية للضريبة، ومن هنا جاءات دوافع اختيارنا لموضوع "العوامل النفسية والاجتماعية للتهرب الضريبي"، وذلك بهدف تحليل و تمحيص أهم المحددات النفسية و الاجتماعية للملزم الضريبي، من قبيل الوعي الضريبي و المواطنة الضريبية ومدى آثارها على الالتزام الجبائي، دون إغفال دور الإدارة الضريبية في تسهيل عملية الأداء، حتى تتمكن من حصر أكبر عدد من الملزمين وتحقيق بطبيعة الحال الموارد المستحقة للخزينة من جهة، والرضى الضريبي للملزمين من جهة آخرى لمعالجة ظاهرة التهرب الضريبي والتي تعتبر من الإشكالات الراهنة التي تعاني منها جل الدول سواء المتقدمة أو النامية.

 إن أهمية الموضوع الذي نحن بصدده، تتجلى في كون الضريبة هي أساس الارادات العامة للدولة، لذلك فالتهرب الضريبي يشكل إحدى المعيقات الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما أن هذه الظاهرة تكشف مدى خطورة التوزيع الضريبي بشكل غير عادل بين المكلفين بالإضافة إلى حجم الإعفاءات التي يستفيد منها اللوبي المؤثر في التشريع الضريبي، وقد يؤثر هذا على نفسية المكلفين النزهاء بلجوئهم إلى التهرب الضريبي، كما أن هذا الأخير يشكل نقطة اهتمام المشرع باعتبارها منتشرة في العديد من الميادين، وتضر بمالية الدولة. 

إشكالية البحث

 تأتي إشكالية البحث لرصد أهم التمظهرات النفسية والاجتماعية للتهرب الضريبي، الذي يشكل أكبر تحديات الإدارة الجبائية ومعرفة مدى أثارها على العلاقة بين الملزم والإدارة الضريبية. 

هذه الإشكالية تفرض علينا طرح عدة تساؤلات تشكل الإجابة عنها محور هذا البحث. 

الأسئلة الفرعية 

 إن تناول موضوع العوامل النفسية والاجتماعية للتهرب الضريبي بالمغرب، يفرض علينا التساؤل حول تأثير العوامل النفسية والاجتماعية على المكلف في المجال الضريبي؟ وإلى أي حد ينتشر الوعي الضريبي لدى المكلف حتى يخضع للأداء الضريبة ؟ 

 تليه مجموعة من التساؤلات التي سيتم مقاربتها على طول صفحات البحث ، وفق منهجية تهدف الكشف عن المظاهر النفسية والاجتماعية للتهرب الضريبي ، ومدى تجليات الموازنة بين طرفي العلاقة الجبائية.

 ولتحليل هذه الإشكالية والإجابة عن الأسئلة التي تطرحها، كان من الضروري الاعتماد على مناهج يفرضها علينا البحث العلمي الرصين.

 المناهج المعتمدة في البحث

 من أجل تبيان الدوافع النفسية والاجتماعية التي كانت وراء اتساع ظاهرة التهرب الضريبي بين المكلفين، سنتبع المنهج الوصفي التحليلي وكذا نتائج الاستبيان المعتمد في هذا البحث من أجل الحصول على النتائج الدقيقة، ورصد وتحليل تمظهرات العوامل النفسية والاجتماعية للتهرب الضريبي واستخلاص أهم الأسباب والأبعاد المساهمة فيه. 

فرضية البحث 

 إن ظاهرة التهرب الضريبي وما تشكله من تحديات للإدارة الجبائية بصفة خاصة، ولخزينة الدولة بصفة عامة، ولما يكتسيه من أهمية فإنه تحتم علينا وضع فرضية تتمثل كالأتي :

 يمكن القول إن اتساع هذه الظاهرة يرجع بالأساس لتأثر العقيدة الجبائية لدى الملزم، مما ينعكس على نفسية هذا الأخير في عدم الامتثال للواجب الضريبي، وذلك قد يعود للمنظومة الجبائية المتسمة بالتعقيد وعدم مرعاة القدرة التكليفية للملزم من جهة ، ولغياب التوازن في الحقوق بين الملزم والإدارة صاحبة السلطة من جهة ثانية. 

 إن دراسة وتحليل موضوع العوامل النفسية والاجتماعية للتهرب الضريبي يفرض علينا في فصله الأول التطرق واستخلاص أهم المكونات المؤثرة في العامل النفسي ، خاصة ما يتعلق بالمواطنة والوعي الضريبيين وتأثيرهم على الالتزام الجبائي، بالإضافة إلى إشكالية الضغط الضريبي واندثار العدالة الجبائية اللذان يعتبران من أهم الأسباب الاجتماعية المساهمة في التهرب الضريبي (الفصل الأول).

