العنوان | فلسفة القانون |
---|---|
تأليف | ميشيل تروبير |
ترجمة | جورج سعيد |
نوع المرجع | كتاب |
عدد الصفحات | 130 ص |
حجم الملف | 3MO |
نوع الملف | |
روابط التحميل | mediafire أو google drive |
مقدمة
نعيش تحت هيمنة القانون منذ الولادة ينبغي تسجيل الطفل في دوائر النفوس، والإسم الذي يحمله الطفل يجب أن يتوافق مع بعض القواعد ، وقواعد أخرى تأمر بضرورة إدخاله المدرسة، وعندما نشتري أي شيء أو نأخذ سيارة النقل، يكون هذا إعمالاً لعقد ما. نتزوج، نعمل، ونعالج في المشافي طبقاً للقانون. مع هذا ورغم وعينا لهذا الحضور المهيمن للقانون، ولكوننا قادرين على تطبيق أو إنتاج القواعد القانونية، فإننا غالباً عاجزون عن تحديده.
ولكن لماذا يا ترى ينبغي تحديد القانون؟ فالبحث عن تحديد للقانون يرتبط بعملية تفكر في مـوضـوع طبيعة القانون أو جوهره. وهذا البحث ضروري جـداً لعـمـل القـانـونيين. نلاحظ غالبـاً أن العاملين في مـجـال الفيزياء ليسوا بحاجة لتحديد الفيزياء، والعاملين في مجال الكيمياء لتحديد الكيمياء، فـيـمـا العاملون في القانون les juristes لا يسعهم الإفلات من تحديد القانون. وهذا الأمـر يعـود قـبل أي شيء آخـر إلى إسـتـحـالـة تـطبـيـق قـاعـدة قـبـل الـتـأكـد من أنهـا فـعـلا قـاعـدة قـانونيـة.
ما الفرق بين الأمر الذي يوجهه لنا السارق وذلك الذي يوجهه لنا جابي الضرائب. الإثنان يأمـراننا بإعطائهـمـا الدراهم وفي الحالتين للرفضن عواقب وخيمة، والحال أننا نقول إننا ملزمـون ومكرهون على الخـضـوع لأوامر السارق، بينما نتحدث عن واجب الخضوع لطلب الجابي، بمعنى آخر، نحدد واجب الخضوع للجابي بما هو واجب قانوني، وفقاً لتحديد القانون، وهذا التحديد ليس فيه أي شيء فلسفي. فالقانون ذاته هو الذي يحدد معايير ما هو قانوني وما هو خرق للقانون، كما في حالة السارق.
يكفي إذاً، بما يخص غالبية حاجاتنا العملية، أن نعرف ما هي المعايير المتضمنة في القواعد ، وعلى أي حال معرفة هذه الأمور لا تعلمنا شيئاً عن طبيعة القانون. لا نعرف لماذا تم اعتماد هذه المعايير، ولا إذا كانت هذه القـواعـد إلزامية فعلاً، وفي حال كونها إلزامية لا نعرف لماذا : هل لأنها صحيحة، لأنها تنبثق عن سلطة سياسية، أو لأنها مرتبطة بعقوبات في حال المخالفة؟
كيف نعرف إذا كانت الـقـواعـد التي تحـدد مـا هو قانوني هي بذاتهـا قـواعـد قـانونيـة، هي جزء من القانون أو شيء آخر؟ وهذا السؤال ليس بذاته سؤال قانوني، بل فلسفي، والقانوني (العامل في القانون أو الممتهن) لا يمسك بأي عنصـر من عناصـر الجـواب. وهذه المسألة لا تهم وحسب فلسفة القانون، بل فروعاً أخرى، من مثل الفلسفة الأدبية إذا اعتبرت هذه الأخيرة أن الإنصياع للقانون أمر جيد، والتاريخ أو الأنتروبولوجيا لأن هذه الفروع تبحث عما إذا كان مجتمع معين خاضعاً أم لا لمنظومة قانونية.
