العنوان | السياسات العمومية الترابية ومداخل تحقيق الإلتقائية |
---|---|
انجاز الطالب | مراد أزماني |
تحت اشراف الدكتور | يوسف عنتار |
نوع المرجع | رسالة |
السنة الجامعية | 2020/2019 |
عدد الصفحات | 213 ص |
حجم الملف | 1MO |
نوع الملف | |
روابط التحميل | mediafire أو google drive |
مقدمة
السياسات العمومية، هي مجموع التوجهات الإستراتيجية المتعلقة بالتدبير العمومي للدولة والأجهزة التابعة لها، والتي أصبحت اليوم تحظى بأهمية بالغة في الدراسات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والحقوقية.
ويمكن تعريف السياسات العمومية أيضا بكونها مجوع القوانين والبرامج والمشاريع والمخططات التي تقدمها الدولة كبدائل لحل المشاكل العمومية، وبالتالي فهي تمثل سلسلة طويلة من النشاطات والقرارات الحكومية المترابطة والتي تعني أكثر من مجرد قرار.
ويعرف "جيمس أندرسون" السياسات العمومية، بكونها برنامج عمل مقترح لشخص أو جماعة أو حكومة في نطاق بيئة محددة لتوضيح الغرض المستهدف، والمحددات المراد تجاوزها سعيا للوصول إلى الأهداف أو تحقيق غرض مقصود. وهي برنامج عمل هادف يعقبه أداء فردي أو جماعي في التصدي لمشكلة أو قضية ما. كما يعرف "دافيد إستون" السياسات العمومية بكونها تمثل "التوزيع السلطوي للقيم".
وتختلف السياسة العامة عن السياسات العمومية، ذلك أن الأولى تتحدد عندما تحاول سلطة محلية أو وطنية، بواسطة برنامج عملي منسق تعديل البيئة الثقافية، أو الاجتماعية، أو الاقتصادية للفاعلين الاجتماعيين في الإطار العام للتقسيم القطاعي للمجتمع، وما يميزها أكثر خاصة بالمغرب يتمثل في كونها تعرف مشاركة رئيس الدولة وتعبر عن توجهاته الإستراتيجية، أما السياسات العمومية فتتمثل في مجموعة من الأنشطة أو عدمها، التي يقوم بها الفاعلون السياسيون بغرض تقديم حلول للمشاكل المطروحة والتي يعاني منها المجتمع، إن السياسات العمومية تعني ذلك المسار العملي المقصود من لدن الحكومة أو أحد مؤسساتها لتقديم حلول عامة تسترعي انتباها عاما، وما يميزها عن السياسة العامة يتمثل في كونها لا تعرف في الغالب مشاركة رئيس الدولة.
لقد عرفت الحقبة الممتدة من تسعينيات القرن الماضي إلى حدود اليوم تغیرات دولية ووطنية دالة وملتفة، أثرت في طبيعة المعرفة المنتجة للفعل العمومي، وشكل تقرير البنك الدولي سنة 1995، الذي شرح وضعية المغرب الاقتصادية والاجتماعية والمالية، حيث كانت كل المؤشرات تدل على أن البلاد على حافة الإنهيار، مما دفع الراحل الحسن الثاني لتوجيه خطاب للأمة قائلا إن البلاد مهددة بالسكتة القلبية، وشكل الخطاب دفعة قوية ليبحث النظام السياسي المغربي عن وسائل جديدة لإمتصاص التوترات المجتمعية التي سادت في تلك الفترة. ومنذ ذلك الحين بدأ إهتمام صانعي القرار بالسياسات العمومية، حيث تم إدماجها ضمن تكوينات القانون العام بكليات الحقوق، وبدأ الإهتمام بإنشاء مراكز تهتم بتحليل السياسات العمومية وأصبح الباحثون والمتخصصون تبعا لذلك في قلب الفعل العمومي، من خلال مساهمتهم في إيجاد حلول للمشاكل العمومية (كتقرير الخمسينية، وتقرير هيئة الإنصاف والمصالحة، وتقرير اللجنة الإستشارية للجهوية، اللجنة المكلفة بإعداد النموذج التنموي الجديد).
وتعتبر السياسات العمومية الترابية، سياسات تهدف إلى تحقيق توزيع أفضل للسكان والأنشطة فوق مجال معين من خلال سياسات قطاعية ومجالية وترابية، للتخفيف من التباينات وتحقيق نوع من التوازن المجالي، على إعتبار أن التراب هو أحد العوامل التي تسمح بتوجيه الفعل العمومي حيث تفتقد الدولة مركزيتها في هذا المستوى.