 أما فيما يتعلق بالشق التطبيقي من الفصل الثاني، سنحاول جرد نتائج الاستبيان المعتمد في هذا الصدد، حتى نتمكن من رصد طبيعة العلاقة بين الملزم والإدارة الضريبية ومدى توازن حقوق هذين الأخيرين ، وهذا ما سيدفعنا لاعتماد تقنية تحليل النصوص القانونية كآلية للإجابة على الإشكالات المطروحة، و رصد تجليات وتأثير العوامل النفسية والاجتماعية على العلاقة الضريبية، ومعرفة ما إذا كانت للإدارة الضريبية استراتيجية معينة للحد من هذه الظاهرة (الفصل الثاني)

الفصل الأول : تمظهرات العوامل النفسية والاجتماعية للتهرب الضريبي. 

       تجدر الإشارة إلى أن موضوع التهرب الضريبي، يضع أمام الإدارة الجبائية عدة إشكالات تتطلب منها إيجاد حلول ومخرجات من أجل تحصيل الموارد المالية، بكيفية لا تعيق خزينة الدولة ولا تضعها في عجز مالي الذي يدفع بها للاقتراض والمديونية ، ومع مرور السنين والإدارة الجبائية تحاول تجويد هيكلها للحد من ظاهرة التهرب الضريبي، لكن رغم ذلك لازالت تعاني وستبقى كذلك إن لم تتحقق عدالة ضريبية بين جل الملزمين، ما يحثهم على دفع الضرائب عن طيب خاطر على اعتبار أن الدولة قامت بما يجب القيام به من مساواة أمام الضريبة. 

 وإذا كانت ظاهرة التهرب الضريبي منتشرة بين الملزمين يتحكم فيه العديد من الأسباب منها ما هو مرتبط بالتقنيات الضريبية وأخرى اقتصادية، فهناك أيضا عوامل نفسية واجتماعية، يمكن القول وإن صح التعبير أنها العامل الأول والرئيسي لانتشار هذه الظاهرة، وذلك راجع لمدى ارتباط الفرد بالمال لا على مستوى الجانب الاجتماعي وحتى النفسي. 

 إن الإشكال الأساسي الذي يطرحه هذا الموضوع، يتمثل في تحديد أهم الأسباب النفسية التي كانت وراء انتشار هذه الظاهرة (المبحث الأول)، بالإضافة إلى ضرورة رصد الأبعاد الاجتماعية لظاهرة التهرب الضريبي، والذي لن يكون بالأمر السهل نظرا لتداخل عدة عوامل من بينها طبيعة الظاهرة نفسها التي تفرض علينا التركيز على العوامل الاجتماعية والبحث في مختلف الإشكالات الناتجة عنها (المبحث الثاني). 

الفصل الثاني : أثر العوامل النفسية والاجتماعية للتهرب الضريبي على العلاقة الضريبية 

      تعتبر الضريبة مرآة لسلوكيات أفراد المجتمع، إذ أن الملزم وما تتحكم فيه من محددات نفسية واجتماعية جعلته يرفض فكرة الضريبة باعتبارها تمس ذمته المالية، فارتباط الجباية بالإكراه والضغط النفسي، نتج عنه تباعد الملزم عن الإدارة الجبائية. 

 وذلك راجع بالأساس إلى ضعف عملية التواصل فيما بين أطراف العلاقة الجبائية ، وسيادة التواصل الأحادي الجانب المكرس لعلاقة جبائية غير متوازنة تهيمن عليها وتوجهها الإدارة الجبائية حسب منطلقاتها مغيبا فيها واقع الملزم واحتياجاته، مما أصبح معه مطلب إرساء مرتكزات تحقيق نوع من التوازن بين أطراف العلاقة الجبائية (المبحث الأول).

 وهذا التباعد الحاصل بين الملزم والإدارة الجبائية أدى إلى شيوع ظاهرة التهرب الضريبي سواء بالطرق المشروعة أو غير المشروعة، مما أثر على مردودية الخزينة، لذلك كان التوجه نحو إدارة جبائية خدماتية مدخل أساسي لتحسين وتجسير العلاقة بين الملزم والإدارة الجبائية، وتعزيز العلاقات الإنسانية في مجال التواصل الجبائي، بالإضافة إلى اعتماد الوسائل الحديثة للتكنولوجيا لعصرنة علاقتها بالملزمين (المبحث الثاني). 

__________________________________________________________
 رسالة العوامل النفسية والإجتماعية للتهرب الضريبي بالمغرب إعداد الطالب يوسف الحيمر

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف للتبليغ عن انتهاك حقوق الطبع والنشر يرجى التواصل معنا عبر صفحة اتصل بنا.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-