ولكن هذا التساؤل وإن لم يكن قـانونيـاً فإن له أحياناً مـفـاعـيل على القانون نفسه، يمكن تقديم المثال الآتي المستوحى من حالة واقعية والذي يبدو كأنه الصورة العكسية لأسطورة أنتيغون Antigone. في ألمانيا النازية كانت تعتبر كل التلفظات ضد النظام جرائم يعاقب عليها القانون والذين يسمعونها كانوا ملزمين بالإبلاغ عنها للسلطات، بعد إنتهاء الحرب تمت ملاحقة إمرأة وشت بزوجها الذي أوقفته السلطات وحكمت عليه بالإعدام ونفذت العقوبة. فهل يجب محاكمة هذه المرأة؟
الجواب على هذه الأمور مرتبط بتعريف القانون ولقد طرحت المحاكم هذه المسألة بهذا الشكل: يمكن أن نعتبر بداية أنه أياً كانت أسباب المرأة الواشية والتي لم تكن بالتأكيد مؤيدة للنظام ولا يهمها إحترام القانون، وايا كان حكمنا الأدبي عليها، هذه المرأة في نهاية الأمر لم تفعل إلا ما كان يطلب منها القانون فعله ينبغي إذا تبرئتها .
ولكن يمكن أن نعتبر أن القانون النازي loi nazie كان من القذارة ومن المخالفة للمبادئ الجوهرية بحيث لا يستأهل صفة قانون على الإطلاق، وبحيث أن الواشـيـة لـم تكن ملزمـة بالتالي إحترام هذا القانون، بل كـان عليـهـا رفض الخضوع له، لو لم يكن القانون النازي قانوناً، لما حل محل القانون السابق الذي كان يعاقب الوشايات المفرطة بنقلهـا وقائع كاذبة ليس إلا . في هذه الحالة يجب إذا معاقبة المرأة.
هكذا فإن القاضي سوف يحكم بهذا أو ذاك الإتجاه تبعاً للمفهوم الذي يكونه عن طبيعة القانون la nature du droit ، يمكنه أن يعتبر أن القانون هو مجمل القواعد القانونية الصادرة عن السلطة السياسية أو فقط تلك التي لا تخـرق مثال العدالة، في الحالة الأولى يبريء المرأة، وفي الحالة الثانية يعاقبها ، والحال أن الحل لا يقوم في القانون المرعي الإجراء بل في الخيارات الفلسفية.
إلا أن القانونيين، لدى القيام بعملهم، هم مرتبطون ليس فقط بتحديد القانون، إنما بتحديدات المفهـومـات concepts الجوهرية المستخدمة في صياغة القـواعـد . إن مـضـمـون الـقـواعـد يعـبـر عن الإعتناقات أو الميول السياسية والأدبية لأصحابها ، فالقانون الذي يمنع أو يسمح بالصيد، الإجهاض أو الإنتحار يعكس المعتقدات المتعلقة بالحيوانات والحياة وحرية تصـرف الإنسان (بحيـاته، بجسده..).
هذه المفـهـومـات ليست مـبـاشـرة قـانونيـة لأن الحيوانات والحـيـاة أو الإنتـحـار، يمكن أن ينظمـهـا القـانون ولكنها تقوم خارج القانون أيضاً، بصورة مستقلة عنه، يعتقد بعض الكتاب أنه يوجد فوق القوانين، قانون طبيعي يمكن أن يعرفه /يمكن أن يمسك به/ العقل الإنسـانـي وهـو يـحـتـوي على مـبـادئ العـدل التي تحكم هذه المسائل. هذا القانون الطبيعي هـو مـوضـوع فلسـفـة قـانـون حـول مسألة العائلة أو الإجهاض، وفلسفة القانون هذه تحمل بعداً قاعدياً dimension normative بمعنى أنها توعز للمشترع إعتماد قواعد متوافقة مع مبادئ العدل التي تكون قد استنبطتها .