ومصطلح السياسات العمومية الترابية يعتبر حديثا نوعا ما في المغرب، إذ أن الشروع في تدعيم الإختيار الجهوي كاساس للتنظيم الترابي بالمغرب برز بشكل لافت من خلال عدة محطات كان أبرزها نظام الجهات الاقتصادية لسنة 1971، والرغبة في إحداث جهوية ذات هياكل تشريعية وتنفيذية سنة 1984 والتعديل الدستوري لسنة 1992، مرورا بتدعيم مكانة الجهة في دستور 1996، وصدور القانون المنظم للجهات سنة 1997، انتهاء بدستور 2011 الذي كرس للجهوية المتقدمة كمقاربة استراتيجية في سياسة إعداد التراب الوطني، وصدور القوانين التنظيمية للجماعات الترابية سنة 2015 وصدور الميثاق الوطني للاتمركز الإداري سنة 2018 وإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار سنة 2019، كل هذه المحطات والإصلاحات قد ساهمت في تعاضم دور النقاش العمومي حول موضوع السياسات العمومية الترابية ومكانتها في الحقل السياسي المغربي، خاصة ما يتعلق منها بإشكالية إلتقائية وإندماجية السياسات العمومية الترابية.
وفي سعينا لتحديد مفهوم الإلتقائية، والذي سنحاول تعريفه من الناحية اللغوية، فحسب تعریف منجد الطلاب، الإلتقائية من فعل (لقي يلقي-لقاء ولقاية ولقی) فلانا : إستقبله وصادفه ووافقه الشيء كما تعني التطابق من فعل الأمر طابقه، وطابق بين الشيئين أي جعلهما على حذو واحد. وحسب تعريف" Le petit Larouse" فالإلتقائية، هي إحداث التقارب فيما بين المناطق والشعوب من أجل تحقيق هدف معين وواحد في الحياة، وكذلك الأفكار والقوى.
أما إصطلاحا فيمكن القول أن الإلتقائية هي تلك الآلية التي تهدف إلى تحقيق التشارك والإندماج والتلاقي والتناسق والتناغم، في إطار ربط علاقة تنموية في الغالب بين عدة فاعلين لإتخاذ القرار في إطار السياسات العمومية المنتهجة (قطاعات حكومية، وكالات تنموية، مصالح لاممركزة، جماعات ترابية، جمعيات...)، والتي تعمل في حقل وتخصص متشابه بينها أو متداخل، بهدف بلورة عمل تنموي متكامل ومندمج من خلال البرامج المنجزة والمشاريع التي هي في طور الإنجاز أو المرتقب إنجازها على كافة المستويات بغية الخروج ببرنامج ومشروع واحد يتلاقى فيه الكل بعيدا عن التداخل والتنافر، ومتكامل ومنسجم وذو نتائج إيجابية ومندمجة ومتجانسة.
فالإلتقائية إذن، هي النموذج الذي يتوخى أن يشتغل فيه كل المتدخلين والفاعلين من أجل إخراج مشاريع وبرامج تنموية مندمجة، شرط أن تكون مبنية على المقاربة التشاركية وسياسة القرب والمقاربة الترابية وتثمين مجهودات المتدخلين الجهويين والترابيين ودعمهم قصد بلوغ الأهداف المشتركة والمسطرة من طرفهم وخاصة هدف التجانس والتناسق والتناغم فيما بينهم.
ومن خلال الإطلاع على مجموعة من التقارير الوطنية وتصريحات رئيس الحكومة في مناسبات متعددة، علاوة على التقرير الختامي لأشغال المناظرة الوطنية الأولى حول الجهوية المتقدمة نجد أن موضوع إلتقائية السياسات العمومية الترابية، بات يشكل الرهان الحقيقي لتحقيق التنمية والعدالة المجالية وخلق الثروة وتحقيق متطلبات الجهوية المتقدمة، والإستجابة لتطلعات المواطنات والمواطنين، وبالتالي وجب على الدولة أن تركز بالأساس على وظائف: التنظيم، والتنسيق، والتحكيم الترابي، وأن تلعب أدوارا أساسية عبر سياسات عمومية ترابية تقوم على أساس الحرص على تحقيق الإنسجام والتماسك والتعاون وتقليص التفاوتات الترابية وتقوية آليات التضامن وتوضيح أدوار الفاعلين وتشجيع المبادرات الترابية.
الفصل الأول : المدخل القانوني والتدبيري كدعامة لتحقيق الإلتقائية
يشكل المدخل القانوني التنظيمي، والتدبيري دعامة أساسية لتحقيق إلتقائية السياسات العمومية على المستوى الترابي، خاصة وأننا نعيش على وقع منظومة قانونية وتدبيرية هشة غير قادرة على بلورة الرهانات الترابية، مما أفرز لنا إشكالا عميقا تجذرت آثاره على المستوى السياسي والاقتصادي والإجتماعي والبيئي، مما أدى لتراجع أدوار الوحدات الترابية في تحقيق التنمية الإقتصادية والاجتماعية.
ويعتبر المدخل القانوني التنظيمي أحد دعائم رهان تحقيق إلتقائية السياسات العمومية الترابية والذي يستلزم بالضرورة توفير ترسانة قانونية منسجمة مع أهداف السياسات العمومية الترابية من خلال تكريس تقطيع جهوي مبني على العدالة المجالية والتوازن الترابي، والتنزيل السليم والفعال لمبدأ التدبير الحر الذي يستلزم القطيعة مع مرجعية الدولة المركزية المتحكمة في التراب بهواجس أمنية طغت على تعاملها مع الجماعات الترابية، وعرقلت كل المبادرات الرامية لتأهيل الوحدات الترابية ومنحها المكانة التي تستحقها، كما يستلزم الأمر أيضا تجويد النصوص القانونية المتعلقة بالجماعات الترابية، والتحديد الدقيق للإختصاصات لمنع التداخل والتنازع بين الوحدات الترابية وتضييع الجهد وإهدار الوقت والمال في برامج ومخططات عقيمة غير قادرة على حل المشاكل العمومية، علاوة على تكريس إصلاح حقيقي للمنظومة الجبائية لدعم القدرات المالية للجماعات الترابية بما يدعم تحقيق رهان الإلتقائية.
ويعد ميثاق اللاتمركز الإداري مدخلا قانونيا يسعى لتحقيق التنسيق والتكامل، من خلال منح الوحدات اللاممركزة للإدارات المركزية للدولة المكانة التي تستحقها، وذلك بمنحها صلاحية التقرير في شؤونها على المستوى الجهوي دون الرجوع للمركز، والتعثر بسبب بطئ العلاقات العمودية بينهما، علاوة على تدعيم مكانة الوالي في تحقيق الإنسجام والتنسيق الأفقي بين مختلف المتدخلين في عملية صناعة وتنفيذ السياسات على المستوى الجهوي والترابي، مما يحقق دعامة أساسية لترسيخ رهان إلتقائية السياسات العمومية الترابية (المبحث الأول).
كما يشكل المدخل التدبيري، دعامة أساسية في بلورة سياسات عمومية ترابية فعالة وناجحة من خلال إعمال آليات التعاقد الترابي بين الدولة والجماعات الترابية فيما يتعلق بالإختصاصات المشتركة، مما يمكنها من بلورة رؤية شمولية تدمج القطاعي في بعده الترابي، المبني على المشاركة والتفاوض والتحاور بين الجماعات الترابية، وممثلي الدولة للخروج بصيغة تعاقدية مبنية على طرح الأولويات وفق برنامج عمل علمي دقيق، يحقق حل المشاكل العمومية الترابية.
كما أن التخطيط الترابي من خلال التصاميم الجهوية لإعداد التراب وبرامج التنمية الجهوية وبرامج عمل الجماعات يلعب دورا هاما من خلال إعمال آلية التخطيط المبنية على التشخيص الدقيق للمتطلبات وصياغة سياسات عمومية ترابية تحقق الإندماجية والتكامل والإلتقائية بين الخيارات التنموية على المستوى الترابي مما يساهم في إيجاد وبلورة بدائل فعالة لتحقيق أهدافها.
كما يلعب التدبير التشاركي للسياسات العمومية الترابية، دورا مدعما لتحقيق الإلتقائية من خلال إعمال مبادئ الشراكة والتعاون اللامركزي الداخلي أو الدولي، ومبادئ التضامن والتشارك لتحقيق إلتقائية الإختيارات، وتحقيق البناء المتكامل للسياسات العمومية، كما يلعب التقييم أيضا دورا في كشف العراقيل والصعوبات التي تعتري تنفيذ السياسات، وإعطاء حلول تقويمية من خلال جملة من التقارير الموضوعاتية التي تؤدي لتجاوز هذه الصعوبات وبالتالي تحقيق رهان إلتقائية السياسات العمومية الترابية (المبحث الثاني).