ولكن حتى الذين لا يقتنعون بوجود قانون طبيعي لا يمكنهم إجتناب التفكيـر فـي المـفـهـومـات التي يسـتـخـدمـهـا المشـتـرع، عندما تتعلق هذه المفـهـومـات بمؤسـسـات لا توجد إلا في /وبفضل/القانون. بعض هذه المفهومات تهم الشكل القانوني كالدستور أو العقد، وأخرى تهم المضمون كالزواج والملكية. إن القواعد المتعلقة بالعقد وبالملكية هي مختلفة تماماً تبعاً للبلد ولكنها مـوجـودة دوماً. هي تعكس أفكاراً حول طبيعة العقد أو الملكية يقتضي أن يعرفها القانونيون كي يجيدوا تطبيقها .
إن التأكيد على وجود قاعدة قانونية يفترض مسبقاً تحديداً عاماً للقانون لبنيته وللمفهـومـات القانونية، ولكن أيضاً يفترض مـفـهـومـاً عن العلم يتيح التوصل إلى معرفة هذه القاعدة أو صحة التحاليل المنطقية التي تطبق عليها . وهذه الإفتراضات المسبقة هي دوماً غير واعية أو هي تؤسس فقط لمعرفة القانون ولإعماله في بلد واحد أو أن هذه الإفتراضات ليست متناسقة بين بعضها، هكذا، فلسفة القانون هي حاضرة بالضرورة، ولكنها فلسفة قانون ضمنية بقدر ما هي عفوية.
الكلام على فلسفة القانون بصورة عامة جدأ يهدف إلى إطلاق عملية تفكر reflexion منهـجـيـة حـول تحـديـد القانون وعـلاقـتـه بـالعـدل وبعلم القانون، ببنية المنظومة أو نمط التحليل القانوني المتبع، فلسفة القانون يمكن أن تقدم بأشكال عديدة والمؤلفات التي تحمل عنوان "فلسفة القانون" يجمع بينها إلا كونها جميعها تقدم رأياً عاماً جداً في القانون، بعضها يعرض النظريات والبعض الآخر يعرض المسائل المعالجة، حسنة المقاربة الأولى تكمن في أنها تبرز تماسك فكر حول جملة من المسائل، لكن سيئتها تكمن في إخفاء تنوع الآراء حول مسألة معينة، أما حسنات وسيئات المقاربة الثانية فهي معاكسة للأولى.
ولكن بما أن الطموح الرئيسي لهذا الكتاب هو إظهار كيف يجري السجال الفلسفي حول القانون فأننا نعتمد المقاربة الثانية. وهذه المقاربة لا ترسم أي طريق معبد لغياب أي لائحة موضوعة مسبقاً تحتوي على جميع المسائل التي يجب معالجتها وسوف نكتفي بالتطرق لأكثرها أهمية. إنها المسائل التي تعرض لتعريف فلسفة القانون وموضوعها (علم القانون) وبنية المنظومة القانونية ونمط التحليل القانوني.
الفصل الأول : ما هي فلسفة القانون؟
لقد انتشر استخدام عبارة "فلسفة القانون" منذ بداية القرن التاسع عشر، وبخاصة بعد صدور "مبادئ فلسفة القانون" للفيلسوف الكبير هيغل (۱۸۲۱)، إلا أن البحث وإطلاق النقاش والأفكار حول القانون فهـو أمـر قديم قدم القانون نفسه. واليوم المؤلفات التي تحمل هذا العنوان شديدة التنوع، ليس فقط في ما يخص النقاط النظرية المطروحة بل أيضاً في مـحـتـواهـا.
ليس ثمة إتفاق في مـوضـوع تحـديد القانون، ولا في تحـديد فلسفة القانون ولا في معرفة إذا كانت فلسفة القانون جزءاً من الفلسفة أو جزءاً من العلم القانوني؛ كما ليس ثمة إتفاق على لائحة من المسائل التي تدخل في إهتماماتها، ولا على وظائفها ولا على العبارة نفسها، حيث يفضل بعضهم عبارة "النظرية العامة للقانون" أو في الأنكليزية generaljurisprudence.
وهذه الفوارق بالعبارات تعكس تعارضات أخرى من النوع التاريخي أو الأبستيمولوجي(1)، بين فلسفة قانون القانونيين وفلسفة قانون الفلاسفة أو بين أتباع مدرسة القانون الطبيعي وأتباع مدرسة الوضعانية القانونية. يجب تحليل هذه الأمـور قـبل دراسة الوضع الحالي لفلسفـة القانون.
الفصل الثاني : علم القانون
إن مسألة معرفة إذا كان ثمة علم قانون هي قديمة جدأ والأجـوبة عليها مرتبطة بالتفسيرات المتعددة لعبارتي "علم" و"قانون". عرف ميشيل فيلاي علم القانون كالتالي: "مهمة علم القانون الكلاسيكي الروماني هي قـول مـا يعـود ل "ألف" وما يعود ل "باء" بالطريقة التعيينية indicatif إنها العلاقات العادلة التي يكتـشـفـهـا العلم داخل النسيج الإجـتـمـاعي .
وهذا المفهـوم يرتبط بشكل وثيق بالإدراكـيـة الأتيـقـيـة cognitivisme éthique، أي الأطروحة التي تعتبر أن القيم مثل "الجميل" أو "العادل" لهـا وجـود مـوضـوعـي وهـي قـابلة للمـعـرفـة، وهذه الأطروحة يرفضها بالتأكيد معارضو الإدراكية وحتى هؤلاء الذين، رغم قبولهم بالأطروحة الإدراكية سيعتبرون أن القانون شيء والعدل شيء آخر. في أي حال إذا كان العلم جملة من المعارف فإن القانون لا يمكن أن يكونعلماً لأنه جملة من الممارسات.
ولكن إذا لم يكن القانون بحـد ذاته علمـاً فـإنه بالإمكان تصـور علم متميز عن القانون ولكنه يتناوله كـمـوضـوع، أي يأخذ على عاتقه وصف القانون. والحال أن علماً كهذا يتأقلم في أن مع الإدراكية الأتيقية ومع التيار المعارض للإدراكية الأتيقية، فهو يتأقلم أو ينسجم مع الإدراكية الأتيقية إذا افترضنا أن القانون هو جملة من القيم الموضوعية وأن مهمة علم القانون هي وصف هذه القيم، دون المساهمة في خلقها ودون أن يطلق أي حكم أتيقي. وهو يتأقلم مع "ضد-الإدراكية الأتيقية" إذا افترضنا على العكس أن القانون ليس جملة من القيم بل جملة من الممارسات أو القواعد التي يطلقها البشر. ولكن في كلا الحالتين لا يمكن أن يكون علم القانون إلا متميزاً جذرياً عن القانون نفسه، لأنه يتناوله كموضوع ويقتصر عمله على وصفه.
الفصل الثالث : هيكلية القانون
في أغلب الأحيان يعرف القانون بما هو مـجـمـوعـة (كل) من القواعد القانونية، وهذا التعريف يتطلب أن نعرض لطبيعة العناصر، أي القواعد قبل تحليل ميزات المجموعة التي تشكلها هذه القواعد ، في الواقع نلاحظ بسرعة إستحالة تحديد المجموعة عبر عناصرها لأن هذه العناصر نفسها لا تستقي ميزتها إلا من إنتمائها إلى هذه المجموعة.
الفصل الرابع : المنهج التحليلي le raisonnement في القانون
كتاب فلسفة القانون تأليف ميشيل تروبير ، ترجمة جورج سعيد
تعليق