الفصل الثاني : المدخل المؤسساتي والبشري التأهيلي لتحقيق الإلتقائية
يعتبر المدخل المؤسساتي والبشري التأهيلي من المداخل الممكنة لتحقيق إلتقائية السياسات العمومية على المستوى الترابي، والتي باتت تشكل في الآونة الأخير الرهان الذي شغل بال صانعي السياسات، وشكلت نقطة مهمة ضمن خلاصات تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمجلس الاقتصادي والإجتماعي والبيئي، وترددت كثيرا في أجوبة رئيس الحكومة خلال الجلسات الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة، كما أن مختلف القطاعات الوزارية، قد أكدت وفي أكثر من مرة على ضرورة إعتماد مقاربات تشكل نواة للإصلاح تمكن من بلورة سياسات عمومية ترابية ناجحة وفعالة سواء عند إعدادها أو تنفيذها، لتشكل بذلك بدائل لحل مختلف المشاكل العمومية الترابية، التي لن يتحقق لها ذلك إلا ببلوغ رهان الإلتقائية.
ومن خلال هذا الفصل سنحاول مقاربة دور المدخل المؤسساتي في تحقيق إلتقائية السياسات العمومية الترابية من خلال إبراز الدور الذي تلعبه مؤسسات التنمية سواء على المستوى الجهوي ويتعلق الأمر هنا بالوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع علاوة على وكالات التنمية الإقتصادية والإجتماعية لأقاليم الشمال، الجنوب، والشرق، ودورها في تنفيذ السياسات العمومية على المستوى الترابي بالإضافة إلى أدوارها الإستشارية.
هذا بالإضافة إلى مؤسسات على مستوى الجماعات، والتي تتولى مهام التنسيق مع مختلف الفاعلين المتدخلين في العملية التنموية وتتولى تنفيذ برامج التنمية وتنفيذ السياسات بمنهجية وتدبير مقاولاتي، وأخص بالذكر شركات التنمية المحلية والتي تحدثها الجماعات أو تشترك معها في رأسمالها لتنفيذ السياسات التجارية والصناعية على مستوى الجماعة، مما يؤدي لتجاوز إكراهات التمويل لإنجاز تلك المشاريع من طرف الجماعات بمفردها.
فضلا عن الدور المحوري الذي باتت تلعبه المراكز الجهوية للإستثمار خاصة بعد الإصلاح المؤسساتي الأخير الذي منعها بصلاحيات تقريرية هامة، وقلل إلى حد كبير من هيمنة المركز على السياسات العمومية الإستثمارية فضلا عن إحداث أقطاب جديدة وإحداث اللجنة الجهوية الموحدة للإستثمار مما سيساعد لامحالة في تكريس البعد الجهوي للسياسات العمومية الإستثمارية وتحقيق إلتقائيتها (المبحث الأول).
كما سنتطرق أيضا في هذا الفصل إلى مقاربة المدخل البشري التأهيلي على إعتباره من المداخل المهمة في تحقيق إلتقائية السياسات العمومية الترابية، خاصة ما يتعلق "بالنخبة السياسية الترابية" المتربعة على عرش مجالس الجماعات الترابية، والتي يتطلب الأمر إعادة النظر في شروط ومقومات انتخابها بسبب تدني مستوياتها التعليمية والتأهيلية عموما، مما يشكل عقبة في فهم وتطبيق النصوص القانونية وحسن التدبير والتسيير مما يؤثر سلبا على الفعل العمومي الترابي.
وبالتالي يجب أخذ زمام الأمور للعمل على تكوينها وتأهيلها وتغيير محددات انتخابها، خاصة ما يتعلق بمشكل منح التزكيات الحزبية لولوج غمار الإنتخابات الجماعية لمن هم دون المستوى، هذا علاوة على ضرورة العمل على نهج سياسة تكوينية تأهيلية وتحفيزية للأطر الإدارية على مستوى الجماعات الترابية من أجل تقوية القدرات الإدارية، فضلا عن الإنخراط في رسم معالم التخطيط الإستراتيجي القائم على مناهج علمية من أجل ضمان حسن تطبيق وتفعيل الإجراءات الإدارية التي تكون مصاحبة للسياسات العمومية الترابية على مستوى الإعداد والتنفيذ، من أجل ضمان تحقيق إلتقائيتها (المبحث الثاني)
المصدر رسالة السياسات العمومية الترابية ومداخل تحقيق الإلتقائية اعداد الطالب مراد أزماني تحت اشراف الدكتور يوسف عنتار
تعليق